يواجه حاكم ولاية نيوجيرسي الأميركية كريس كريستي تحقيقًا بشأن فضيحة فساد تشغل الرأي العام الأميركي هذه الأيام، وقد تقضي على مستقبله السياسي، خصوصًا أنه يعد أحد أبرز المرشحين الجمهوريين المحتمَلين لخلافة الرئيس باراك أوباما في انتخابات «2016» ونشرت الصحافة الأميركية قبل أكثر من أسبوع وثائق هي عبارة عن رسائل بالبريد الإلكتروني لكبار معاوني كريستي، تشير إلى وجود أوامر أصدرها الحاكم الشهير في سبتمبر/ أيلول الماضي لإغلاق جسر رئيسي يربط ضواحي ولايته مع ولاية نيويورك، وذلك انتقاماً من عمدة ديمقراطي لإحدى مدن الولاية لكون الأخير لم يؤيد إعادة انتخاب كريستي حاكماً للولاية في نوفمبر من العام الماضي. وفي هذا السياق أيضًا، تكشفت فضيحة أخرى تفيد بأن كريستي قد استخدم جزءًا من أموال كانت مخصصة لتعزيز السياحة بولايته في أعقاب الإعصار المدمر الذي ضرب نيوجيرسي عام «2012» لتمويل حملة إعادة انتخابه، من خلال ظهوره برفقة عائلته في المشاهد الإعلانية التي تهدف بالأساس لتلميع صورة الولاية واجتذاب السياح. ويعد كريس كريستي «51 عامًا» أبرز مرشح جمهوري محتمَل لخلافة باراك أوباما، إذ تُظهر استطلاعات الرأي العام تفوقه على كل منافسيه الجمهوريين المحتمَلين، فضلاً عن منافسته القوية للمرشحة الديمقراطية المحتملة ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. محارب للفساد وبنى كريستي، الحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة سيتون هول، شعبيته من خلال شخصيته التي تتميز بالقوة والقدرة على مخاطبة الجمهور بأسلوب بسيط وصريح، كما أنه عُرف عنه محاربته للفساد الحكومي منذ أن كان مدعيًا عامًا لولاية نيوجيرسي على مدى نحو سبع سنوات قبل أن يصبح حاكماً للولاية للمرة الأولى عام «2009» وبدت الشعبية التي يحظى بها الرجل أكثر وضوحاً حينما أُعيد انتخابه للمرة الثانية حاكماً لولاية نيوجيرسي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وتحقيقه فوزاً ساحقاً على منافسته الديمقراطية باربرا بوونو، حاصلاً بذلك على ما يقرب من «60%» من الأصوات، ومتقدماً بفارق «12» نقطة عن النتيجة التي حققها في «2009» رغم أن الولاية التي يحكمها معروفة تقليدياً بتصويتها للديمقراطيين. وعقب الفضيحة، حاول كريستي إنكار إغلاق الجسر لدوافع سياسية، بل قال إنه لغرض إجراء دراسة مرورية، إلا أنه عاد في نهاية المطاف وأقر بالكذب وقال إن مساعديه ضللوه كما أقال كبيرة مساعديه وقدم اعتذاراً رسمياً لعمدة مدينة فورت لي مارك سوكوليش الذي تضررت مدينته جراء إغلاق الجسر، وتسبب ذلك في اختناقات مرورية وتباطؤ في حركة مركبات الطوارئ وتأخير الحافلات المدرسية. إلا أن مراقبين يعتقدون أن هذه الفضيحة لن تمر بسلام، وستقوض من شعبية الحاكم الجمهوري المعتدل، بل قد تقضي على طموحه السياسي بالوصول للرئاسة. ذلك ما يؤكده المرشح السابق لعضوية الكونغرس والناقد السياسي هويت هيلزمان قائلاً في حديثه للجزيرة نت إن الفضيحة أثارت تساؤلات حول قدرة كريستي القيادية، وتشكل تهديداً حقيقياً لطموحه في خوض انتخابات الرئاسة المقبلة. صورة سيئة وأشار هيلزمان إلى أنه إذا كان لا يعرف كريستي بمخطط إغلاق حركة المرور في الجسر، فإن الحقيقة تقول إن كبار مستشاريه خططوا ونفذوا هذه العملية، وهو ما يعكس صورة سيئة عن قيادته ويُظهر مدى ضعفها. وتحدث هيلزمان عن أنه من الممكن أن يتجنب الحاكم الجمهوري بعض المسؤولية عن هذا المخطط، إلا أن صورته قد تشوهت وشابتها الأضرار بعده، خصوصاً أنه كان يعتمد في شعبيته على صورته الشخصية النزيهة. وزاد في القول «بعد هذه الفضيحة سأكون مندهشاً إذا استطاع كريستي أن يكون منافساً ناجحاً على الرئاسة عام «2016». أما تأثير الفضيحة على مستقبل الحزب الجمهوري السياسي والانتخابي، فيرى هيلزمان أنها تتمثل في إزالة صوت معتدل بارز في الحزب من التنافس للرئاسة. وأضاف: «هذا يعني أنه سيكون من الصعب على الجمهوريين المعتدلين تقديم بديل شامل يرضي حتى الجناح المتشدد داخل الحزب والمتمثل في حركة الشاي». من جانبه، يرى أستاذ التاريخ في جامعة إمباير ستيت بنيويورك إيان ريفويتز أن الفضيحة تقلل من فرص كريستي لتأمين ترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة. حظوظ الخصوم ويعتقد ريفويتز في حديث للجزيرة نت أن كريستي أيضاً قد أعطى جناح حزب الشاي كل ما يتمنونه لأجل معارضة ترشحه، لأنهم كانوا يرونه تهديداً خطيراً لأهدافهم داخل الحزب الجمهوري المتمثلة في أخذ الحزب أكثر نحو التشدُّد اليميني. وأشار الأكاديمي الأميركي إلى أن عامل الجذب الرئيسي لكريستي كان يتمثل في أنه يُنظر إليه على أنه أفضل فرصة لضرب المرشحة الديمقراطية المحتملة والقوية هيلاري كلينتون، لكن هذه الميزة قد تضررت بعد الفضيحة. يُشار إلى أن أحدث استطلاع أجرته شبكة إن بي سي نيوز أظهر توسع صدارة هيلاري كلينتون على كريس كريستي من ثلاث نقاط في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى «13» نقطة هذا الشهر. واعتبر ريفويتز بأن هذا التحول بفارق عشر نقاط لا يوجد له أي تفسير سوى فضيحة إغلاق الجسر لدوافع سياسية. بينما لا يرى الباحث الأميركي أن الفضيحة ستؤثر على الحزب الجمهوري على نطاق واسع، بل سينحصر تأثيرها على المستوى الفردي للحاكم كريستي.