المادة العاشرة من اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» تضمنت الدعوة إلى الاختلاط بين الجنسين في التعليم حيث ورد في الفقرة «ج» ما يلي: «القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط، وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف». ولما كان النقد في ضوء المقاصد الشرعية لهذه الاتفاقية يتضمن تأكيد الجانب الإيجابي وبيان وإثبات عناية الإسلام به، ثم نقد ما يناقض ويخالف المقاصد الشرعية في الشريعة الإسلامية فإن الجوانب الإيجابية التي تضمنتها المادة العاشرة هي ما يلي: 1 حق المرأة في التعليم وتوفير البيئة المناسبة وحصولها على الإعانات ومواصلة التعليم. 2 رعاية برامج تعليم الكبار ومحو الأمية. 3 خفض معدلات الانقطاع عن الدراسة وتركها قبل الأوان. وهذه جوانب إيجابية سبق إليها الإسلام وكفلها حقوقاً للمرأة منذ بزوغ شمس الإسلام. إن الإسلام قد جعل للمرأة الحق في التعلم والتأدب بما ينفعها في أمر دينها ودنياها فقد كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حريصات على العلم والفقه مثل الرجال تماماً وذلك حق لهن قد كفله لهن الإسلام. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا» فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: «ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجاباً من النار» فقالت امرأة: واثنين، واثنين، واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واثنين، واثنين، واثنين»رواه البخاري ومسلم. وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم أن يخص النساء بالموعظة في عيد الفطر، وعيد الأضحى فيوجه لهن الخطاب ويحثهن على الصدقة ويبين الأحكام التي تخصهن. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع النساء، فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، وبلال يأخذ في طرف ثوبه. رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين»رواه مسلم. قال الألباني رحمه الله: «فكذلك الكتابة والقراءة، فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية، كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضاً، فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث». والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث، وما يجوز لهم جاز لهن ولا فرق، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»، رواه الدارمي وغيره، فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه، وهو مفقود فيما نحن فيه، بل النص على خلافه، وعلى وفق الأصل، وهو هذا الحديث الصحيح، فتشبث به ولا ترض به بديلاً،... نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها. وقال صديق حسن خان رحمه الله: «لا يخفى عليك أن النساء نصف هذه الأمة بل أكثرها وهن شقائق الرجال في جميع ما ورد من الشريعة الحقة إلا أشياء خصهن الله تعالى ورسوله بها من دون الرجال وقد تفضل عليهن كما تفضل عليهم بأنواع من الإفضال فلهن ما لهم وعليهن ما عليهم في جملة الشرائع والأحكام وهي أبواب كثيرة طيبة جداً لا يتسع لذكرها المقام، كيف وما من خصال حسنة نزل بها القرآن والحديث إلا وهي مطلوب منهن فعلها وما من شيم سيئة نطق بها الكتاب والسنة إلا وهي مقصود منهن تركها لكني خصصت هذا الكتاب ببيان ما ورد في ذكرهن على الخصوص وهذا شطر علم من علوم الدين وشطره الباقي مشترك بينهم وبينهن باليقين وكم من تفاسير للآيات البينات وروايات الأحاديث والدرايات جاءتنا من قبل نساء الأنصار والمهاجرات...». فحق التعليم كفله الإسلام للمرأة وحثّ على أدائه إلا أنه لم يكن مطلقاً عن أي قيد، فالعلم الذي حثّ الإسلام على تعلمه هو العلم النافع، والنفع يكون في الدنيا والآخرة، كما أن الحصول على العلم يجب أن يكون بالوسائل الشرعية، أما التعليم عن طريق الدراسة المختلطة فإن الشريعة الإسلامية قد منعت وحذرت منه، بعموم النصوص الشرعية التي وردت في التحذير من اختلاط الرجال بالنساء، وهو الاختلاط الذي يكون في أماكن العمل والدراسة وما يبقى فيه الرجال والنساء على تواصل ولأوقات طويلة، فإن هذا من محرمات الشريعة الإسلامية، والمقاصد الشرعية في تحريم هذا الاختلاط لا تخفى فإن مفاسده عظيمة أوضحها وأنقد هذه المادة من الاتفاقية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية في الحلقتين التاليتين إن شاء الله.