لايكف المؤمن عن الدعاء للمولى عز وجل بأن يرفع البلاء ويزيل الغلاء ويحفظ الأنفس ويطهرها من عناصر الحسد والغل وجميع الأدواء. وحيث إننا في هذه الأيام نعاني من موجة غلاء طاحنة في مختلف السلع الضرورية، فإن مثل هذا الحال يرده الكثيرون إلى سياسات الدولة ونظام الاقتصاد دون الوضع في الاعتبار جوانب أخرى لها أبعد الأثر في الظاهرة خاصة إذا عقدت المقارنة بين الأسعار في بلادنا والأسعار في دول مجاورة، وكانت السلع الغذائيه تتأثر ارتفاعاً وهبوطاً بتكلفة وقود النقل وعناصر الطاقة. لكنها في هذه المرة وبرغم ثبات أسعار الوقود وعدم ازدياد فاتورته للمنتج. ظلت الأسعار ترتفع بحجج مختلفة منها انخفاض أسعار الجنيه السوداني، ومنها ما طرأ من متغيرات إثر انفصال الجنوب بتدني كمية العملات الصعبة وتدفقها للخزينة العامة جراء فقدان جزء غير يسير من الموارد النفطية بالإضافة إلى ما ضرب العالم من غلاء أصاب السودان جزءًا منه بفعل الأزمة المالية العالمية وما أدراك ما الأزمة المالية العالمية. ومهما تكن الأسباب التي أدت إلى ذلك الغلاء الطاحن فإن المواطن لايقيم لها وزناً. وليس لديه الاستعداد للتعامل معها منطقياً، ويتجه باللوم مباشرة إلى الحكومة شاكياً وباكياً من الجبايات والرسوم والضرائب وغيرها. ولاينسى أن يرد المسألة برمتها إلى الصرف الحكومي بالنظر إلى سيارات المسؤولين ومخصصاتهم دون الالتفات إلى الآخرين الذين يفوقون عدد المسؤولين وهم لاعلاقه لهم بوزارة أو إدارة لكنهم تجار ورجال أعمال يمارسون أنشطة متنوعة وهم على قدر من الاستطاعة لشراء أي سلعة مهما غلا سعرها، والتمتع بالخدمة الراقية حتى ولو كانت تلك الخدمة معلقة في السماء. وبما أن الخير يخص والبلاء يعم، فإن بلاء ارتفاع الأسعار قد طال الجميع، خاصة وأننا بالسودان ليس لدينا في قطاع أصحاب رؤس الأموال من يملكون مئات الملايين من الدولارات أو حتى العشرات منها. ودونكم العدد الكبير من الرأسماليين بدول عربية وإسلامية، أولئك الذين تتحدث الأرقام عن أرصدتهم المهولة التي من بينها عشرات الملايين ومئات الملايين ومليارات الدولارات مما كشفت عنه ثورات الربيع العربي التي حطّمت الطواغيت ممن كانوا أهل تخصص في كيفية عقد الزواج بين السلطة ورأس المال. والغلاء الذي تعاني منه البلاد، حسب القراءة لأسبابه ومسبباته والمعالجات التي اتخذت للقضاء عليه، فيما يبدو أنه علة يتيسر إيجاد الكوابح اللازمة لها. فإنشاء مراكز بيع السلع بالأسعار المخفضة ساهمت إلى درجة ملحوظة في استقرار وانخفاض سعر اللحوم وبعض الخضروات . وإعفاء بعض السلع من الرسوم الجمركية، لعب دورًا في طمأنة المواطنين، وإن لم تظهر نتائج تلك الإعفاءات على سوق السلع والخدمات حتى كتابة هذه السطور. وضخ المزيد من العملات الصعبة للصرافات، أحدث أثرًا في انخفاض سعر الدولار للمسافرين والمرضى بعد أن شارف سعر الدولار خمسة الجنيهات وكان يمكن أن يتصاعد السعر لولا ذلك السعي الحثيث والإجراء العاجل الذي اضطلع به بنك السودان. وأتوقع أن تستقر الأسعار ويزال البلاء جملة وتفصيلاً إذا أقدمنا بجرأة على إلغاء الجبايات والرسوم غير المبررة وخفضنا قليلاً من المصروفات وهي كثيرة من جنس التي نصفها جميعاً بأنها لزوم مالا يلزم. وبقدر قليل من اللطف وحسن الإدارة سيغيِّر الله مابنا من حال إلى حال. اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.