قال تلميذ البرعي يخاطبني في شيخه الذي يتعصب له أكثر من التعصب للحق الجلي من قرآن محكم وسنة جلية وهذا نص قوله: «أقول لكاتب المقال إنك اتهمت وتطاولت على قامة سامقة جداً، يعرف فضلها القاصي والداني ولا ينكره ولا يسيء الظن به إلا جاحد أو مكابر» هذا قول تلميذ البرعي الذي يجد ظهيره في الشتيمة التي يبدو أنه أُرضعها ارضاعاً ولم يُفطم منها بعد، في الدفاع عن شيخه الذي تصدى له قبلي علماء أجلاء من علماء العلم الشرعي لاينكر علمهم وفضلهم إلا تلميذ يعتقد قول شيخه الذي يصادم ما عُلم من الدين بالضرورة، كعلم الغيب الذي اختص به الله وحده، وكإحياء الموتى الذي ليس لأحد غيره سبحانه وتعالى. إن عقيدة شيخه التي قال إنني طعنت فيها، كتب عن مجانبتها لقويم الاعتقاد وتجافيها له علماء أجلاء كما قلت، كالدكتور عارف الركابي، الذي له في شيخه مكتوبات ومسموعات، بل كما علمتُ أنه ظل مستعداً لمن يناظره علناً في تفنيد قوله ونصرة شيخه ولم يتقدم إليه أحد. كما تصدى لعقيدة شيخه إضافة إلى الدكتور الركابي علماء أجلاء آخرون. فذلك كله موجود في مصادره، فلو تجرد التلميذ من هوى نفسه وطلبه لوجده، وأنا على يقين بأنه لايملك القدرة على مقاومة هوى نفسه ليطلع عليه، لأنه يناقض عقيدته الباطنية التي هي عقيدة شيخه، وانه؛ ويا للعجب يدرس شباب هذه الأمة علم العقيدة. يقول لي تلميذ البرعي: «فالشيخ البرعي رحمه الله إمام في العلم والفقه واللغة والأدب، وهو فوق هذا كله من حملة كتاب الله الذي أردت أنت بجهلك وسوء فهمك وقصر علمك أن تجعله مصادماً له، ولكن هيهات، هيهات سواء كنت جاهلاً بالأمر أو مدفوعاً إليه» هذا قول تلميذ البرعي وأنا أريه هنا إن كنتُ جاهلاً بالأمر، أما عبارة )مدفوعاً له) فهي أتفه من أن يُرد عليها. أقول للتلميذ أما إمامة شيخه في العلم والفقه واللغة والأدب، فلم أعرفها ولم أعرف من يعرفها، وقد يكون ذلك على مستوى من هم مثلك من تلاميذه، أما كونه من حملة كتاب الله كما تزعم، فنحن مأمورون بإكرام حملة كتاب الله كما جاء في الحديث الشريف )إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِى عَنْهُ..). فإجلال حامل كتاب الله أمر واجب كما ذكرتُ ولكنه إجلال مشروط، والشرط هو في جملة )وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِى عَنْهُ) فدعنا نرى أين يقف شيخك من شرط الإجلال الواجب في الحديث؟ هل شيخك غير غالٍ فيه وغير جاف عنه؟ لا، بل إن أقوال شيخك تناقض محكمه وتصادمه، وهذا أسوأ من الغلو فيه والمجافاة عنه. يقول الله تعالى في كتابه العزيز ))قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله...)) سورة النمل (65). وفي آية أخرى ينفي النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب )قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى) سورة الأنعام (50) ويقول )وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) الأعراف: (188). هذا قرآن محكم ينفي علم الغيب عن غير الله تعالى، وشيخك يثبته لشيوخه، إذ يقول في قصيدة له بعنوان «قوماك نزور» بديوانه «رياض الجنة» قوماك نزور الأولياء الأقطاب ليهم نشاور منهم خفي الحال منهم مجاهر منهم عليم بالغيب باطن وظاهر أما هذا القول في السطر الأخير من هذه الأبيات مصادم للقرآن المحكم الوارد أعلاه ومناقض له؟ لقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب بنص القرآن، وشيخك يقول إن الأولياء الذين يمدحهم يعلمون الغيب، أي أنهم يعلمون ما لا يعلمه النبي الذي تدعون محبته. أتريد مصادمة للقرآن وتناقضا له أكثر من هذا؟ ومن غرائب أقوال شيخك أنه يقول إن روضة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عرش الله وابرك منه، وذلك في قصيدته التي عنوانها: (أرني وجهك) حيث يقول: بالله صبرك ما بوازن باع الغير شبرك روضة قبرك أفضل من عرش الله وأبرك أهناك افتراء على الحق والحقيقة أكثر من ذلك؟ يا أستاذ العقيدة المساعد؟ يقول شيخك إنه إذا حل بالبلاد خطب فلك أن تدعو غير الله ممن ترى أنه ولي وذلك في ديوانه «رياض الجنة» في قصيدة الشيخ إسماعيل الولي: إذا ناب خطب في البلاد نزيل قل يا ولي الله إسماعيل هذا قول شيخك: وهو كما تقول حامل لكتاب الله الذي يقول: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فأدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) 194 الأعراف. أهذا قول مصادم لكتاب الله أم موافق له يا أستاذ العقيدة؟ أعلم أنك من مكابرتك لن تستطيع أن تقول الحق هنا، لأنك طوع هوى نفسك التي هي طوع هوى شيخك الذي يناقض بأقواله محكم التنزيل ويصادمه. ومما يدل على العجب العجاب ما أثبته أحد المتتبعين لمزاعم شيخك العجيبة مثل القول الآتي: يقول شيخك إن من دفن بين الشيخ أحمد الطيب البشير وبين الشيخ عبد المحمود أبي شيبة فإنه لا يُعذب في قبره بنوع من أنواع العذاب ولا بالنار. ويقول البرعي أن من مات وقيل عند حفر قبره هذا قبر أحمد الطيب البشير السماني فإن صاحبه لا يعذب، وهذا في كتاب رياض الجنة في قصيدة أحمد الطيب البشير حيث يقول في ذلك شعراً: ومن قال هذا قبر أحمد أولا فصاحبه في القبر ليس يعذب فما هو قولك يا أستاذ العقيدة في هذا القول، أهو قول تعتقده أنت كذلك؟ أم أنك لم تسمع به؟ وهل أمن الشيخ أحمد الطيب نفسه رحمه الله عذاب القبر؟ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه وتتعوذ أمته بتعوذه (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال). وكان الصحابة رضي الله عنهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء يُظهرون الوجل منه عند ذكره. وكان الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه يبكي عند سماعه الحديث عن عذاب القبر، وكان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه)... حديث صحيح أخرجه أحمد. فعذاب القبر أمر غيبي لا يُعرف إلا من وحي، ولا يُعلم مصير من في القبر إلا الله، فإن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن من يعذبون في قبورهم أو من ينعمون فإنما ذلك عن طريق وحي من ربه إليه، فمن الذي أوحى للذي زعم أن اسم الشيخ أحمد الطيب عند حفر القبر يقي صاحبه من عذابه؟ كيف ذلك وليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد يوُحَى إليه؟ أللشيخ أحمد الطيب سلطة تبطل سلطة من اُمر الله من ملائكته بعذاب من يستحق العذاب؟ ليس هذا فحسب يا أستاذ العقيدة، بل قال شيخك عن شيخه أحمد الطيب البشير أكثر من ذلك، أنظر ماذا قال عنه في قصيدة (يا نفس أمرحي) قال عنه إنه: يحضر مريودو في النزع والقبير للحجة يلقن بأحسن التعبير وله يؤانس في الوحدة والشبير فكما هو واضح من قوله إن شيخه يلقن مريده الشهادة في النزع الأخير، ويأتيه في قبره ليلقنه الحجة عند سؤال الملكين، ثم يأتيه مرة أخرى في القبر ليؤانسه، وهذا في كتاب روائع البرعي الجزء الثاني أجازه الشيخ البرعي طبعة دار البينية والتوزيع. وزعم شيخك البرعي أيضاً أن شيخه أحمد الطيب البشير يحي الموتى، وقلب الانثى ذكراً، حيث قال إنه قد أتاه رجل وطلب منه أن يعطيه مولودًا ذكرا فقال له هل عندك بنات قال نعم قال كم؟ قال ست فقال احضر منهن واحدة؟ فاحضرها فمس الشيخ عليها بيده فانقلبت ذكرا. ذلك في قصيدة الشيخ أحمد الطيب البشير في كتابه «ديوان رياض الجنة» حيث يقول عن الطيب الغوث المبارك منهجي ومشورتي في الناس أن يطيبوا ألم تر أن الله أيده بما يقوم المعجزات يناسب كأحيائه ميتا بعدما أتت وهي أنثى للذكورة تقلب أتومن بذلك يا أستاذ العقيدة؟ والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: (لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أم أن معنى هذه الآية عندك أيضاً مجاز وليس حقيقة؟. لقد قدر الله تعالى لإحياء من مات سبباً لرسوله موسى عليه الصلاة والسلام مقابل انكار بني إسرائيل: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) (72) (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (73) البقرة. فالمُحي هنا كما ترى هو الله وليس موسى. وفي رسوله عيسى عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) (6).. وهنا الفعل أيضاً لله، فالرسول يفعل ما يفعل بوحي يأتيه من ربه تعالى، وهذه معجزات نبوة لا يُقاس عليها، أم أن الشيخ أحمد الطيب كان في درجتيْ موسى وعيسى من الفضل؟ بل ربما عندكم هو أفضل منهما إذ لم يقل أي منهما إنه يدرك المحتضر فيلقنه كلمة التوحيد، ولم يقل أي منهما إنه يدرك من مات في قبره ليدرأ عنه السؤال أو العذاب. فإن الشيخ أحمد الطيب عند شيخك البرعي نال ما لم ينل الانبياء. وهذا قول لا يقوله إلا الرافضة الذين يقولون إن مكانه علمائهم لا يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب. إنه ويقول المتتبع لمزاعم شيخك: (يزعم الشيخ البرعي في الكتاب الذي في خاتمته إجازة من الشيخ البرعي وعليه صورته، وعنوانه من برعي السودان الجزء الثاني في صفحة 42 «أن الحاج الفلاني كان رحمه الله جليلاً في عالم الأسرار ومن كراماته ما أخبر به عبد المحمود بن احمد الشبلي أن أحد نسائه طلبت منه أن يشترى لها خادمة تخدمها فأخذ فأساً وذهب الى الغابة فقطع قطعة من شجرة مثل قامة الإنسان وأخذ سبحته وصار يذكر الله فتحركت الشجرة وانقلبت الى امرأة فقال لها الشيخ بخيتة؟ فقالت نعم سيدي فذهب بها الى زوجته فعاشت عندها زمانا ثم ماتت». هذا فوق قوله إن فضل شيخه مثل البحر وأزيد منه، وإن القلل والحيات تذكر اسمه، وقوله إنه تجزأ إلى أربعين جزءا، وغير ذلك كثير، فنريد أن نسمع قولك في ذلك كله يا أستاذ العقيدة. ذلك كله عن شيخك البرعي، والآن ألتفتُ إليك: في نهاية مقالك الذي رددت علي فيه دفاعا عن شيخك البرعي، عندما ذكرتُ في مقالي النص القرآني الذي أمر فيه الله سبحانه وتعالى عبده ورسوله أن يقول للناس إنه لا يعلم الغيب: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى).. سورة الأنعام (50) ثم أوردتُ في سبيل ذلك قول زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها الذي تنفي فيه عنه علمه الغيب: «من حدثك بان محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية» رواه البخاري. نعم هذا قول السيدة عائشة رضي الله عنها. وهنا أقول لقد حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم بوقائع كانت في الماضي السحيق، وعن أمور ستحدث في المستقبل المغيب عنا، وعن نعيم الآخرة وعذابها، ولكن كل ذلك كان بوحي من الله تعالى إليه. ولذا فهو يقول بنص القرآن (إن اتبع إلا ما يوحى). أما علم الغيب باعتباره صفة ملازمة، فإن ذلك لله سبحانه وتعالى وحده. قلت في مقالك: «أما إنكار كاتب المقال أوليته صلى الله عليه وسلم للخلق وعلمه للغيب فسأقوم بالرد عليه في مقال آخر بإذن الله، حتى لا يتطاول الجهال على العلماء وليعرف كلٌ قدره ومكانته». هذا قولك يا أستاذ العقيدة المساعد، فمنه يُفهم أنك تؤمن بأولويته صلى الله عليه وسلم للخلق بناء على حديث جابر الأنصاري الموضوع المكذوب، ثم تنكر قرآناً محكماً ينفي عنه صلى الله عليه وسلم علم الغيب. وتنكر كذلك ما قاله عن نفسه إنه لا يعلم الغيب. جاء في صحيح البخاري أن جارية مدحت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «وفينا نبي يعلم ما في غدٍ فنهاها عن ذلك وقال لها لا تقولي هذا فإنه لا يعلم الغيب إلا الله». وأنت تنكر كذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها وهي زوجه وأعلم الناس بحاله، التي قالت (من حدثك بأن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية) هذا قولها وأنا أكرره هنا. وكأني بك يا أستاذ العقيدة تقول لها رضي الله عنها: نعم هو زوجك وتعلمين عنه الكثير، ولكن في أمر علم الغيب فنحن نعلم عنه أكثر منك، لأن شيوخنا يقولون إنه يعلم الغيب، بل إن شيوخنا يقولون إن أولياءهم يعلمون الغيب، ونحن نقول بقولهم حيث إننا نأخذ علمنا عنهم وليس عنك. وأنت بذلك تنفي عنها الصدق، وهنا يكون قولك فيها كقول الرافضة الذين يرمونها بكل قبيح والعياذ بالله. أما القرآن الذي يقول إن النبي لايعلم الغيب فهو عندك بلا ريب مجاز وليس حقيقة. هذا حالك وأنت أستاذ مساعد للعقيدة، وكأني بك عندما تستحيل أستاذاً لها فتدرِّس طلبتك قول غلاة المتصوفة (أمنك وإليك؟) وبلا ريب أنت تعلم هذا القول وربما تعتقده. فقد قال الغلاة من المتصوفة إن جبريل كان يُوحَى إليه من وراء حجاب، فانكشف الحجاب فوجد جبريل أن الذي كان يوحِي إليه هو النبي نفسه، فقال له أمنك وإليك؟ بعد أن اظهرت أنت يا أستاذ العقيدة عقيدتك التي هي عقيدة شيخك البرعي المناقضة للقرآن والسنة، فأمامك أحد خيارين، فإما أن تتبرأ من هذه العقيدة الفاسدة هنا على صفحات هذه الصحيفة الغراء، التي كتبت فيها مدافعاً عن أقوال شيخك لأنك تعتقد عقيدته، وإما أن تترك تدريس العقيدة لشباب هذه الأمة حتى لا تفسد عقيدتهم. بل الأفضل أن لا تظل بينهم أصلاً على أي حال لأنك باختلاطك بهم قد تفسد عقيدة بعضهم حتى وإن كنت تدرسهم علم الفلك. وإن أصررت على البقاء أستاذاً مساعداً للعقيدة مع انطوائك على عقيدتك هذه، فعلى الجامعة أن لا تسمح لك بذلك، وإلا كانت هي شريكة لك في إفساد عقيدة الآخرين بل ومعينة لك على ذلك. هذا.. وإن عدتم عدنا والله المستعان.