توعد أمس الأول أكثر من «400» عامل سوداني ببعثة الري المصري في السودان بإضراب مفتوح اعتباراً من يوم الأحد القادم في حال عدم تنفيذ مطالبهم التي تقدمت بها هيئة العاملين الفرعية لوزير الموارد المائية والري بجمهورية مصر العربية، وكذلك للإدارة الري المصري بالسودان. وطالب العمال عبر مذكرة بتنفيذ المشروع الخاص بزيادة الحد الأدنى للأجور، فيما وجهوا اتهامات للإدارة بإلغائها العديد من الحقوق المكتسبة للعاملين وقالوا إن قيمة العلاوة الاجتماعية لبعض العاملين لا تتجاوز «60» قرشاً «يعني أقل من حلاوة حربة»، وأشاروا إلى أن الإدارة مارست التدليس والغش مع العاملين بالعقودات غير المستديمة التي جددت أكثر من «6» مرات إذ تلزم العامل بالتوقيع على ورقتين لا يحق له قراءة الورقة الثانية، الأمر الذي يجعله يوقع على الاستقالة مما يعني عدم إلزام الإدارة بأية حقوق. «شغل دراما على طريقة المسلسلات عندما يوقع الفلاح أو يبصم على التنازل من أرضه للسيد عتريس»، لكن اللافت للنظر في هذه القضية هل تعمل إدارة الري المصري في السودان بقوانين العمل السودانية أم المصرية؟ وهل يحق لمكاتب العمل والمحاكم السودانية النظر في حقوق العاملين السودانيين فيها؟ وهل هناك سابقة من هذا النوع؟ أما إذا كانت الحكومة لا ترغب الدخول في معارك تتعلق بحقوق مواطنيها بالزج في تلك القضايا، فهل سعت بالطرق الدبلوماسية لمحاولة الوصول إلى حلول مرضية؟ باعتبار أن الأرض التي تقام فيها مباني الري المصري في الخرطوم هي سودانية «100%» ولا خلاف في ذلك، وأن العاملين المتضررين هم سودانيون. المعروف أن الري المصري ارتبط بقيام خزان جبل أولياء، وبحسب المصادر التاريخية أن حاكم عام السودان لورد كتشنر شكل لجنة للنظر في مخاوف مصر من المشروع. وأوصت اللجنة في تقرير أعدته عام 1913م، بالمضي قدماً في فكرة إنشاء مشروع الجزيرة وبناء خزان في سنار لري المشروع رياً انسيابياً من النيل الأزرق، على أن يتزامن ذلك مع تعويض مصر ببناء خزان آخر في منطقة جبل أولياء على النيل الأبيض لحجز المياه لفائدتها وحدها في فترة انخفاض منسوب مياه النيل الأزرق والتي تمتد من شهر يناير وحتى شهر يوليو سنوياً بحيث لا تزيد المساحة المسقية في مشروع الجزيرة بمياه سد سنار عن «300.000» فدان. تحفظت مصر على هذه المقترحات باعتبار أن خزان جبل أولياء سيكون خارج أراضيها مما يعني أن إدارته والإشراف عليه والتحكم فيه سيكون في يد الإنجليز بالسودان، فضلاً عن عدم استعدادها لتحمل التكلفة العالية لبناء السد. وردت إنجلترا بأنها لا تمانع في أن يكون خزان جبل أولياء تحت إدارة مصر وإشرافها دون تدخلٍ من حكومة السودان الإنجليزية المصرية، وأن تكون مياهه كلها لاستخدام مصر وحدها. لكن إنجلترا رفضت بشكل قاطع المساهمة في تكلفة بناء الخزان. وبعد مفاوضات مكثفة وافقت مصر على بناء السدين، وبدأ العمل في بناء سد سنار لينتهي في عام 1926م، لكن خزان جبل أولياء لم ير النور إلا في عام 1933م، ليكتمل العمل فيه عام 1937م، وذلك لأسباب مالية. تولت الحكومة المصرية الإشراف الفني والإداري الكامل على السد من عام 1933 وحتى عام 1977م، دون أي تدخّل من حكومة الحكم الثنائي أو الحكومات الوطنية بعد استقلال السودان في عام 1956م، وظلّ الخزان يؤدي دوره كخط إمداد ثاني للمياه في مصر من عام 1937 وحتى عام 1971م، عندما اكتمل العمل بالسد العالي حيث فقد دوره ذلك. وكانت مصر قد وافقت بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بتسليم خزان جبل أولياء إلى السودان حال اكتمال بناء السد العالي في عام 1971م. وتم تسليم الخزان إلى السودان في عام 1977«ومن ديك وعيك» لكن هناك ضرورة فعلية لاستمرار الدور الإشرافي لمصر على الخزان ومياهه رغم التسليم وانتفاء الغرض الأساس بعد بناء السد العالي، لكن ما يهمنا الآن هو أن تسعى الحكومة في حل قضايا رعاياها «400» على عجل، «لكن.. ما تلحقوهم قضية حلايب»