منذ سقوط نظام الإنقاذ بدأ التراجع في أسعار الدولار رغم أن المعادلة الاقتصادية كما هي لم تتغير، بل توقفت تحويلات الصادر من الخارج بعد أن أصبح النظام البنكي شبه معطل، والكل يترقب ما تأتي به التغييرات التي فرضتها الثورة في المعادلة السياسية. المتغير الوحيد في المعادلة الاقتصادية في الأيام الأولى هو المناخ السياسي، وكان ذا أثر مباغت على المتعاملين في الدولار، إذ لم يستطيعوا قراءة اتجاهات الريح وقد ساعد في ذلك سريان معلومات عن دعم خليجي سريع للاقتصاد السوداني (وقتها لم يتأكد) ولكن المعلومة كانت مقلقة للشبكات المتعاملة بالدولار. كانت تلك الخضة الأولى التي سببها تغير الأجواء السياسية ترافق معها تجميد حسابات الشركات الحكومية ووضعها تحت الرقابة مما ساهم في تقليل الطلب على الدولار، ومعلوم أن أغلب المشتريات الكبرى في القطاعات الحيوية كانت تقوم بها الشركات الحكومية. أضف لذلك توقف المستوردين عن شراء العملات الأجنبية بانتظار نتائج تداعيات الحالة السياسية والقرارات المرتقبة في مجال الرسوم الجمركية. 2 مع الإعلان الرسمي من السعودية والإمارات بتقديم دعم للسودان في حدود 3 مليارات دولار كوديعة لدعم احتياطيات بنك السودان، إضافة إلى خمسمائة مليون نقدا لتغطية الاحتياجات العاجلة، تسارعت وتائر التراجع في سعر الدولار بالسوق الموازي حتى بلغ مساء أمس أقل من 40 جنيهاً، والسبب أن المتعاملين بالدولار أدركوا أن أكبر مشترٍ للدولار (الحكومة)، لم يعد بحاجة للدخول إلى السوق لشراء الدولار، فهناك احتياطيات في خزائن بنك السودان وهناك نقد أجنبي متوفر. تضافرت هذه العوامل مع توقف حركة الاستيراد فأنشأت حالة من الخوف لدى المواطنين والتجار على السواء، إذ سارع الجميع للتخلص من العملات الحرة، إذ لم تعد مخزناً للقيمة ويخشى عليها من مزيد من التدهور. 2 من المؤكد أن وجود احتياطيات ونقد ببنك السودان إضافة لتوفير السلع الاستراتيجية من الجوار الإقليمي، بجانب التحويلات البنكية المتوقعة من المغتربين عبر البنوك وزيادة معدلات الإنتاج من البترول المحلي وعوائد بترول الجنوب وتدفق عائدات الصادر للبنوك، يمكن في المستقبل القريب بناء احتياطيات كافية تقلل من العجز في ميزان المدفوعات (5 مليارات دولار). هذه التطورات ستجعل انخفاض الدولار وتصاعد قيمة الجنيه السوداني حقيقة واقعة، وستعطي فرصة لاستقرار الأوضاع الاقتصادية كافة، وستلجم التضخم وتهدئ من معدلات تصاعده. الخطر الذي يواجهنا في ظل التطورات الإيجابية هو كيف يمكن أن نحافظ على انخفاض الدولار لمستوى معين لا يضر بحركة صادراتنا؟