تحليل سياسى : اتفق مع الامام الصادق المهدى ان المجلس العسكرى لا ينبغي التعامل معه كعدو .. بل باعتباره صديقا ..او فى الحد الادنى حليفا .. باعتبار ان هذا المجلس بانحيازه قد قطع الطريق على شلالات من الدماء .. كانت ستغطى المشهد السياسي فى السودان .. وهذا صحيح بمنطق بسيط .. فالموقف بعد تشكل الاعتصام فى ساحة القيادة العامة .. لم يترك غير احد خيارين .. إما سقوط النظام ببعض الدماء .. أو فض الاعتصام بمزيدٍ من الدماء .. لم يكن واردا ان يعلن النظام استسلامه هكذا دون ثمن .. كما كان مستحيلا ان ينفض المعتصمون هكذا دون مقابل .. هذا بالطبع باستصحاب الذاكرة التاريخية للشعب السودانى الذى جرب ولاكثر من مرة انحياز القوات المسلحة لجانب شعبه .. ولكن رؤية المهدى يواجهها البعض بمنطق اخر .. ان هذا المجلس لا يمثل القوات المسلحة وحدها .. بل هناك جهات اخرى .. منها المعلنة .. ومنها غير المعلنة .. بل يذهب البعض لاكثر فيقول .. ان المجلس لا يمثل القوات المسلحة كلها ..! واذا كان التباين الوارد اعلاه فى تشخيص الامر يشكل خلفية مهمة للاستعصاء الناشب فى المشهد السياسي الان .. فثمة من يحمل قوى اعلان الحرية والتغيير جزءا من مسئولية هذا التعقيد .. فحين قال المجلس العسكرى الانتقالى انه لا يملك شيئا ولا يحمل حلولا .. و انه ينتظر من قوى التغيير تشكيل حكومة مدنية بكل طاقمها باستثناء الدفاع والداخلية .. نقول .. حين اعلن المجلس العسكرى ذلك بذات الوضوح الذى كتبناه به الان .. لم يكن فى الساحة عمليا غير قوى التغيير .. التى تحملت بالفعل عبء عملية التغيير .. سجنا وتعذيبا .. سحلا وتقتيلا .. اذن .. وبمنطق ان .. السياسة هى فن الممكن .. فهناك من يعتقد الان ان قوى الثورة قد اضاعت فرصة ذهبية .. حين ارجأت تشكيل حكومة الثورة .. هذا بمنطق ان المجلس العسكرى لا يمكن اعتباره حكومة ثورة .. بل هو سلطة الأمر الواقع .. فرضته ظروف وطبيعة الشكل النهائى الذى انجز التغيير .. وان حكومة الثورة الفعلية هى تلك الحكومة التى يفترض ان تشكلها القوى التى انجزت الثورة .. لتعبر عن سلطة الثورة .. ومن اولى واهم نتائج هذا الامر ان يكون المجلس العسكرى جزءا من تلك السلطة الثورية .. لا ان يكون كل السلطة .. كما هو الان .. وهى سلطة بات عصيا الان معرفة عن من تعبر .. و من تمثل ..! ولعل من يعتقد الان ان الخلاف الناشب بين قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكرى الانتقالى .. سببه خلاف على نسب التمثيل .. او حتى على صلاحيات المجلس السيادى .. فهو لا يرى المشهد كاملا .. ان لم يكن مخطئا بالكامل ..ان الازمة الحالية سببها الحقيقى هو عدم الثقة .. وعدم الثقة هذا لم يكن سببه وجود بعض المحسوبين على النظام السابق .. بل ولا حتى وجود بعض المنسوبين لذلك التيار الفكرى السياسي المرفوض .. بل ان منشأها الحقيقى .. اى عدم الثقة .. هو التوجه العام للمجلس مجتمعا .. والمتمثل فى إصرار المجلس ان هناك قوى أخرى يحق لها ان يكون لها دور فى ترتيبات ما بعد التغيير .. رغم انه لم يكن لها دور فى التغيير .. و هذا هو التناقض الحقيقي .. و هذه هى الازمة الحقيقية التى تكبل المشهد كله الان .. فان كانت قوى التغيير قد اتاحت الفرصة لحدوث هذا .. بتأخرها عن التقاط قفاز تشكيل حكومة الثورة .. فان المجلس العسكرى قد عقد المشهد بالتمادى فى التعاطى مع ما جعله سابحا عكس وجهة تيار سيل الثورة الهادر .. العودة الى منصة التأسيس التى تشكلت يومى 11 و 12 ابريل مهمة للطرفين الان .. وهى المخرج ..!