كأي سوداني يعاني من مشكلة النطق الصحيح لحرفي القاف والصاد، قالها هكذا من كان يجالسني لحظة مطالعته على إحدى الصحف الخبر الذي حمل عنوان (مولانا الميرغني يعلن عدم ترشيح منافس للبشير)، وزاد (لا أحسن ترشح منافس، قال عدم ترشيح قال)، ضحكت لتعليق جليسي الظريف على ظرافة مولانا، وقلت له كنت مثلك لا أعرف أن مولانا يتمتع بروح لطيفة وتعليقات ظريفة، إلا في الانتخابات السابقة التي جرت قبل أربعة أعوام ونيف، فما قبل ذلك الحين كنت أظنه صموتاً كتوماً منغلقاً على نفسه وعلى دائرة أصفيائه الضيقة من الخلفاء ومن يجتبيهم من سياسيي حزبه، لا يعرف النكتة ولا يتعاطاها، إلى أن تفاجأت عام الانتخابات ذاك بأن مولانا «نكتنجي» لاذع، ليس في رواية النكتة، بل تأليفها باجادة، ولم أكُ أتصور أنه ساخر للدرجة التي تؤهله لمنافسة أجعص الساخرين، فبعد إعلان نتيجة تلك الانتخابات التي اكتسحها الحزب الحاكم اكتساحاً لم يبقَ معه دائرة أو يذرها لغيره، أبدى مولانا إستياءً بالغاً من الطريقة التي أديرت بها الانتخابات؛ وأعلن رفضه التام لنتائجها التي سوّت بحزبه الأرض، حينها أطلق مولانا سؤاله الاستنكاري الذي إحتل مكانه بجدارة بين أذكى النكات التي قيلت في الانتخابات السابقة، مولانا حين صعقته وأذهلته النتيجة الصفرية التي حصل عليها حزبه في دوائر كسلا معقل المريدين والأحباب وحصن الختمية الحصين ومرقد «سيدي الحسن» وهو قبلها بأيام كاد أن يقول مفاخراً بين الحشود الحاشدة والألوف المؤلفة التي هبت لاستقباله وهتفت لحزبه بكسلا «أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها وأعطي فاتحتي لمن يبتغيها»، تساءل مستعجباً ومستنكراً «وأين ذهبت كل تلك الحشود، هل شالها القاش» ثم أضاف بتعجب أكبر «مع أن الوقت ليس وقت فيضان القاش» ... يبدو أن لمولانا مع كل انتخابات نكتة وطرفة، ويبدو أنه أيضاً استفاد من درس الانتخابات السابقة، فأطلق هذه المرة مع الانتخابات المزمعة طرفة مضادة لطرفته السابقة، فلم يدر خده الأيسر للمؤتمر الوطني ليصفعه عليه في الانتخابات الحالية بعد صفعه له على خده الأيمن في الانتخابات السابقة، وهذا التكتيك الذي اتبعه الحزب الحاكم مع حزب مولانا يذكرني بحكاية جحا مع خادمه، قيل أن جحا أعطى خادماً له جرة ليملأها من النهر، ثم صفعه على وجهه صفعة شديدة وقال له: إياك أن تكسر الجرة، فقيل له: لماذا تضربه قبل أن يكسرها ؟ فقال: أردت أن أريه جزاء كسرها حتى يحرص عليها، وهكذا لقن الحزب الحاكم حزب مولانا درساً قاسياً في الانتخابات السابقة حتى لا يكرره في اللاحقة وهاهو يستوعب الدرس، فيخلي له الحزب الحاكم بضعة دوائر برلمانية ليفوز بها، فكيف بحق السماء وجاه النبي يا مولانا لمن يعطى دوائر (عطية مزيِّن) المنافسة على الدائرة الرئاسية الكبرى حتى يترشح لها .. إنها بالحق طرفة ظريفة و(حلوة منك) ... بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي