ما معنى أن تتداعى وسائل إعلام محسوبة على التيار الإخواني الغارق، تروّج إلى ما يمكن تسميته بالخديعة الكبرى التي تمارس في حق السودان والسودانيين؟ لماذا يحاولون وضع العراقيل أمام العلاقات المتميزة التي تربط السودان بالدول الخليجية والعربية المعتدلة؟ لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما علاقة ذلك بالأوضاع الاقتصادية السودانية؟ هذه الأسئلة وغيرها تفتح الباب أمام تكهنات عدة حول ما يُراد للوضع السياسي هناك، وعلاقة ذلك بموقف الرئيس عمر البشير والسودانيين من خلفه تجاه التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. في طبيعة الحال، لا يمكن تصور تخلي السعودية ومعها الإمارات عن دعمها للسودان في قضية رفع العقوبات، مثلما أنه لا يمكن تصوّر تخلي السودان عن واجبه العروبي في القضية اليمنية، وحدها المعادن الرديئة هي التي تجعل إمكان الوقوف في القضايا المصيرية من عدمه محدوداً في إطار المصالح الآنية الظرفية، بعيداً من الهمّ المشترك الذي يتخلى في الغالب عن التقاطعات الضيقة لمصلحة الخطوط العريضة التي ترسم ملامح التاريخ والجغرافيا والأخوة الصادقة أيضاً. من له المصلحة في عزل السودان عن محيطه العربي؟ توجد سيناريوات عدة لتحقيق هذه النزعة الإقصائية، تتّحد جميعها محاولة الظفر في أحد أمرين يتم تكييفهما بناء على رد الفعل السوداني الحكومي، الأول انكفاء السودان لمصلحة الطرف المخادع على الطاولة الإقليمية بزعامة قطر وتركيا، ونتيجة لذلك يتم العمل على دعم فض النزاع الدائر في الداخل السوداني حول الرئيس البشير، من خلال جزَرة المسكنات المالية والإعلامية «حتى حين». ويندرج تحت ذلك دعم النهج القائل بتعديل الدستور، في سبيل إتاحة الفرصة أمام البشير للبقاء فترة رئاسية جديدة. الأمر الثاني معاكس لهذا التوجه في كل تفاصيله، ويقضي بمعاقبة «سودان البشير»، والعمل جنباً إلى جنب مع جماعة الأخوان المسلمين، الفاعل الرئيس في ما تشهده المنطقة العربية من حال الدمار واللاسلم، هذا الخيار «المطروح» هو العصا المهترئة التي تمسك بها قطر، ويمكن أن تتحول إليها مباشرة متى قرر السودانيون ضرب الأصوات المندّدة بالطموح العربي الساعي إلى ضمان «رسوِّ» سفينته على شاطئ الأمان عرض الحائط، والبقاء في معسكر الاعتدال الرامي إلى لملمة ما تناثر على الساحة السياسية الإقليمية جراء «أحلام» القطريين التوسعية. تدور هذه الأيام حالة من اللغط تقودها الآلة الإعلامية القطرية، تراهن بخبث على الوضع الاقتصادي السوداني، لتضغط بشدة على موقف السودانيين من الحرب في اليمن ضد ميليشيات الحوثي الانقلابية، وتسعى في ما تسعى إلى تقويض الجهد العربي المشترك بزعامة السعودية والإمارات، وذلك بالإخلال في تحالف دعم الشرعية اليمنية والترويج لفكرة انسحاب القوات السودانية! وبغض النظر عن النفي السوداني المعلن لذلك، إلا أن الأصوات التي تتعالى قطرياً في هذا الاتجاه تؤكد جنوح قطر من جديد إلى خيار الهرب إلى الأمام والذي استمرأت ممارسته منذ مقاطعة دول الرباعية لها، من خلال فتح الجبهة السودانية هذه المرة بنية الانتقام من مواقف البشير في ما يخص اليمن، أو انضمام السودان إلى تحالف القوى الإسلامية في حربها ضد الإرهاب. في ظل هذه التحولات المتسارعة، يمكن التنبيه إلى خيارين استراتيجيين يجب العمل على تحقيقهما، الأول تكثيف الدعم المادي والمعنوي للسودان بغية المحافظة على أمنه واستقراره قبالة التحديات التي تواجهها حكومته، فيما الخيار الثاني يقع على عاتق الحكومة السودانية نفسها، ويتمثل في المسارعة إلى ما يمكن تسميته بالضربات الاستباقية التي تقضي على أشكال التمرد «الإخواني» في الداخل، خدمة لأغراض إقليمية مناهضة، قطرية انتقامية كانت أم تركية توغلية. ويبقى الرهان قائماً في جميع الأحوال على السواد الأعظم من الشعب السوداني المخلص لقضايا الأمة العادلة فهو الفيصل في معركة شد الحبل على ساحتهم، بين قوى الشر بقيادة خناجر الهدم المسمومة المدعومة خارجياً، وبين قوى الخير والاستقرار التي تطمح إلى تخطي السودان جميع العقبات من دون خسائر تذكر. فيصل العساف * كاتب سعودي.