ليست القصة حصراً على أحداث ( حي عترة ) ومواطني ( كمبو الجير ) بمدينة ودمدني المؤسفة .. ولا الأسف يقف عند حدود الاشتباك الدموي الذي وقع بين مواطني منطقة ( سوق جادو وديم النور ) في بورتسودان والشرق الذي ما أن انطفأت ناراً فيه هنا إلا واشتعلت هناك .. العنف الدموي والاستعداد للإحتكاك والإشتباك لأتفه الأسباب وأعظمها على حد سواء هي حالة عامة في البلد .. البلد التي تبدل فيها تعريف مصطلح السلام من مفهومه ومعناه كأحد أهم القيم الإنسانية الرفيعة التي تعني التسامح وغياب مظاهر العنف وسيادة مناخ الهدوء، والاستقرار فصار السلام مجرد أنصبة وكراسي في السلطة مع بقية المغانم وأوراق إتفاق يحملها كل عضو من أعضاء السلطة في جيبه الخلف إما بصفة .. الدائن أو المدين ..!! العنف وغياب الأمان والتأهب الدائم للإختلاف والصراع هي العناوين البارزة في صحيفة مواجعنا اليومية إبتداءً من أصغر قروب وات ساب الى ارفع اجتماع سيادي في البلد وبينهما قصص وخناجر ورصاص في القرى والمدن والأحياء والأسواق بل حتى بين اعضاء هيئة الدفاع وهيئة الاتهام في جلسات المحاكم مثل ما يحدث في محكمة انقلاب 89 .. العنف وغياب ثقافة الحوار واحترام الاختلاف هي أول أولويات القضايا التي لو لم يتم حسمها لن تقوم لأحلام بلادنا قائمة ، فأكثر المتفائلين بالواقع الحالي حين تسأله هل تتوقع أن يحدث شيء ما في نهاية هذه الحلقة الطويلة من حلقات التأزيم والتدهور السياسي والاقتصادي والإجتماعي الذي تشهده بلادنا ؟ سيقول لك لا أتوقع أن يفكر مغامر من الجيش في تنفيذ إنقلاب عسكري بسبب عدم توفر ضمانات لنجاح هذه المغامرة لكن ماذا تتوقع ؟! سيكون الرد أنه يتوقع ازدياداً في نسبة الصراعات الدموية ذات الطابع القبلي والعنصري والمناطقي هنا وهناك .. يتوقع مزيداً من العنف مزيداً من الخلافات مزيداً من التفتت والتشرذم السياسي والاجتماعي والإستقطابات الجهوية التي تحاول إعادة السودان الى مكوناته القبلية الأولية . اكثر المتفائلين يتوقع أن نعود الى الخلف لا أن نمضي الى الأمام لأنه وببساطة لا يوجد أي مشروع فكري وثقافي وطني يعمل على إطفاء النيران بل جميع المشاريع التي أمامنا هي مشاريع إشعال واشتعال .. تقسيم وتفتيت .. إمعان في الإقصاء الاجتماعي والسياسي . ليست هناك فكرة واحدة مطروحة لجمع الصف الوطني واعادة بناء جدار الوحدة الوطنية المنهار . الخطأ الكبير أنه وبعد زوال النظام السابق لم يستدرك رجال الإنتقال أولويات عملهم المطلوب بعد الثورة .. والذي كان من المفترض أن يغلق مباشرة تلك الصفحات الأكثر حدة وشدة وعنفاً في قاموس لغة الثورة .. قاموس ( الدوس والبل والهدم ) لأن مهمتها كانت قد انتهت بسقوط النظام .. وكان من الواجب استبدالها بلغة الحوار والبناء وجمع الصف الوطني .. نعم كان يجب سحب هذه المصطلحات من قاموس المرحلة الانتقالية وليس تعزيزها وترسيخها وإفراز مصطلحات جديدة أشد عنفاً واكثر حدة .. لأنه وبترسيخها صارت هي ثقافة المرحلة السائدة حتى داخل المكون الثوري نفسه والقوى السياسية الحاضنة له فتمزقت كل هذه المكونات بمعول ( البل ) وتوابعه ومنطقه .. تم ( بل ) تجمع المهنيين لأن البل كان يمثل لغة وسلوك متوحش .. الى أن تم اكتمال ( بل ) قوى الحرية والتغيير نفسها بشكل تام حالياً وبنفس معول البل والدوس هذا تغذيه وتدفع به مطامع السلطة وبريقها .. وحدث ما حدث .. في كل ركن من أركان الساحة السياسية الممزقة لأنه لم يكن هناك صوت عاقل يقود المرحلة بلغتها وبذهنية البناء وجمع الشمل .. وتم ( بل ) المواطن ( بل ) جيبه وقفة معيشته .. وكل شيء .. كل شيء .. والآن لا تحدثونا عن اختراقات كبيرة في الاقتصاد ووعود المستقبل قبل أن تجففوا وحدتكم الوطنية ( المبلولة ) . جمال على حسن