عديمة الفن والموهبة منى أبو زيد [email protected] سألتْ الزميلة (السوداني) السيد والي الخرطوم عما إذا كان حديثه عن الشروع في مراجعة قانون النظام العام يعني الموازنة بين الستر والعقوبة، فأجاب بأنه مع الموازنة بين حماية المجتمع وبين فضيلة الستر! .. جميل أن يعاد النظر في قانون النظام العام .. ولكن ما هي العلاقة يا ترى بين خطورة مصطلح الستر - بمفهوم المخالفة! - وتصريح إقامة حفل غنائي .. أو غسل عربة على الشاطئ .. أو فتح محل لتصفيف الشعر .. أو كما جاء في قانون النظام العام لولاية الخرطوم ..؟! بادئ بدء علينا أن نفرق بين نواقض الإسلام – التي تستوجب الحد إقامة الحد أو التعزير الشرعي – وبين خوارم المروءة التي تقف في أعراف المعصية، أي بين جبال الإثم وتلال اللمم، لا بد من هذا قبل أن نستبيح الجلد كعقوبة تعزيرية يستوي عندها الذين يأثمون والذين لا يأثمون ..! لعل الستر المقصود في حديث السيد الوالي هو آلية تطبيق شرطة النظام العام لبعض مواد القانون الجنائي، والتي تحتاج بدورها إلى إعادة نظر .. على كل حال مصطلح النظام العام – مطلقاً! – قد يطلق على أي قانون يتعمد الغموض ويترك باب التقدير موارباً للسلطات المعنية في تقدير حجم الضرر وبالتالي مقدار التدخل، وعليه فهو غموض ينتهج المرونة والنسبية في تقدير مصلحة المجتمع ..! السنهوري عرفه في مصادر الحق بأنه (قانون متغير يضيق ويتسع حسب ما يراه الناس في حضارة معينة مصلحة عامة)، وعلى مر العصور الإسلامية لم يكن ملبس المسلم موضوع جريمة أو محل عقوبة جنائية .. ولكن في المادة (152) من القانون الجنائي السوداني تم إقحام مصطلح (الزي الفاضح) – وهو مصطلح فضفاض وغامض ولم يتم تحديد معاييره حتى اليوم! - ضمن الأفعال الفاضحة التي يعاقب عليها ب الجلد أو الغرامة أو الاثنين معاً ..! حينما علا سقف تجاوزات هيئة الأمر بالمعروف في السعودية بادرت السلطة السياسية بتحجيم دورها كجهاز رقابي، وقد تزامنت هذه الخطوة مع موقف الغرب من مظاهر التطرف الديني في البلاد الإسلامية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ..! هنا يطيب لنا الحديث عن دور الحكومات في تحجيم تجاوزات تطبيق بعض القوانين من زاوية حسن التصرف كسياسة داخلية، وحسن التخلص كسياسة خارجية، في عصر باتت فيه تجاوزات السلطة الداخلية مدعاة للتدخلات الخارجية .. ولكن من يسمع ؟! .. إطفاء الحرائق السياسية فن، والانحناء لعواصف التصعيد الإعلامي موهبة، وقد ابتلانا الله بحكومات عديمة الفن والموهبة ..! منى أبو زيد [email protected]