رحم الله جدتي كانت امرأة طاعنة في السن تتفجر حكمة وموهبة ليس كمثلها واحدة من النساء أنها كانت موسوعة علمية وسياسية تمشي بين الناس كانت مبرأة من كل العيوب الخفية والحسية تلقت تعليمها علي يد نخبة نادرة من أباطرة العلوم في زمانها ، كانت تلميذة نجيبه وطالبه مثابرة في حلقة تحفيظ القران الكريم وعلومه بخلوة الشيخ العارف بالله محمد بركه عبد الرحمن - طيب الله سراه وقدس سره – بقرية ( المتنا ) بولاية القضارف فقد حفظت وجودت القران الكريم من البقرة للناس بثلاث روايات متعددة وتخصصت علي وجه الخصوص في قراءة حفظ عن عاصم . لهذا بعد ان تفقهت في الدين اتجهت نحو أثراء العمل الدعوي الخالص لوجه الله سبحانه وتعالي ولتبليغ المقاصد كافحت اشد الكفاح ونافحت قمة المنافحة في سبيل أنشاء الخلاوى النسائية بالولاية حتى توجت مجهودها الجبار بافتتاح مجمع امنه بنت وهب الاسلامي بريفي مجلس قلع النحل في بداية الستينات ثم أعقبته بافتتاح مجمع بنت خويلد بقرية ( الصراف )وخلوة مريم بنت عمران بحي ( سلامة البيه ) بمدينة القضارف ومجمع الزهراء بمنطقة ( سمسم ) وخلوة التائبات ( بالحواته ) ومجمع نور الهدي بقرية ( ود ضعيف ) بالاضافة الي اعداد مقدرة من الخلاوي والمجمعات النسائية بكثير من النواحي والاطراف النائية عن المدينة . لقد كانت امرأة عظيمة بمساهماتها الجليلة ، أنفقت كل عمرها في مرضات الله ،يشهد دارها العامر بحي المحطة انها كانت قبلة وملاذ أمن للتائهين الذين تسوقهم ظروف الحياة الى قرية ( المتنا ) كانت تكرم الضيف وتساعد المحتاج وتقف مع المظلوم وتقتصي من الظالم ، في عهدها كانت القرية جنة الله في أرضه ، تقول الأساطير انها كانت مع بداية كل موسم زراعي وعلي الرغم من المساحات حد النظر التي تمتلكها ، يقسم المعاصرين لحقبتها انهم لم يروا قط محراث زراعي يشق لها الأرض بغرض الزراعة ، فقط كانت المحاصيل تنبت من تلقاء نفسها وتشذب بعضها البعض فتري السمسم في اتجاه والذرة في ألاتجاه المقابل مصطفة كأحسن ما يكون الزرع الخالي من الحشائش المتطفلة ، ويحلف اولئك برب الكعبة ان حصادها كان يحصد نفسه بنفسه ، وكان أقصي مجهود تبذله جدتي في كل تلك العملية الطويلة هو قيامها بالاشراف الشخصي للمحصول الذي يودع المخازن الكبيرة بالسوق . انها كانت صالحة وواحدة من اولياء الله كما يعتقد فيها اهل القرية الذين يدعمون اعتقادهم هذا بالقصة ألمعجزة التي يرونها عنها بالقول : في يوم قائظ الحرارة من عام أشبه بعام ألرماده في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ، كان في ذاك اليوم جميع اهل القرية يتضورون جوعا ويشدون البطون بأحزمة من قماش (الدبلان ) وكان الأطفال الصغار يقطعون انياط القلوب بصياحهم الذي يهري الاكباد ، وبعد جهد اتفق الجميع علي مقابلتها حتى يشفعوها فيما اعتراهم من بؤس ؟ فأوفدوا عمدة القرية عبد الدين حسين بحر، وابكر موسي من حي اولاد الفكي ، فقابلوها وسردوا لها بالتفاصيل المملة شكل الحال الذي يغني عن السؤال ، أمرتهم بالعودة وأجبرتهم علي دعوة اهل القرية ليوافوها عند ساحة العيد وان لا ينسوا الصغار والبهائم ؟ ففعلوا ذلك فأمرت امام القرية ان يصلي بالناس صلاة الاستسقاء في نصف الصيف فصلي بالناس ، ثم تلته وهي ( متحزمة ) بدعوة تتصدع من قيمها الجبال وختمتها بقراءة الفاتحة بصوتها الجهوري الرخيم ، لحظات وتفتقت السماء بماء منهمر وابتل الناس قبل ان يصلوا الي منازلهم ، فأمضوا النهار والليل بأكمله وهم داخل بيوت القش التي يسمونها ( قطاطي ) حزر الامطار ، وفي الصباح خرج الناس بعد توقف المطر فوجدوا مساحة جدتي الزراعية قد نبتت بالذرة وهي بحاجة الي ( القطع ) فتعاون اهل القرية وحصدوا في ذات اليوم مئة أردب من الذرة ، فوزعت جدتي الحصاد بالتساوي بين كل اهل القرية ، ومن يومها انقشعت سحابة المجاعة من السودان كافة وليس قرية ( المتنا ) فقط . هذا غيض من فيض بركات جدتي المرأة الصالحة سيدة نساء السودان في الجنة ، ( فاطمة بشارة ) او ( فاطنه بت بشارة ) كما يحلوا لمريدها وطلابها ان يسموها ، فقد كانت رحمها الله علما في رأسه نار ، انفقت جل عمرها لله ومضت بكل الق الصالحين الي جنة عرضها السموات والارض ان شاء الله ، نحسبها مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ، اللهم اغفر لها بقدر ما قدمت من عمل صالح . امين يا رب العالمين تبيان صديق [email protected]