انفضت دون توصيات ندوة اتحاد الكتاب السودانيين و اصيب الكثيرون بخيبة امل من الطريقة التى اوصلت الجدل الى نهاياته باستنكار و شجب بعض الممارسات الاقصائية ، ووصل الامرالى المطالبة باستبعاد بعض الاوراق وحذفها من مضابط الندوة ، وسط جدل كثيف و تباين شديد و تداول غير ديمقراطى بين المشاركين فى الندوة ، و شهدت الندوة احياءآ لمصطلح " السودانوية" التى يعاد بعث مشروعها مرة اخرى بعد أكثر من خمسين عاما على طرحه للتدول فيه ومن ذات الجهات التى عملت عليه قبل نصف قرن ، ومثلما شاخت الكثير من الافكار والنظريات التى كان بريقها يجد أهتمامه من شريحة الكتاب والمثقفين والاكاديمين ، فهى أفكار قد عفى عليها الزمن وتجاوزتها الاحداث ، لم تجد الفكرة لمشروعها مكانا بين الناس عندما كتبوا وغنوا " لافريقيا التى دكت حصون المعتدى " وطربت أذانهم " لعربا نحن حملناها ونوبة " وعلى اليقين فأن انفصال الجنوب لا يؤكد وجود ازمة فى الهوية بقدر ما يؤكد فشل كل النخب فى ايجاد حل لمشكلات التنوع واقتسام الثروة و السلطة ، دليلنا فى ذلك استمرار تداعى مجموعات فى الشمال و الجنوب لاعادة النظر فى الانفصال و اعادة توحيد السودان على اسس جديدة ، وكان الخير لاتحاد الكتاب أن يرعى مشروع جديد لحل أشكالات الهوية وأعادة صياغة مشروع ثقافى يعبر عن وجدان السودانين بمختلف انتماءاتهم وأعراقهم وأديانهم فى سبيل النهوض بمجتمع تتعايش فيه كل المكونات وتتلاقح فيه كل المورثات وبذلك يكون اتحاد الكتاب قد اسهم فى بلورة مشروع حديث وعصرى لمفهوم الهوية .. انطلاقا من الحق الطبيعى للانسان فى ان يتمكن من التعبير بلغته عن ثقافته وهويته دون افتئات او تعالى على الاخرين، هذه الندوة انشأت حالة أفتراضية تتبع مفردات لامعنى لها من الأرقام حول الاغلبية أو الاقلية ، بين الافريقية و العربية ، فى حالة شائهة وكريهة لتجسيد التعالى فى ابغض صوره بمحاولة رسم مسارات للاخرين يبعث عليه افراط فى تضخم الذات و انتفاخها لدرجة الادعاء بتمثيل ثقافة او هوية ، و اذا كان هذا الادعاء صحيحآ فان ندوة اتحاد الكتاب تحويل مجريات الصراع من سياسى الى صراع و جدل حول الهوية ، ويرمى بمشروعه الى خلع الناس من جزورهم وتاريخهم ورميهم فى قالب فارغ يسمى " السودانوية" فى محاولة لامثيل لها فى الفضاءات الثقافية من حولنا ، و بانتقائية مفرطة فى القاء اللوم على اشكال الهوية بأعتباره اس المشاكل ، و اغفال فاضح لمدخلات الازمة الوطنية الشاملة ، ندوة مثل هذه ليست محلآ لالقاء الخطب التى تعبر عن تيار سياسى معين و هى محل لفش الغبائن و المررات ، وربما كان الانسب ان تعد الاوراق من خلال مجموعات تبتدر حوارآ اوليآ تتناول كل مجموعة محورآ من المحاور التاريحية و الثقافية و الجغرافية و المجوعات السكانية و حركتها و اقتصادها ومناقشة هذه المحاور فى مؤتمر قومى يربط ما بين البحث الاكاديمى( النخبوى ) و الجذور التاريخية و المعتقدات الثقافية لمكونات الهوية بما تحفل به من اساطير و روايات ، وبدلا من ادارة حوار موضوعى يفضى الى المساهمة فى حل اشكالية الهوية فانه ولعجز ربما اصاب كل مكوناتنا السياسية ومنظماتنا المدنية بما فيها النظام الحاكم وفشلنا فى تغيير الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلادنا والتى بانفصال الجنوب فقدت أكثر من ثلث سكانها واراضيها وغاباتها ومعظم ثروتها وذلك فى تاكيد تام لفشلنا فى ادارة الأزمة الشاملة التى ظلت تعيشها البلاد منذ فجر الاستقلال وفى مقدمة مافشلنا فيه هو خلق صيغة للتعايش السلمى بين المجموعات المختلفة و ايجاد حل لضبط المقولات الشائعة ( السودان دولة ذات سيادة ، السلطة فيها للشعب ، ا لمواطنة ، الدولة المدنية ، الشريعة الاسلامية ) ، و اقصاءعبارات قاسية مثل التعالى العرقى والدين والثقافى التى كانت و ظلت ابرز معيقات ايجاد صيغة لاستيعاب كل التنوع فى وحدة التنوع لا تفرقه ، ربما كان توقيت الندوة غير مناسب ، ففى مثل الاحوال التى تعيشها بلادنا لا يمكن التدوال بحرية و ديمقراطية فى امر بهذه الاهمية ، هل يشكل هذا الموضوع الان اولوية على قضايا ايقاف الحرب و احلال السلام ؟ وهل تتجاوز اهميته كيفية تحقيق و استدامة الديمقراطية ؟ وكيف للمعنى بأمر هويته ان يلهث خلف هوية مفترضة وهى يكابد انهاك الحياة اليومية فى صحته و غذائه و تعليم ابنائه ، مثل هذه الاهتمامات المنزوعة قسرآ من سياقها و اولوياتها تسوقنا ليس الى تكرار و ادمان الفشل فحسب ، بل يشكل مخاطر حقيقية على فرص ايجاد هوية تعبر عن الجميع فى السودان بشكله و بحدوده الحالية ، ان الذى حدث فى اتحاد الكتاب هو فى احسن الاحوال اقصاء لهوية موجودة بمشكلاتها الى حيث لا هوية !! [email protected]