عندما كتب الراحل المقيم الشاعر محجوب شريف رسالة إلى أمه «مريم» من داخل غياهب السجون، غنى معه السودان على امتداده، وحفظ الجميع قصيدة «يا والدة يا مريم» وغناها الشباب وتم تبادلها عبر الوسائط الاجتماعية، حتى أصبحت أيقونة يرددها الثوار. ما تقولي ما سويت ما شفتي ما سويت غير البطمن ناس بي همهم حسيت إخواني علو السور أنا طوبة ما حطيت ديل من زمن تاتيت لامن كتبت قريت وعرقنا ياما يجر يمه اللبن والزيت الكسرة والكراس لى قشة الكبريت وتقولي جيدن جيت يا وليدي جيدن جيت راجع مع الفرسان حارس بلدنا البيت وتغني يا مريوم لينا وتجيبي النم والعسكري الفراق بين قلبك الساساك وبيني هو البندم ... والعايزو ما بينتم يا والدة يا مريم. رغم رحيله عن عالمنا قبل شهور مضت، ما زالت ذكراه عطرة في كل الأفواه وعلى كل الألسن.. فمحجوب ليس الإنسان الذي يمكن أن يمضي هكذا دون أثر.. وقبل أيام وعبر البريد الإلكتروني وصلني من جديد صوت الراحل الشاعر محجوب شريف ضمن اثني عشر صوتاً عالمياً يرتفع من زنزانة في سجن الكاتراز، ستظل أصواتهم عالية تسمع العالم رغم ما تعرضوا له من محاولات الإسكات. في هذا الموقع http://www.forsite.org/project/ai-we...raz-stay-tuned والذي يعنى بالفن، والمكان الذي ترعاه مؤسسة فورسايت المنظمة غير الربحية التي تأسست في العام 2003 والتي تكرس جهدها لخلق وتفهم وتقديم الفن، وتتأسس الأنشطة التي تقيمها والبرامج التربوية التي ترعاها على قناعة بأن الفن يمكن أن يلهم التفكير الطليق والحوارات القيمة عن البيئة الطبيعية والثقافية. وفي سجن الكاتراز والذي يعرف بسجن الجزيرة وهو سجن فدرالي أمريكي أغلق عام 1963، وفي مجموعة من اثنتي عشرة زنزانة متراصة في سجن الكاتراز تم وضع أجهزة الصوت لتمكن جمهور الزوار من سماع أصوات بعض المغنين والخطباء والموسيقيين والكتاب والشعراء المختارين بعناية من عدة دول من مختلف أرجاء العالم، وبعد بحث شاركت فيه منظمة العفو الدولية ليمثلوا ويمثل إبداعهم رمزاً حياً لقضية الحرية والكفاح من أجلها وفي سبيلها تعرضوا للاعتقال وأبدعوا وهم في محابسهم ومن بين هؤلاء شاعرنا المجيد الراحل محجوب شريف. من بين هؤلاء المختارين أصوات عالمية مرموقة مثل مارتن لوثر كينج داعية الحقوق السلمي، الذي اعتقل أكثر من ثلاثين مرة وهنا يسمعه الزوار رافعا صوته داعيا لوقف الحرب في الفيتنام، ومن تشيكوسلوفاكيا يرتفع صوت بافل هاس المؤلف الموسيقي الذي أرسل لمعسكر الاعتقال في تريزن ثم قتل بعد ذلك وخلال اعتقاله ألف موسيقاه التي كان يؤديها معه رفاقه السجناء، ومن شيلي يرتفع صوت فكتور خارا المغني وكاتب الأغنيات وعازف الجيتار والمخرج المسرحي وعضو الحزب الشيوعي الشيلي والمؤيد البارز لسلفادور الينري وقد اعتقله الانقلابيون وعذبوه ثم قتلوه وبقيت أغنياته تلهم شعوب أمريكا اللاتينية. إن ما يجمع هؤلاء هو ذلك التعبير المبدع ذو الأثر العميق وسط الناس ما عرضهم للاعتقال والتعذيب والموت تحت ظروف الاعتقال، لم يتوقفوا عن الإبداع بل وسم ذلك كلماتهم وألحانهم وأغانيهم بالمزيد من الحب لأوطانهم وللحرية هذا المعرض يسمى معرض الحر at Larg يتناول قضايا حرية التعبير وضد الاعتقال السياسي.. ينظمه ويرعاه الفنان الصيني العالمي اي واي واي Ai weiwei وهو من وضع تحت الإقامة الجبرية لمعارضته النظام الصيني فنقل معرضه من الصين إلى أمريكا ويشاركة 100 فنان تشكيلي من مختلف الجنسيات حول العالم واضعين لمساتهم الفنية المميزة في المكان برعاية مؤسسة فور سايت For.site وافتتح المعرض في متحف سجن الكاتراز والذي يزوره عدد من السياح يتراوح عددهم بين مليون ومليون ونصف في السنة افتتح المعرض في 27 سبتمبر 2014 وسيتواصل حتى 27 أبريل 2015. ويقول الأستاذ أبوبكر الأمين محمد الذي كتب هذا النص أنه يمكن الاستماع للقصيدة «عصفور الحنين» في رابط الموقع أعلاه حتى يوليو2015. ويضيف الأستاذ الأمين بعد أن يورد القصيدة التي تعتبر واحدة من أجمل إبداعات محجوب شريف أنها كتبت بين سجن سواكن وبورتسودان 1990 وحفظت لأن الأستاذ محجوب شريف امتاز بتأليف قصائده بترديدها وحفظ ترتيبها في ذهنه فلا يستعين بقلم أو ورقة لأنها أدوات كانت ممنوعة داخل المعتقل، فقاوم ذلك بتأليف القصائد على ذلك النحو لترسخ في ذهنه وأذهان من حوله من المعتقلين والمحكومين والسجانين، ثم بعد ذلك تخرج تغريدات محجوب شريف خارج أسوار المعتقل تتردد بإيقاعاتها وانداحت دوائرها حتى وصلت مدينة سان فرانسيسكو في الولاياتالمتحدة حيث معرض الحر. [email protected]