1- ***- رغم ان ما وقع في الايام القليلة الماضية في المجلس الوطني من حدث كان مثيرآ للدهشة والاستغراب، ويختص بقرار(رفض اعتماد كتلة للمستقليين داخل المجلس) - بحجة ان ذلك يهدد ويمس الأمن القومي السوداني ويضر به، ويشجع على تآكل الأحزاب لصالح كتلة المستقلين- وهو حدث غريب لم نالفه اطلاقآ في الحياة النيابية من قبل!! 2- ***- ايضأ، رغم ان الصحف المحلية كتبت باسهاب عن هذا الحدث العجيب وتناولته بحذر شديد تحاشيآ من رقيب الامن، وتناولته المواقع السودانية بالتحليل القانوني الدقيق والنقد المرير، الا انه كان حدث ليس ذي محل اهتمام المواطن في الشارع السوداني بحكم انه مجلس لا يمثل الشعب. ***- الا ان هناك شي هام لابد ان نقف عنده بتمعن، وهو انها المرة الاولي في تاريخ السودان، بل ايضآ في تاريخ كل البرلمانات الافريقية والعربية، ان نجد برلمان في القرن الواحد وعشرين ترأسه (فعل وعمل وسن قوانين) امرأة لا تسمح بوجود معارضة او تكتل مستقل داخله!! 3- ***- وتصل الغرابة قمة المنتهي عندما نعرف ان (الرئيس الفعلي) للمجلس، قد درست القانون ومارسته طويلآ في حياتها العملية، برز نجمها في عام 1983 عندما طبق الرئيس الرال جعفر النميري (قوانين سبتمبر)، والتي اطلق عليها شعبيآ اسم (قوانين بدرية سليمان)!!... 4- ***- ورغم انها ضليعة في القوانين نستغرب كيف فات عليها ان ابسط ابجديات عمل اي برلمان في اي مكان ان تكون هناك معارضة...تكتل... يمين وسط يسار؟!!، هل نسيت القانونية الضليعة ما درسته في كلية الحقوق وان وجود معارضة في البرلمان حق وليس هبة او منحة؟!! 5- ***- لا اعرف اذا كانت (موسوعة غينيس للارقام القياسية) قد ادرجت في موسوعة هذا العام الحدث الفريد الذي وقع في السودان والخاص ب (برلمان بلا معارضة وكتل وترأسه امرأة)؟!! 6- ***- شي بديهي ان يسكتوا النواب في المجلس علي هذا القانون الغريب الذي منع وجود تكتل، بسبب انتماءهم للمؤتمر الوطني...وثانيآ:(لان المعايش جبارة)!! 7- ***- كنت اتوقع ان اسمع رأي القانوني الضليع علي عثمان محمد طه في عدم السماح بتكوين تكل داخل المجلس. لكنه لزم الصمت الرهيب ربما بسبب التهميش داخل الحزب!!...او ربما اوجعه ما قالته بدرية سليمان من قبل - تحديدآ في يوم الثلاثاء 2015/01/13 ، أن (سلطتها في المؤتمر الوطني، أعلى من النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، والقيادي بالحزب علي عثمان محمد طه)؟!! ملحوظة: ***- كاتب هذه المقالة خريج كلية الحقوق عام 197 - أي قبل 44 عامآ- وامارسها عمل ومهنة-، لكن يبدو ان ما درسته بدرية يختلف عن القوانين التي عرفتها؟!! 8- ***- طالعت بعض المراجع القانونية، وقلبت في كثير من المواقع الالكترونية عسي ان اجد برلمان - أي برلمان حتي لو في جزر الواق واق - يكون دون معارضة وايضآ دون وجود تكتل وترأسه امرأة..فلم اجد الا حالة السودان!! 9- شي من تاريخ البلد الذي اعيش فيه: البرلمان في زمن حكم النازي الالماني ادولف هتلر 1933- 1945... ************************** (أ)- بعد ان اصبح هتلر رئيس علي دولة المانيا في عام 1933، افتعل حادثة حرق البرلمان الألمانى فى يوم 27 فبراير من نفس العام واتهم فيها الحزب الشيوعى مما منحه الفرصة لاستصدار مرسوم جمهورى لتحريم نشاط الحزب الشيوعى، وإعلان الأحكام العرفية فى البلاد والذى قيدت بموجبه الحريات العامة، ومنعت التجمعات والمظاهرات، واتخذت الإجراءات المشددة بمراقبة الهواتف والرسائل، وتفتيش الدور دون الرجوع إلى المحاكم، وقد صودرت الحريات بشكل كامل، ونتيجة هذه الممارسات التى أبعدت الحزب الشيوعى والحزب الاشتراكى من ساحة العمل السياسى أصبح الحزب النازى يتمتع بالأغلبية فى البرلمان. المرحلة الثانية كانت مرحلة تعاظم الديكتاتورية والاستبداد، وهى الفترة التى تميزت بتشريع قانون (التخويل) أو قانون الصلاحيات المطلقة (Enabling Act)، إذ بعد اعتقال وتشريد أعضاء البرلمان من الشيوعيين والاشتراكيين أصبح الحزب النازى له الكلمة الأخيرة فى البرلمان الذى اجتمع فى 21 مارس 1933 وأصدر قانونه المعروف (Enabling Act) الذى صوت لصالحه 441 عضواً بينما صوت ضده 94 عضواً فقط، وبموجب هذا القانون منح هتلر الصلاحيات المطلقة فى تشريع القوانين دون الرجوع للبرلمان، وأن أى قانون يوقعه هتلر يصبح نافذ المفعول خلال 24 ساعة، فأصدر القوانين التى تمنع نشاط أى حزب سياسى عدا الحزب النازى الذى أصبح الحزب الوحيد المسيطر والمسؤول عن جميع الإدارات المحلية..وخضعت جميع النشاطات فى المجتمع إلى رقابة أعضاء الحزب النازى، وقد سيطر هذا الحزب على جميع مفاصل الدولة والمجتمع الحيوية كالمحاكم والجمعيات المهنية والاتحادات والنقابات والجامعات والجمعيات التجارية والنوادى ونشاطات الشباب والكنائس، وإلى جانب الحزب أنشأ هتلر مجموعة من الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية التى تعمل فوق الحزب وتحت إشراف هتلر مباشرة، وبهذا تمت له السيطرة وماتت الديمقراطية وحل الخراب على ألمانيا. (ب)- ***- بعدها قام هتلر بطرد النواب ال94 الذين عارضوا قانون (التخويل)، وابعد ايضآ النواب الذين لم يبدوا حماس ورغبة في الولاء مبادئ الحزب النازي..اصدر هتلر توجيه حظر فيه عدم السماح بظهور اي تكتل برلماني بهدف الا تكون هناك اي معارضة ضد القرارات التي يصدرها!!.. رئيس البرلمان الذي عينه هتلر وقتها ما تجرأ ولا مرة ان يخالف تعليمات وتوجيهات الفوهرر!!، لهذا ما كان غريبآ في زمن حكم هتلر، ان لقي الكثيرين من النواب، ايضآ بعض من اعضاء احزاب اخري وكتاب ومثقفين وطنيين مصرعهم في ظروف غامضة ومبهمة، لا لشي الا لانهم جاهروا علانية وطالبوا باصلاح حال البرلمان، وان يحترم الفوهرر هتلر سيادة ومكانة هذه المؤسسة الكبيرة التي تعلو مكانته في القصر... (ج)- ***- خلال السنوات من عام 1933 وحتي عام 1945 استفرد هتلر تمامآ بالحكم، تخلص من كل معارضيه السياسيين بطرق شتي ما بين التصفيات الجسدية.. والنفي خارج المانيا او ارسالهم الي مناطق الحروب. سيطر هتلر علي تمامآ الحزب الحاكم وقرب شخصيات معينة كانت مهيمنة علي كل شئ في البلاد... ***- والغريب في الامر، ان هذه الشخصيات هي التي دفعت هتلر الي حتفه منتحرآ!! بكري الصائغ [email protected]