كان اليومان الماضيان يومان عصيبان ليس في تركيا وحدها بل في جميع دول العالم، حيث جرت فيه محاولة انقلابية غبية فاشلة قامت بها شرذمة قليلة من أفراد الجيش التركي دون قيادته، تريد أن ترجع بتركيا الى عقود خلت من تدخل الجيش في حكم هذه البلاد العظيمة كما فعل من سبقهم من مغامرين منذ انقلاب 1960 أجهض فيها الانقلابيون التجارب الديمقراطية وأعدم فيه ظلماً رئيس وزراء منتخب انتخاباً حراً من قبل الشعب التركي السيد (عدنان مندريس)، ظناً خاطئاً منهم أنهم بذلك سيستعيدون للبلاد عافيتها ولم يدركوا أنهم أسسوا طيلة الفترات اللاحقة التي تدخل الجيش التركي في السياسة منذ أول انقلاب علا الى آخر انقلاب هوى قد أرجع تركيا الى وضعها السابق حين كان يطلق عليها رجل أوروبا المريض، ولكن هذا البلد العظيم بعد تجذر الديموقرطية فيه بعد آخر تدخل للجيش في السياسة تاركاً مهمته الأساسية المهنية في الحفاظ على سيادة البلاد وامنها وحدودها وحماية الدستور أصبح رجل الشرق الأوسط وأوروبا القوي المعافى بديمقراطيته وبارادة شعبه الحر وجيشه الجديد المحترم وحكمة قواه السياسية جميعها التي وقفت وقفة رجل واحد لإجهاض هذا الانقلاب الفاشل.. نعم كان اليومان الماضيان عرساً للديمقراطية التي لا بديل لها إذا أرادت تركيا خاصة والشعوب والأمم عامة أن تتقدم وتزدهر فالديكتاتوريات كما رأينا هي التي بذرت بذورر التطرف والفوضى والإرهاب والظلم والفساد لأنها عجزت عن تكريس الاستقرار والتوحد والسلام والإزدهار الاقتصادي والممارسة الديموقراطية الصحيحة والحكم الرشيد طيلة العقود الماضية الأمر الذي أدى الى الاحتقانات السياسية. فالفوضى الحالية ولو استمرت الديمقراطية وتعلمتها ومارستها الشعوب وتجذرت وصبرنا عليها عبر السنين، لما حدث ماحدث ودخلت شعوب هذه المنطقة في هذا النفق المظلم. لقد انتجت الإنقلابات العسكرية الديكتاتوريات والتخلف والنفاق والفساد المالي والأخلاقى والظلم وحكم الفرد والتعسف في استخدام السلطة والتعدي على حقوق الانسان والتدخل الدولي الضار في شؤون الدول، فلقد جعلت الديكتاتوريات من الأقزام عمالقة ومن اللصوص والفاسدين سادة في بلادهم يتحكمون في سائر مصائر البلاد والعباد يأكلون أموال المواطنين بالباطل والإثم ويدلون بها للحكام. ولِم لا فالديكتاتورية التي تدعي سرعة الانجاز هي التي تحطم كل الانجازات العظيمة لأنها تقرر وتنفذ أولاً قبل ان تفكر وتستشير بل غالباً ما يكون الفساد دافعاً لكثير من سياساتها وقراراتها ولكن الديمقراطيات تفكر وتدرس وتخطط وتشاور أولاً ثم تنفذ ولذلك توصف خطأ بعدم السرعة.. صحيح الديمقراطيات فيها أخطاء ولكن أخطاءها أخف كثيراً من الديكتاتوريات ولهذا يصدق عليها قول الشاعر احمد شوقي واصفاً الرسول الكريم: داويت متئدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء.. شكرا للشعب التركي الباسل وجيشه العظيم الموحد والقوات النظامية التركية الأخرى، وشكراً للقيادة التركية ولأحزاب تركيا جميعها ولبرلمان تركيا وللمجتمع المدني التركي بكل أطيافه لأنهم وجهوا ضربة قاصمة للمغامرين ولمن يفكر في الانقلاب على الشرعية فأكدوا بذلك أنه لا بديل للديمقراطية ومن يريد أن يحكم البلاد فليكن بالعمل السياسي السلمي وبالديمقراطية وليس بالتمرد والانقلاب العسكري ومن خلال صندوق الانتخابات وليس صندوق الذخيرة عبر انتخابات حرة ونزيهة وصادقة وشفافة فذلك هو السبيل الوحيد الحضاري لحكم الشعوب وليس البلطجة.. ليكن يوم الخامس عشر من يوليو هو عرس الديمقراطية ليس في تركيا وحدها بل في كل العالم الثالث خاصة العالم العربي والاسلامي والافريقي الذي شقى بالانقلابات أيما شقاء. الجريدة