في ذكرى رحيله الثالثة "بهنس " صورة شاهدة على مهالك المبدعين د. محمد الواثق عبد الحميد الجريفاوي ابتدر هذا المقال بأبيات ابن امدرمان المهاجر مأمون الرشيد نائل : كلما ننجب طفلاً عبقريَ النزعة تكمن في عينيه أسرار المفاخر تلفّت...لم يجد اسماً ولا وطناً تلفّت لم يجد ....غير عيونٍ بائساتٍ.....وحناجر تصرخ...يا شريد....إن شئت أن تحيا...فهاجرْ واكتشفنا آخر الأمر بأنّا قد نقلنا مِحَن البؤس والفاقة من جيلٍ لجيل محمد حسن ( بهنس ) هُو ذاك الطفل العبقري الذي تلفت فلم يجد وطناً ووجد معطيات تدفعه كلها لكي يهاجر ... بهنس فنان بكل ما تحمله الكلمة من معنى .... لم التقيه وجهاً لوجه ولكن كان يجمعنا أصدقاء مشتركون ... سمعت عنه الكثير ... بهنس كما قالت عنه احلام مستغانمي : هو الذي على قارعة التجاهل ، تكوّم ، وترك الثلج يُكفّنه في أحد شوارع القاهرة . فقل لنا انك سامحتنا. بهنس مثال لكثير من المبدعين ، فالإبداع كما الدين ، فللدين رسالته والله يختار ويصطفي لذلك من عباده رسلا ، وكذلك الإبداع والمواهب فالله يضعها في بعض من خلقه . المعادلة الصحيحة ان يتناغم سلوك الرسل مع رسالتهم وان يتناغم سلوك المبدعين مع إبداعهم . وإذا تناقض السلوك الانساني ( تحت اي مسمى ) مع الدين او الإبداع فتأكد ان هناك خللا في السلوك . ما حدث للمبدع بهنس يجعلنا نقف طويلاً امام ( مهالك المبدعين ) . جنوح المبدعين على مر الأزمان والعصور إلى مجافاة مجتمعاتهم وتفضيل العيش بطريقة المتصوفة الزاهدة في الحياة . هو وسيلتهم للتعبير عن سخطهم ، حتى موتهم مختلف عن طبيعة الأشياء ، فدائماً ما نجد المبدع واقفاً على مفترق الرؤية بين الماضي والواقع والمأمول ، فيجد نفسه يعيش مرارة الفقد الدائم لذا فهو لا يملك سوى التمرد في رهاناته ضد مجتمعه . والمبدع بانتمائه الى الرقيق من البشر ، دائماً تجده لا يستطيع ان يهرب من الممارسة الحياتية اليومية الواقعية ، ولكن تجده متمرداً يمارس تلك التفاصيل كما يراها او يتصورها هو ، يأتي بكل ما هو جديد ويكسر عن الأشياء رتابتها . وهكذا عاش بهنس ومات . ولكن ما يجب معرفته هو ان جنوح المبدعين للتمرد ليس من باب التغيير او مجاراة المتغير او في بحثهم عن التفرد ، بل ان ذلك هو متطلب لازم للابداع الفني وإتيان غير المألوف . ونقول بلسان كل المبدعين الموجودين في المهارب : اكتب اسمك يا وطني المذبوح في ذاكرة الزمن الأغبر اخلع ثوب الرعب بين يديك الضارعتين الحانيتين أهديك الحب فهل تمنحني القسوة أهديك الزهو فهل تمنحني العار يا من ترقد دون إزار آه يا شجر الصفصاف أخاف اجوع هنا وحدي أخاف أموت هنا وحدي وأخاف وأخاف وأخاف أعود إليك على الأكتاف . [email protected]