"حكامات السودان".. شاعرات يطفئن نار الحرب بقصيدة    منى مجدي: السلام رسالة وأنا معه حتى آخر العمر    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    الدعوة إلى حل الجيش السوداني: استنارة سلمية من جنا النديهة أم دعوة للانتحار الوطني؟    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور.. مودل وعارضة أزياء سودانية حسناء تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة من "العين السخنة"    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    شاهد بالصورة.. محترف الهلال يعود لمعسكر فريقه ويعتذر لجماهير النادي: (لم يكن لدي أي نية لإيذاء المشجعين وأدرك أيضا أن بعض سلوكي لم يكن الأنسب)    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    بث مباشر لمباراة السودان وتوغو في تصفيات كأس العالم    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس الأمريكى تُرَمب ودَرْسٌ قاسِى من النِسَاءِ فى اليومِ الأوَّلِ لإدارَتِه
نشر في الراكوبة يوم 24 - 01 - 2017

اليوم الأولُ فى أىِّ شىِّء هو يومٌ استثنَائى فى حياةِ الإنسان، وغالباً ما يخلدُ فى ذاكرته لمُدَّةٍ طويلة، وأن يبقَى فيها للأبدِ. بعد أن شهدت الدنيا حفلُ تنصيب الرئيس الأمريكى المُنتخَب دونالد تُرَمب يوم 20 يناير 2017م فى ذلك المشهد المُهِيب الذى هو فى حقيقتِه درسٌ نموذَجى ومجَّانِى فى كيفيةِ انتقال السلطة من إدارةٍ إلى أخرى فى أمريكا أعظمِ دولة فى العالم. واللحظات الختامية المُؤَثِّرة للإنتقال عندما وَدَّعَ الرئيس المُنتخب سَلَفهُ أوباما وشيَّعهُ إلى المروحِيَّة الرئاسية التى نقلته وحرمَهُ السيدة ميشيل إلى مقرِّهِما ومقَامِهما القادِم.. وأوباما يشرِّفُ البشرَ والحجَر أينما حلَّ لأنَّه سَمحٌ فى كلِّ أحوالِه، حَاكِماً ومحكُومَاً وإنساناً عادِيَّاً يحتفِى بالناسِ ويحبَّهُ الناسُ أينما ظهرَ وحَلَّ.
ثم نامَ الناسُ وأصبحوا صباح اليوم التالى 21 يناير 2017م، وهو اليوم الأول فى إدارةِ الرئيس دونالد تُرَمب ليتفَاجأوا بشوارعِ كل المُدن الأمريكية فى كُلِّ وُلايَاتِها وهى تغلِى كالمِرجَل تمتلئُ بنساءِ امريكا العظيمات أمتداداً لمسيرةِ رفض الذِراية والظُلم والقهر والتميِّيز التى بدأت باكراً فى مارس 1955م عندما رَفَضَت كلاوديت كولفين (Claudette Colvin) وهى طالبة مدرسةِ تبلغُ من العُمرِ(15)عاماً رفضت التَخَلِّى عن مقعدِها فى الحافلة لرجُلٍ أبيض إمتثالاً لقوانينِ جيم كراو (Jim Crow Laws) وكان دكتور مارتن لوثر كِنج الإبن ضِمن لجنة المجتمع الإفريقى الأمريكى فى برمنغهام التى تتابعُ هذه القضية.
وإمتداداً لرفضِ التميِّيز، فى الفاتحِ من ديسمبر 1955م أُلقِىَ القبضُ على السيِّدَة روزا باركس لرفضِها التَخلِّى عن مقعَدِها فى الحافلة قائلةً عِبَارتها الشهيرة: (لقد سئِمتُ هذا، لن أترُكَ مقعدِى!). فبدأت مُقاطعة Boycott أوتوبيس مُنتغمرى التى خطَّطَ لها وحَثَّ عليها (نيكسون) وقادَها مارتن لوثر كِنج، وسُرعانَ ما تبعه الأخرون وإستمرت المقاطعة (385 يوماً) وأصبح الوضع متوَتِّرَاً وتمَّ قصفُ منزل كِنج وأُلقِى القبضُ عليه خلال هذه الحملة. وقد إنتهت تلك الأزمة المتعلقة بمقاطعة أوتوبيس مُنتِغمرى بصُدورِ حُكمِ محكمة المقاطعة/ الولايات المتحدة الامريكية فى قضية (براودر ضد/ غايل) التى قَضت بإنهاءِ التفرِقة العنصرية فى جميع الحافلات العامَّة فى مونتغمرى.
واليوم نساء أمريكا يخرُجنَ إحتجاجاً على مُمارَساتِ الرئيس المُنتخب تُرَمب فى صباح اليوم الأول له فى المكتبِ البيضَاوى بالبيتِ الأبيض ليقُلنَ له (أرعَى بقيدَك).
ونضالات المرأة الأمريكية قديمة ومُتجدِّدَة لا يجهلُها أو يسخَرُ من دورِها إلَّا من لا يعرِفُها.
واليوم العالمى للمرأة هو اليوم الثامن من شهر مارس/ آذار من كُلِّ عام، وفيه يُحتفلُ عالميًا بالإنجازاتِ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء. ويُرَجَّحُ انَّ اليوم العالمى للمرأة كان على إثرِ بعض الإضرابات النسائية التى حدثت فى الولايات المتحدة عام 1856م حيثُ خرج آلاف النساء للاحتجاج فى شوارع مدينة نيويورك على الظروفِ اللاإنسانية التى كُنَّ يُجبَرنَ على العملِ تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريقِ المُتظاهرات إلَّا أنَّ المسيرة نجحت فى دفعِ المسئولين والسياسيين إلى طرحِ مُشكلة المرأة العاملة على جداولِ الأعمال اليومية.
ومسيرة النساء الأمريكيات ضد الريس المُنتخب تُرَمب صبيحة يومه الأول فى الحُكمِ 21 يناير 2017م سوف تجعلهُ يفكِّرُ ايجابياً عندما يتعلقُ الأمرُ بالمرأة لأنَّ تاريخ هذا الرجل حافِلٌ بمواقف سالِبة ضدَّ النساء.
وفى 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنَّهُن حَمَلن هذه المرَّة قِطعَاً من الخُبزِ اليابس وباقاتٍ من الوُرُوُدِ فى خطوة رمزِيَّة لها دَلالتها وإختِرنَ لحركتِهُنَّ الاحتجاجية تلك شعار "خُبزٌ و وُرُود". طالبت المسيرة هذه المرة: 1) بتخفيض ساعات العمل، 2) وقفِ تشغيل الأطفال، 3) منحِ النساء حقُّ الإقتِرَاع.
ومُظاهرات الخُبز والوُرُوُد هى بداية تشكُّلِ حركة نسوية متحمِّسة داخل الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواةِ والإنصاف رفعن شعارات تطالِبُ بالحقوقِ السياسية وعلى رأسِها الحَقُّ فى الانتخَابِ.
وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم للمرأة الأمريكية تخليداً لخروجِ مظاهرات نيويورك سنة 1909م وقد ساهمت النساء الأمريكيات فى دفعِ الدولِ الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وقد تبنَّى اقتراح الوفد الأمريكى بتخصيص يوم وآحِد فى السنة للاحتفالِ بالمرأة على الصعيد العالمى بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.
على أنَّ الجمعية العامة للأممِ المتحدة إعتمدت يوم 8 مارس/ آذار من كُلِّ عام يوماً عالميَّا للمرأة فى العامِ 1977م وأصدرت قراراً بذلك عمَّمتهُ للجميع.
ورغم العقود السبعة من عمرِ الرئيس المُنتخب تُرَامب التى قضاها فى هذه الحياة الدنيا وحقَّقَ خلالها نجاحات كبيرة فى إدارةِ أعمالِه الخاصَّة فصارَ مليارديراً يُشارُ إليه بالبنَانِ، وساقهُ ذلك إلى مُغَامرة ومُقَامرةِ الدخول إلى البيتِ الأبيض رئيساً للدولة الأعظم فى هذا الكوكب. إلَّا أنَّه لم يلقِ بالاً لعظمة المرأة الأمريكية ونضالاتها عبر الزمان، والذى يجبُ أن ينتبِهَ له الرئيس تُرَامب هو أنَّ هناك فرقٌ كبير وبونٌ شاسِع بين النجاح فى إدارةِ الأعمال كتاجر يفلَحُ فى حصدِ المكسب المادِّى والرِبح ومُراكَمةُ الثروَات وتحقيق المجدِ على المُستوَى الشخصِى، وبين النجاح فى إدارةِ دولة كبيرة بحجم أمريكا! حيثُ الإرثُ الكبير من الحُرِّيِّةٍ والديمقراطية والتعدُّدِ، وحقوق الإنسان وحُكم القانون، والمُساواة المُطلَقة بين المواطنين، نساء ورجال، بِيض وسُود ومُلونِين، وعلى مُستوى جميع الأديان.
فى مسيرات 21 يناير 2017م رأينَا وسمِعنا الشعارات والخُطب البتْرَاء من رُموزِ النساءِ الأمريِّكيات يدافِعنَ عن مكاسبٍ تحقَّقت بنضالات وتضحياتِ النساءِ منذُ زمنٍ بعيد، وكيف أنَّ الرئيس المُنتخب هدَّد تلك المكَاسِب وزعزعها وضَعْضَعَها، بإحتقارِهِ وإهانتهِ للمرأة.
وليس ببعيدٍ عن ذاكِرةِ العالم الإهانة الشخصية التى وجَّهَها الرئيس المُنتخب تُرَمب لمُنافِستِه السيِّدة الفُضلى هيلارى كلينتون فى المُنَاظرةِ الرئاسِيَّةِ الثانية عندما أطلقَ فى وَجْهِها وعلى الهوَاءِ مباشرة عبارته الصَادِمة: (Such a nasty Woman)، كانت عبارة قاسية ومُفاجِأة وقعت كالصاعِقَة على الجميعِ، داخل وخارج أمريكا.. وثبَتَ للناسِ أنَّ الأمر قد خرج عن المألوف الذى عهِدَهُ الناسُ، وتبيَّنَ لهم الطوفانُ القادم الذى هو أكبرُ وأخطَرُ من مُجرَّدِ سباقٍ رئاسى إلى البيت الأبيض وقد ألِفَهُ الناسُ ولمرَّاتٍ عديدة بهرَهمُ فيها حضارِيَّة التنافس ونظافته.. ولا يوجَدُ فى العالم من لا يُعجبُ بسباقِ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومراحِلها ومناظرَاتِها وخُطب أبطالِها كأعظمِ إرثٍ لهذا الشعبُ العظيم تناقله عبر القرُون، والآن يكادُ يسقطُ صرِيعَاً.
وفى مسيراتِ السبت الهادِرة سمِعنا خُطَبَاً عصْمَاء فى إدانةِ الرئيس المُنتخب تُرامب ويافطات تحملُ تلك العبارة القاسية العدائية ضد منافسته السيدة المُحترمة هيلارى كلينتون فى إدانةٍ واستنكار شديد لمن اطلَقَها. وسوف يقضى الرئيس الأمريكى المُنتخَب جُلَّ ما تبقَّى له من عُمرٍ تُطَارِده لعنَةُ هذه العِبارة التى أطلقها وسمِعَها الجميع. وبنفسِ القدر سيحفظُ التاريخ للسيدةِ هيلارى أنّها سيِّدة عظيمة وحكِيمة ومُحترَمَة لأنّها فوَّتَت تلك اللحظة العصِيبة، ومرَّت فى ذلك الإمتحان بنجاحٍ منقطِعُ النظِير، ولم تتعثَّر أو تتوقّف عندها.
وأثبتت مدام هيلارى كلينتون للجميعِ انَّها سيِّدةٌ راكِزة وفوق الهفَوات، وأنَّها إرتفَعَت عالِيَاً عندما هبطَ مُنَافِسُها إلى أسفلِ سافِلِين، كما جاء وصفِها فى الخطابِ المُؤثِّر للسيدةِ الأولى مِيشيل أوباما. ولكن الشعبُ الأمريكى إختار لرئاستهِ هذه المرَّة من سقطَ فى امتحانِ القِيم، ما اكرَمَهُّن إلَّا كرِيم، وما أهَانَهُنَّ إلّا لئِيم. وما الفرقُ بينه وبين حكومة الدكتاتور السودانى عمر البشير الذى يمتَهِنُ كرامة نساء السودان قتلاً وإغتصاباً وحبساً وتعذيباً، وجلدَاً بالسياطِ على رُؤوسِ الأشهَاد؟ الإختلافُ فقط فى المِقدارِ، أمّا النوعُ فوآحِد..
والذى فاجأ الناس أنَّ الرئيسَ المُنتخب فى خطابِ تنصيبهِ المُقتضَب 20 يناير 2017م قال أنَّ السُلطةَ قد انتقلت منذُ لحظةَ تنصيبِهِ إلى الشعبِ الأمريكى!، كأنه أتى بالديمقراطيةِ وحُكمِ الشعب بالشعبِ للشعبِ إلى امريكا لأوَّلِ مَرَّة!، وإذا بنساءِ امريكا يخرُجنَ ضِدَّه فى مسيراتِ وتظاهُرَاتٍ هادِرة ومُتحدِّية، وعامَّة شمِلت كُلّ الولايات فى الصباحِ الباكر لأوَّلِ يومِ عمل فى إدارتِه!. فأى أنماط نقل السلطة إلى الشعبِ هذا الذى أعلنَ عنه الرئيس الأمريكى المُنتخب فى فاتِحة خطابِ تنصيبِه؟ والشعب يواجِهَهُ بالرفضِ إحتجاجاً وتظاهُراً منذ طُلوعِ فجرِ يومِه الأوَّل.
ننتظر لنرى كيف يحقق هذا الرئيس الأمريكى المُنتخب شعاراته التى رفعها وفاز بها!.. وقال فى خطابِ التنصيب أيضاً أنَّ أمريكا لن تحمِى بعد اليوم أحداً فى العالم مجَّانَاً، ولكن كيف تكون أمريكا قوٍيَّة وسيِّدة الدنيا وشرطيِّيها إن هى لم تحمِ الآخرين وتحفظ السِلم والأمن الدوليين؟ وتتدخَّلَ لحمايةِ المظلوم ونُصرةِ الملهُوف، وتأمينِ روعات الشعوب المغلُوبة من بطشِ حُكَّامُها القتلة مثل حكومة السودان؟
وقال أن إدارته ستشهدُ بناء المطارات والكبارى والطُرق والمشافِى فى أمريكا! وقد كشف الرئيسُ المُنتخب حقيقة ما كان يعلمُها الناس، وهى أنَّ أمريكا العُظمى تنقُصها البِنيات التحتية، وذكَّرَنِى بنائبِ الرئيس السودانى حسبو عبد الرحمن الذى يُسافر كثيراً يجوبُ الريف السودانى يوعِدُ الجماهير المقهورة هُناك بالمدارسِ وحفائر المياه والشفخانات يشترى بها أصواتهم لمصلحةِ حزبِه الحَاكِم.
ومن بابِ العِلم أنَّ امريكا بلدٌ مُكتمِلُ البِنية التحتِيَّة، ولكن الرئيس المُنتخب ولأنَّهُ رجلُ أعمال ينتجُ مواد البناء فإنَّهُ يقدِّمُ برنامجه وفق عقلِيَّة التاجِر الذى ينتج الحديد والسيخ والأسمنت ويريدُ أن يستَخْدِمُها فى إعادة بناءِ امريكا بما فى ذلك السُور العظيم الذى وعدَ ببِناءِه على حدودِ بلاده مع المكسيك، هى عقلية رجل الأعمال ومُقَاوِلُ البِنَاء.
الذى تحتاجه أمريكا كدولة عُظمى ذات إلتزامات كونية هى الحفاظُ على مجدِها الذى بلغته بالنجاحِ والعطاءِ والإرثِ المُشترك والتضحيات العظيمة لشعبها. ومكمنُ التحَدِّى لإدارةِ أمريكا فى القُدرةِ على الحفاظِ على تنوُّعِ شعبها المُتَّحِد وإدارة التنوُّعِ الخلَّاق. وإدارة ذلك التنوُّع لمصلحةِ امريكا والعالم كُلِّه، وأنَّ أىِّ تراجُع عن الدورِ الأمريكى العالمى كحامِية لحِمَى السِلم والأمن الدوليَّينِ، وأنَّها الوَصِّيَّة الرسميَّةِ على حقوقِ الإنسان والحريات العامة والديمقراطية والتبادُل السلمى للسلطة، ومُحاربة العنصرية وإضطهاد الأقليات ومحاولات إبادتهم، وتعزيز قيم المساواة بين البشر رغم إختلافاتهم. أىِّ تراجُع لأمريكا عن هذه الأدوار التى لعبتها بتوفيقٍ كبير خلال عقود طويلة سابقة كعَرَّاب للديمقراطية وحقوق الإنسان والتداوُلِ السلمى للسلطة ومراقبة الحُكم الرشيد، ومتابعة ومراقبة ومعاقبة المنتهكين والمسيئين لهذه القيم الكونية، إذا تخلَّت أمريكا عن حراسةِ هذا الإرث الأنسانى لمصلحةِ المجتمع الإنسانى على الأرض سيكون ذلك التخلِّى كارثة ماحِقة على البشرية وأفولٌ لنجمِ وسطوةِ أمريكا عِملاقةُ الخير والحقِّ والفضِيلة، وسوف يأفُلُ نجمُها ويتراجَعُ دورها الرِيادِى، وسيصعُد لاعبون أشرار جُدد ليحتَلُّوا الفراغ الذى سيتركهُ، وسيعُمُّ الظلمُ الأرضَ، وسيقهَرُ الطُغاةُ الضُعفَاء دون رقيبٍ أو حسيب، وتضِيعُ الحقوق وتُصادَرُ الحُرِّيَّات، وستمُوتُ المُروءَةَ والشعور بوُحدَةِ المجتمع الإنسانى وسينسى الناس معنى التكافُل والتراحُم والرفق والرحمة، ستعُمُّ الفوضى، ويهلَك النسلُ وتنتَهِى الدُنيا إلى ما لا يمكن أن يخطُرَ بِبَالِ بشر.
ومسيرات النساء الأمريكات الهادِرة التى إستفتَحُوا بها عهدِ الرئيس المنتخب وفى يومِه الأول لن تكونَ الأخيرة!، وأن يعلمْ أفادهُ الله أنَّ أمريكا الحالية القوِيَّة والمُنتشرة فى كُلِّ بقاع الدنيا تنصرُ المظلوم وتردعُ الظالم هى الضمانَةُ الأولى والأخيرة لسلامةِ الحياة والعيشِ الكريم فى عالمِ اليوم، وذلك يقتضى أن يرتفِعَ الرئيسُ المُنتخب من عقلِيَّةِ وفهمِ رجُلِ الأعمال (التاجر) الذى يحسب الأشياء بميزانِ الربحِ والخسارة، إلى عقليَّة وتدبيرِ رجل الدولة العظمى أمريكا مثل أسلافِه الذين حكَمُوا وِفقَ نظريَّةٍ شامِلة لحمايةِ وإسعادِ جميعِ أركان وسُكَّانِ المعمُورة، قيِّمَاً و وَصِيَّاً وضامِناً للحُرِّية والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم لكُلِّ شعوبِ العالم.
ولإنَّ أمريكا هى كُلِّ العالم وأنها بلدُ المُهاجرين من كلِّ حدَبٍ وصوب، وهُم من بنُوا مجدَ امريكا وجعلُوها النموذج الذى يلتزِمُ بالحقِّ والعدلِ والرفَاهِ والفضيلة داخل وخارج أمريكا. وأن يعلمَ الرئيس المُنتخب تُرَمب أنَّه إذا تخلَّى عن الدورِ العالمى لأمريكا وإنكفأ على نفسه داخِلياً فإنَّ ذلك سيضُرُ بالأمنِ القومى الأمريكى، وبالأمنِ والسِلمِ الدوليين، وهما فى قمَّةِ مهامِ رئيس وحكومة الولايات المتحدة. وإن تخَلَّى عن دعمِ وحمايةِ العالم الخارجى فإنَّ الذينَ تخَلَّى عنهم لن يقفوا مكتوفين هناك ينتظِرُون حتفَهم لكنَّهم سيأتون إلى أمريكا يدُقُّونَ أبوابَها فى طلبِ الأمنَ من الخوفِ، والطعامَ من الجُوعِ، فإيِّهم خيرٌ لأمريكا أن تذهَبَ إليهم أم أن يأتُونَها سَعْياً؟.
عبد العزيز عثمان سام
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.