يشنّ النظام السوداني وبعض أذرعه الأمنية في مواقع التواصل حملة شرسة لحضّ المواطنين على عدم تناول أو إستعمال الأطعمة أو المواد الاخرى المصنّعة في مصر، وتخويفهم من السفر للسياحة أو العلاج هناك. الحملة تثير الدهشة! من أين هبط كل هذا الحب فجأة ليعلن النظام فجأة حرصه على صحة المواطن السوداني وأمانه لدرجة نصحه بعدم أكل الأطعمة المصرية التي إكتشف النظام فجأة وبعد ثلاثة عقود أنها ملوثة! من يسمع ذلك يعتقد ان النظام يقوم بكل واجباته تجاه مواطنيه، وانه لم تكن هناك فضائح مبيدات وأسمدة وتقاوي وشتول نخيل فاسدة . بل أن ماء الشرب نفسه بشهادات إختصاصيين مخلوط بالفضلات الآدمية في قلب العاصمة القومية! اضافة لشائعات النفايات المدفونة في كل صوب وحدب، اضافة للفساد نفسه الذي اصبح حاكما للدولة، ولم نسمع بحكام فاسدين على مدار التاريخ كانوا حريصين على صحة شعوبهم. النظام الانقاذي سلب المواطن حقه في العلاج الذي تضمنه الدولة. وباع المستشفيات التي شادها الشعب السوداني من عرقه ودمه، وأصبح النظام الفاسد نفسه وأذرعه الاخوانية واجهزته الأمنية أكبر مستثمر في صحة المواطن السوداني، حتى المواطن الذي يهرب بحثا عن العلاج في الاردن يجد في وكالات السمسرة الاخوانية في إنتظاره في مطار عمان! بعد أن قبضوا مقدما ثمن إدخاله لأحد المستشفيات هناك! ثم يتحدث هؤلاء عن منع أطعمة ومنتجات مصرية حفاظا على صحة المواطن السوداني! أطفال يعيشون في المجاري في العاصمة الخرطوم!على بعد أمتار من القصر الرئاسي وقصور أجهزة الأمن، الذي يبني أيضا كل يوم كليّات جديدة لتأهيل مزيد من البصّاصين، يقتسمون عبء التجسس على الشعب المسكين الفضل! أطفال لا يعودون الى بيوتهم في فسحة الفطور في قلب العاصمة القومية لأنه لا يوجد فطور في البيت الذي لا يشكو فقط قلة الفئران، بل قلة كل شئ! مريض بالملاريا يحتاج لحبة دواء فيطوف بالاسواق يستجدي الناس ثمنا لروشتة الدواء، طفل يطلب في احدى الصيدليات دواء للسكري وحين يمد الصيدلي يده بالدواء يخطفه الصبي ويلوذ بالفرار، ليكتشف الناس الذين طاردوا الصبي بإعتباره سارقا، أن الصبي يسرق الدواء لينقذ حياة والده المريض العاجز عن شراء حبة دواء! فيجلس هؤلاء المواطنون الطيبون لينخرطوا في البكاء من فداحة الموقف ومن الشعور الساحق بالعجز والهوان لدرجة مطاردة طفل برئ سرقت الدولة الظالمة براءته وطفولته ومستقبله! وهل من هوان أكثر مما فعله النظام بهذا الشعب؟ قتل وتجويع وتدمير وسرقة. سرقوا كل شئ وباعوا حتى الأرض، حوامل يضعن مواليدهن في الشوارع لرفض مستشفيات (مأمون حميدة) إستقبالهن! وحين تسمع الله أكبر تشق عنان السماء تعتقد أنك في عهد أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز! وبعد كل ذلك ولخوفهم من دعم مصر لسلفاكير الذي يتهمه النظام بدعم الحركة الشعبية، أو لضغوط من التنظيم الدولي للأخوان الذي لا هم له سوى إسقاط النظام المصري، يبكون على صحتنا التي تهددها الأغذية المصرية الملوثة! تشبه قصة النظام مع مصر قصة أحد أقربائنا خرجنا معه يوم العيد لنطوف على الأهل والأقارب والجيران، لم يكن يحب أحد جيراننا بدعوى أنه لم يجامله في مناسبة ما، وحين اصررنا عليه أن نزور الرجل رضخ في النهاية على مضض! لكنه وبعد أن صافح الرجل بفتور رفض تناول شئ من الحلوى أو العصير الذي أحضره المضيف بدعوى أنه مصاب بمرض المصران، وهذه الاشياء لا تنفع معه! في البيت التالي الذي زرناه بدا قريبنا هاشا باشا وحين سألته هل سيتناول العصير هنا أم أن المصران لا يزال (يتاوره) أعلن: لو جابو لينا هنا سم بنشربه! الشعب السوداني لا ناقة له ولا جمل في صراع التنظيمات الاخوانية مع مصر، الشعب السوداني كان أول ضحايا التنظيم الاخواني الذي دبّر فرعه السوداني إنقلابا لم يجن منه شعبنا سوى الموت والجوع والقتل وتفتيت الدولة وسرقة مواردها كلها بل وعرض اراضيها للبيع لكل عابر طريق. يوما ما حين يستعيد شعبنا الحكم ويستعيد دولة الديمقراطية وحكم القانون، سيحاكم هذا التنظيم الاخواني بما فعله في شعبنا من جرائم يندي لها جبين الانسانية. تصادف أن زرت مصر أيام الرئيس مرسي ولمست خوف المصريين من أن يكرر الأخوان نفس تجربة السودان في بلادهم! لم تكن تخلو صحيفة من ذلك! وبدلا من أن يطمئن نظام مرسي الشعب أنّ تجربة الاخوان في السودان ماثلة أمامه لن يهتدي بها، كان يرسل البلطجية لحصار المحكمة الدستورية حتى تتم إجازة الدستور! كان ينقلب على الدستور قبل حتى إجازته! في ظل سياسات النظام الانقاذي وإهماله وبيعه للمؤسسات الصحية لم يبق للكثير من أبناء شعبنا من ملاذ رغم الامكانات المحدودة سوى البحث عن إمكانية العلاج بالخارج، وقد مثّلت مصر دائما أفضل الخيارات لقربها وسهولة السفر اليها و تكلفة العلاج المعقولة نسبيا فيها. وكانّ النظام الذي لا تشغله هموم الشعب السوداني بقدر ما تشغله هموم البقاء في الكرسي وتنفيذ تعليمات التنظيم الدولي لضمان إستمرار العطايا والودائع المصرفية. يريد إغلاق النافذة الوحيدة التي بقيت للمرضى والشباب الطامحين في فرص أفضل. قضايا الحدود مع مصرستحل في وجود نظام وطني، حريص على مصالح شعبه ووحدة أراضيه. لقد سحب جمال عبد الناصر جيشه يوما أمام ضغوط عبدالله خليل رئيس الوزراء الراحل. رئيس الوزراء الذي أتت به صناديق الانتخابات، لم يأت بالبندقية أو الخداع أو مؤتمرات الحوار الوهمية. عبد الله خليل كان وطنيا وقائدا حقيقيا ولم يكن مجرد إنقلابي لا هم له سوى البقاء في الكرسي، والحفاظ على مكتسبات اسرته وحزبه، اولئك هم الرجال الباقون بمواقفهم في ضمير شعبنا وذاكرته، وليس اللصوص وتجّار الدين الذين قسّموا وطننا ودمروا نسيجه الاجتماعي واعادوا في الالفية الثالثة إحياء العصبيات والقبلية. https://www.facebook.com/ortoot?ref=aymt_homepage_panel [email protected]