خلال السبعينيات و ربما حتي أوائل الثمانينيات كان المرحوم/فاروق حسن أحمد نشطاً في مهمته كمنسق للزحف الصحراوي و كانت أخباره تتري مُتحركاً من مؤتمر لآخر و مثله آخرون في مجالاتهم: المرحوم عمر التاي/مدير عام الاحصاء – تلك مجالات وجدت الدعم آنئذٍ من العالم ومن منظمات الأممالمتحدة و لكن مع كل تلك الحركة و ذلك النشاط آلت المؤسسات التي تحت أيديهم إلي العدم – مصلحة الاحصاء أضحت خراباً و حوشها تحول إلي مربض للسيارات و الإدارة التي كان يعمل فيها فاروق حسن أحمد أضحت شبه خرابة وهكذا يمكننا أن نعدد من المؤسسات الحكومية الكثير: هيئة توفير المياهو التنمية الريفية، إتحاد إذاعات الدول العربية ...إلخ و هو مجالٌ للتحقيق الصحفي و التحري فمن الفشل يمكن أن نصنع نجاحاً.تُري لماذا نفشل في صنع مؤسسات باقيةٌ و فعالة ؟ الاجابة ليست سهلة وتأتي كلمة الترحيب بانشاء المجلس القومي لمكافحة التصحر لنضع أمامه ما أظنه يسهم في ضمان الاستدامة و ربما النجاح في تلك المهمة الصعبة ! فبعد ذهاب الأراضي الخضراء جنوباً أضحت نسبة الصحراء في البلاد عالية وقد تصل إلي حوالي 70% ! لقد كانت مساحة البلاد سهلة الحفظ 1000000 ميل مربع و نسبة صحراء تبلغ نحو 45% !!لآن نجهل تماماً مساحة ماتبقي من السودان ! في مثل هذه المناسبات تُقدم التهاني و التبريكات و لكن زمان التهاني قد فات و لعله لم يُطل علي بلادنا في تاريخها الطويل وعلي كل حال الأمل لبروفسير/ عبد العظيم ميرغني التوفيق و النجاح . يجئ قرار إنشاء المجلس القومي لمكافحة التصحر متأخراً و لكنه حسناً جاء ، وهي جهود متواصلة تحركها رغبة في حماية الأراضي المتبقية من التصحر و من زحف الرمال و لحماية البيئة ، مع غايات في تحقيق تنمية متوازنة و مستدامة لمصلحة المواطن و الوطن ! بالبحث في ظاهرة التصحر و إزديادها فنحن غير معنيين في الخوض في تعريفات التصحر أو الصحراء- لذلك الأمر موضعه و لكن النظر في ظاهرة التصحر كما يراها الجميع و إحساس البعض بها: جفافاً ونزوحاً و فقدان موارداً للرزق و مؤيل الحياة الآمنة ! المقدمة التي أوردت تبحث عن ظاهرة مؤسسة الرجل الواحد و هو أمرٌ لا بأس به و لكن في تقديري نجاح المسؤلين ينبغي أن يُترجم في بناء مؤسسة قوية و فاعلة وممتلئة بالرجال و النساء ممن هم في كفاءته و يتمتعون بقدراته و أكثر ! كثيراً ما تجد المسافة بين الرجل الأول و من يليه بعيدة في المؤهل و في العمر ! وتمتلئ تلك المسافة بالفراغ المفضي إلي عدم .وهو أمرٌ يدعونا للتفكير و إعادة النظر في مؤسساتنا ! كيف نبني مؤسسات متميزة و فاعلة ؟ وهو ما نُريده من بروفسير/عبد العظيم . ولعل وجود سياسات جيدة لهو الضمانة الأولي لموجهات تهتدي بها المؤسسة و تسير عليها لتحقيق أهدافها. و من ينظر في لوائح المؤسسات يجد البند الأول في أهدافها هو وضع السياسات و عند السؤال عن وثيقة السياسات ؟ لا تجد شيئاً ! حتي بعد مضي عقود و عقود ! لذلك هم كمن يمشي علي غير هدي أو كتاب منير ! و في وقتنا هذا قد تجد عناوين بارزة أُخري، مثل: الرؤية ، الرسالة و الأهداف ! حيث تختلط مع بعضها بشكل عجيب ! أيضاً تلزمنا لائحة تنظم العمل و قوانين للضبط ومن المهم وجود هيكل غير تقليدي ،بالطبع من الضروري وجود وحدة مالية و أخري إدارية و مستشار للقانون وعلينا أن ننظر لما إستجد في العالم و لنحدث بدورنا جديداً ! الآن توجد إدارات للمعرفة و الاتصال :للبحث في المعارف المستجدة و في قديمها مع قنوات إتصال جيدة لنقل تلك المعارف و الاستفدة منها. قد يكون من الأوفق إدخال إدارة للموارد المالية وهي في المنظمات يقوم عليها أفراد يستقطبون الدعم من كافة مظانه ! وبما أن المجلس جهاز حكومي قد يصعب وجود مثل هذه الادارة – ولكن لماذا لا نغير في النظم و ندخل هذا النشاط تعزيزاً للموارد المالية التي تأتي من وزارة المالية و لننظر في إنشاء منتدي أو برلمان للغابة و الصحراء كجسم مساعد يعمل بشكل طوعي و أهلي لمساعدة المجلس مع وجود هذه الادارة الجديدة بداخله للبحث في إستقطاب موارد مالية إضافية ! من السياسات التي أري تبنيها: الحد من التصحر و إعادة الأراضي المتصحرة للانتاج مع الاستفادة من المعارف الحديثة و التكنولوجيا الجديدة لمكافحة التصحر و في التخطيط للمشاريع الجديدة ، مثل علوم الفضاء مع الارصاد الجوي ونظم المعلومات الأرضية. والسعي لتحديد نسبة من الموازنة السنوية لأغراض مكافحة التصحر و برامج إستزراع الغابات ونشر الخضرة.مع وضع رسوم علي الأنشطة المؤثرة سلباً علي البيئة مثل إنتاج الفحم النباتي و الأخشاب و البترول لتصب في صندوق التصحر. التأكيد علي أهمية ترك نسبة لا تقل عن 15 % من أي مشروع كمستودع للتنوع الحيوي دونما تدخل بأي نشاط سلبي ! تشجيع الأنشطة الحالية و التي أثبتت جدواها الاقتصادية ، مثل تربية الابل في المناطق الصحراوية و إستغلال منجاتها مثل الألبان و اللحوم و الجلود ... إستغلال الطاقة الشمسية و طاقة الرياح لضخ المياه و لبقية الأغراض و النظر في إستخدام الحوض النوبي بشكل مستدام – وذلك بحفر آبار صغيرة لأغراض الشرب و لاطلاق برامج التشجير و الخضرة في مراحلها الأولي .مع إستخدام النباتات و الاشجار المقاومة للجفاف و ذات العائد . أيضاً قد يكون مجدياً الاستفادة من الآبار المالحة لزراعة الأشجار و النباتات التي تتحمل الملوحة العالية. من الأهداف التي يُمل أن ينجزها المجلس القومي لمكافحة التصحر : إستغلال البيانات و المعلومات المتوفرة حالياً مثل خريطة الغطاء الأرضي الافريقي –المعروفة ب Africover والتي شارك السودان فيها –كأساس للعمل و القياس أو المقارنة لتحديد مدي إنجاز الأهداف الموضوعة. أيضاً يمكننا الاستفادة من المسوحات التي أجرتها إدارة الغابات . إنشاء قاعدة بيانات و تجميع ما يتوفر من معلومات عن الصحراء و تجارب العالم وحفظ ما يتوفر علي شبكة الانترنيت – فقد لا نجدها !! وضع سجل بالعاملين و المهتمين بالصحراء و الغابة مع تجديده من وقت لآخر و الاستفادة منه في منتدي الغابة و الصحراء.برلمان شعبي و أهلي للتشاور و لمساعدة المجلس في تحقيق أهدافه و ربما في وضع سياساته! و ليصبح مستودعاً للخبرات. ربط صحاري السودان شمالاً ببقية أنحاء البلاد مع البدء بالطرق المعروفة مثل طريق الأربعين و وضع علامات تحدد مساره و حفر آبار تعمل بالطاقة الشمسية و تمد محطات المسافرين بالطاقة و المياه و ليصبح مورداً للسياحة التاريخية و سياحة الصحراء. تعمير الواحات و تنشيط السياحة الداخلية و الخارجية. وضع خطة بها عدد من المشاريع الرائدة و النموذجية لمكافحة التصحر و لتعمير الصحراء. تمويل إجراء البحوث العلمية في الجامعاتو مراكز البحث و حتي الأفراد وفقاً لشروط محددة و مؤشرات ، منها: عدد الباحثين المشاركين و عدد الجهات المشاركة في البحث و المساحة الجغرافية التي يتوقع أن يشملها البحث و الأثر المباشر علي البيئة وبذلك يمكننا تحقيق شئ من العدالة و الديمقراطية في تمويل الأبحاث العلمية –فربما فرد مثابر يعادل مؤسسة بحالها و لدينا نماذج جيدة مثل المرحوم /عبد الوهاب موسي – فهو باختراعاته و أبحاثه تفوق علي مؤسسات كبيرة – فلديه حوالي 12 إختراعاً مسجلاً، منها: مكنة صناعة الكسرة. يعتقد كثير من الناس بأن الصحراء خلواً من الحياة ! وهو خطأ شائع .فهي تضج بالحياة في شعبها و جبالها و واحاتها.لذلك من الأوفق تنشيط السياحة الصحراوية بالبلاد و زيادة الوعي بها و بقيمتها و لنعمل علي إبتكار طرق جديدة لاستخدام رمال الصحراء مباشرةً في البناء – لبناء معسكرات العمل و ربما المنتجعات و القري السياحية.ومصدات الرمال أو الرياح ،إذ الرمال تتحرك مع الرياح في دروب لها معروفة – يمكن رؤيتها علي صور الأقمار الصناعية.يقول الأهالي "دريب الريح" وليكن للاستثمار موضع في خطط المجلس و إبتكار وسائل للتحفيز و التشجيع جديدة مثل : إسترداد قيمة أي إستثمار في المناطق الصحراوية بعد سنوات يتم تحديدها و وفقاً لرؤية تضمن حسن إستخدام الموارد المالية. العمل لادخال مناهج حول التصحر و الصحراء بالمدارس و الجامعات و وضع جوائز في مجالات الغابات و إعمار الصحراء. لعل المجلس القومي لمكافحة التصحر يسعي لوضع مشروع كبير لاستزراع الغابات و زيادة المساحة الخضراء لتشغيل الشباب و لحماية البيئة بالتعاون مع القوات النظامية: الشرطة الشعبية و الخدمة الوطنية ، مع شرطة السياحة و الحياة البرية و... مع العمل لتشييد السدود و الحفائر خاصة علي و قريباً من الوديان الكبيرة ، كوادي هوار و وادي الملك . العمل علي تفعيل القوانين الموجودة و إصدار ما يلزم من تشريعات لحماية الأراضي مع الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة في حماية البيئة.إنشاء خط ساخن للتبليغ عن أي حرائق للغابات أو أنشطة ضارة بالصحراء .وقد يكون ملهماً لو أن المجلس يشيد مقراً له قريباً من الحزام الأخضر الجديد. ليكن المجلس القومي لمكافحة التصحر مجلساً غير تقليدي و هو تحدٍ كبير نأمل أن يوفق بروفسير/ عبد العظيم في القيام به و النجاح فيه. [email protected]