قديما قال الرئيس والمفكر والشاعر السنغالي الراحل السيد ليبولد سنغور وهو ينعى دور السودان اللاهث وراء عروبة تتنكر له من طرفِ خفي وأفريقية يتنكر لها وهي في العلن ترغبه .. ما معناه بغض النظر عن دقة النص . كانت لدى الإخوة السودانيين فرصة ليصبحوا في مقدمة الأفارقة لكنهم اختاروا أن يكونوا في مؤخرة الصف العربي! بالطبع هو قول يرقى لمكانة الحكمة وإن كان السودان في مرحلة من مراحل جسارته السياسية ومقدراته الإقتصادية وعنفوان كوادرة في شتى التخصصات وعلو كعبهم في الإقليمين الأفريقي والعربي وحتى الدولي قد لعب دورا حيويا في كل المجالات حفظت له توازنه المتميز شرقا وغربا وكان صوته مسموعا لما اتسم به من رزانة القول التي تسبقه النوايا الصادقة دون النظر الى غرض محدد أوتغليب المصلحة على قيمه الأخلاقية السياسية المعتدلة ..وكان مؤهلا وفق الكثير من المعطيات ليستمر جسرا يشد الجسدين الأفريقي والعربي الى بعضهما تواصلا في ضروب الثقافة و التجارة والتسامح الديني وغير ذلك من مجالات التكامل التي تستثمر إمكانات كلا الإقليمين لتعود بالنفع لمواطنيهما ! الى أن أصبحت للسودان بوابات واسعة في العقود الأخيرة يدخل منها كل من لفظه بلده لاعتبارت الحروب أو الاضطهاد العرقي او التضييق السياسي أو حتى هوس الوهم بالعيش في دولة الشريعة المزعومة ..هذا الى جانب النوافذ المشرعة التي يتسلل منها غير أولئك من طالبي لقمة العيش أو العابرين من خلاله الى بلاد لطالما حلموا بجنتها ولو كان دونها الإنتحار في قاع البحار أو بطون الحيتان والأسماك المفترسة ! فلم نسمع يوما أن أهل السودان ردوا طارقا لأبوابهم و لاسمعنا طلقا لرصاص يصد متسللاً.. بينما أقرب الجيران إما يتحرشون بمزارعي الحدود أو يحتلون أرضا لنا أو يتصيدون بالبنادق القاصدين منا أوعبرنا لنار اليهود هربا من رمضاء الحكام المسلمين الذين يتعاملون حيال إحتلال أراضينا و تقتيل لاجئينا بلغة حشاش بى دقنو .. غدا سنحرر الفشقة وبعدها سنستعيد حلايب .. بعد أن نرغم أهل الجنوب على العودة الى عقر الدار سا جدين على ركب التوبة رجوعا الى توحيد الوطن الذي إنشق بتوافق حكامه الذين ظنوا أن الخلاص في القسمة المتعجلة دفعا بايد المحرضين في كلا طرفيه و افتراءاً على إرادة أهله المسلوبة أو الناقصة على أقل تقدير في جانبه الأيمن! وهذا كله مع تكرار القول في كل موسم بأن الصيف القادم سيهل علينا ونكون قد هزمنا التمرد في كل شبر من ترابنا البليل بدم أهله ونرمي بالخونة من على هامات الجبال ونحرقهم داخل الكراكير وتحت أعشاب الغابات ..وساعتها ستصبح بلادنا واحدة من دول اسكندنافيا رغم البعد من حيث الرفاه و العدالة وحرية الفرد وسعة ماعون الإقتصاد الخ تلك الأماني العذبة ! ومووووووت يا فيل انتظارا لحلول عشب الربيع ! فتحرير الأوطان يا سادتنا الجدد لا يكون في ظل الإستقلال الحقيقي لها إلا عبر تحرير الإنسان من قبضة أخيه الإنسان ليصبح طليق القلم واللسان و عيشه كريم وراسه عاليا وهو يمد وثيقة سفره فينحني له موظفو المواني والمطارات ولا يعيدونه ذليلا فقط مسددا فاتورة الشعارات التي لا تساوي حبرها التي كتبت به وإن عاد من كتبها لاعقا لها حتى أصبح لسانه الملون بذلك المداد دليلا على التراجع المتأخر عن أخطاءٍ باتت عقبات كأداء تعيق تحرك المتراجع شرقاً لان الثقة فيه لم تعد متوفرة ولا في نواياه ... والإلتفاف غربا ليس سهلاً هو الآخر .. فيصبح التراجع الى كلتا الجهتين من قبيل .. فقدان الموقع في مؤخرة صف العرب .. و صعوبة مغازلة المركز المتقدم أفريقيا لآن خطوات الكثيرين قد تقدمت علينا وسبقتنا الى ذلك المقعد .. فاصحبنا كمن لم يصل الى صدر الشرق العربي ولا هو رقص في حلبة أفريقيا التي لطالما استجدانا سمارها الأبنوسي عناق الإخاء والمحبة والمودة وتمنعنا طمعا في شعر الحسان المسدل ووجههن القمري الذي يتمنع علينا باصرار الدواخل وإن تظاهر القبول ببسمة الصفار الزائفة .. ! فضاع صوتنا الخفيض الصدى في وادي التخبط السحيق عبر مسارنا ذلك الطويل وبلا ملامح هوية أو بوصلة لتحدد لنا إتجاهنا الصحيح ..! فمن فشل في اصلاح ذات البين مع شعبه ولو بالحد الأدنى .. فلا ينبغي أن يتطلع الى اعلى حدود إصلاح ذات بين الآخرين .. لأنه ببساطة هو فاقد الشي الذي لن يكون مؤهلاً لإعطائه ! فلا ينبغي أن يكون لنا من ذروةالفخار إلا سودانيتنا أولا وثانيا وثالثا فنكرس لدعائمها عميقا في ترابنا لتعود منارة يسعى على هديها الآخرون طلبا للتقوي بثبات جذورها ..ولانحركها جرا ناحيتهم..فلا هي وصلت اليهم ولا هي عادت الى طينتها كما كانت منذ الأزل !