في كل قرية ومدينة على امتداد بلادنا مشكلات لا تحصى ولا تعد ..مثل ميدان كرة قدم ينزع من الأندية لصالح أحد منسوبي النظام كما حدث في امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم، أومصنع للذهب يستخدم السينايد القاتل كما هو الحال في منطقة صواردة بالشمالية، أو أرض مخصصة للخطة الإسكانية تؤول للسماسرة كما هو الحال في الحلفايا، أو موية مقطوعة على الدوام كما هو الحال في حلة خوجلي، أو جبل ذهبي تستولي عليه المليشيات كما هو حادث في جبل عامر، أو بيع ممتلكات المزارعين مثلما حدث في مشروع الجزيرة، أو تشريد العمال كما يحدث الآن في الموانئ البحرية، أو بيع خط ملاحة جوي وتحويل المال للحسابات الخاصة مثل خط هيثرو، أو الإستيلاء على أموال طريق مثل الإنقاذ الغربي، أو زيادة فئات المياه وعدم مكافحة الكوليرا كالذي حدث في النيل الأبيض، أو طرد الطلاب من الجامعات وسجنهم مثل الذي حدث في بخت الرضا .. هذه مجرد مناظر من فيلم المظالم والمعاناة التي تجابه أغلبية الشعب. وفي كل قرية ومدينة، يجتمع الناس ويلتقون في الأسواق أو البيوت والساحات، يتناقشون ويفكرون، ويختارون لجنة تمثلهم من أجل مواجهة السلطة المختصة.. وكم كتبت المذكرات والعرائض للمحليات والمعتمدين (جمع معتمد)، وللنظار (جمع ناظر) وللشراتي (جمع شرتاي)، وللوزراء وشركات الكهرباء والمياه، ولجان الأراضي، وأمانات الحكومة، وأجهزة الأمن، لكن هذه المطالبات توضع في الادراج، وأعضاء اللجان يوضعون في القوائم السوداء. وكم اشتكى الناس للمحاكم، لكن القرارات لا تنفذ حتى ولو كانت صادرة من أعلى الهيئات القضائية مثل الذي حدث لمعاشيي البنوك . وكم كتبت الصحف عن حال الناس، لكنها تصادر من المطبعة، والصحفي يمثل كالمجرم أمام النيابة والمحكمة، وقد يطرد من عمله. والحال كذلك فإن اللجان التي ينتخبها الناس بصورة ديمقراطية لتمثيلهم لمواجهة أي مشكلة، لا تنتظر شرعية الحكومة، لانها تستند على شرعية الشعب.. ومن محطة المذكرات والمفاوضات، العبثية، تخطو اللجان أو بعضها، نحو تكتيكات جديدة، وتوسيع حركة الجماهير، فالإعتصام بالميادين إلي حين تنفيذ المطالب الشعبية خطوة نحو العصيان المدني الشامل، والمظاهرة صوب مقرات الحكومة، تفتح الطريق للإضراب السياسي والإنتفاضة الحاسمة، وعدم الإعتراف بالقرارات التعسفية، ومقاومتها والإصرار على إسقاطها، يغير موازين القوى لصالح الشعب، ولا يمر يوم جديد إلا ويفرز قيادات ميدانية للمعارضة المتنامية.. وبرغم وضوح طريق الثورة التي ستأتي بالتضحيات والعمل المثابر وليس على طبق من ذهب ، فإن المخذلين وعناصر النظام المندسة تقول للناس هذا ليس وقت المواكب، وليس وقت العصيان، وتذكرهم بالجنجويد وشهداء سبتمبر، وتحذرهم من المعارضة، وتوهمهم بتغيير النظام من الداخل، وتسرب الوثائق المضروبة عن خلافات وتيارات، وانقلابات وشيكة. مظاهرة صغيرة في نواحي القريقريب، يقابلها اعتصام في الدوينيب، وطلاب جامعات يخرجون للشارع وعمال وزراع ونجارين عناقريب، وأطباء ومهندسين وستات شاى ومفصولين ومشاطيب ومن الشرارة يندلع اللهيب. كمال كرار