إغتيال عقل ترى لماذا لا نفكر ولماذا نعجز عن أن نتجاوز الماضي (بالمعنى الديالكتيكي للكلمة). لماذا حبس السوداني عقله في حقبة زمنية ماضية واعتقد ان ليس بالامكان افضل مما كان. لا شك ان مشكلة العقل السوداني خصوصا والمسلم عموما تكمن في سيطرة الماضي المتكلس على الحاضر المتجدد. اصبح الدين كله ثوابت لا متغير فيها، والقرآن كله محكم لا متشابه فيه، وبالتالي لا يتوجب استخدام العقل لا في الدين ولا في السياسة التي هي ايضا وللمفارقة اصبحت دين ايضا يفتي فيها كل من عرف فقه الجنائز. أصبح كل من قرأ كتاب يعود تاريخه لما قبل الف سنه فهو فقيه نحرير يفتي في الطب والسياسة وعلوم الفضاء، ونسي ان الفقه انما هو فكر بشري وفهم للدين في لحظة تاريخية معينة تحت سقف معرفي مرهون بأدواته المعرفية البسيطة... مازال فقهاء المسلمون اليوم يتحدثون عن فقه الجواري وفقه العبيد... وكل من يطالع كتب الفقه لا يجدها تخلو من فقه العبد الآبق وفقه مشروعية اعارة الجواري والاماء وزواج الطفلة التي لا تطيق. علاقة ذلك بتكلس العقل السوداني هو ان فهقاؤنا المستندون الى حائط الدولة يريدون بعث الماضي بقضه وقضيضه وبقوة لاغتيال العقول... وليته ماضي الاسلام الاول الذي يعود لصاحب الرسالة صلوات ربي عليه وسلامة الذي اخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربه... إنما يريدون لنا العودة إلى ما قبل الاسلام والى عصر تدوين الاسلام (منتصف القرن الثاني الهجري) في محاولة سمجة لاستبعاد عصر النبوة وفترة العقل والفصل بين ما يخضع للمواضعة وما يخضع للتوقيف... لان فترة النبوة كانت فترة التحرر والانعتاق من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، لأن فترة النبوة كانت فترة استفت قلبك ولو افتاك الناس وأفتوك، هي فترة دعوني ما تركتكم عندما اكثر الناس من السؤال على صاحب الرسالة صلوات ربي وسلامه عليه في كل شاردة و واردة... لأن فترة النبوة كانت فترة لا فضل لقرشي ولا عربي ولا رجل دين ولا شيخ طريقة ولا سلفي على غيره الا بالتقوى... فترة لا اكراه في الدين قبل ان يتم نسخها فقهاء السلاطين.. ظهرت في السودان طبقة رجال الدين من الصوفية والسلفية ومن بديع امرهما أن كلاهما يلعن الآخر، وكلاهما من اصحاب الجاه والسلطان والمال الوفير ولا نرى فيهم زهد ولا فاقه على فرار (أكلهم فاقة وكلامهم ضرورة)... اما الموطن فقد اغترب عن الواقع وغاب عقله واصبح قياده بيد اسياده من خدم السلطان وفقهاء السلطان، يلجأ للفتوى في شؤنه حتى في كيفيات اتيان اهله.. ورسخ في عقله ان العقل نفحة من شيطان ويجب الحذ منه ومن تعقل تزندق، حيئذ وجد الراحة والسكينة بعيدا عن ضوضاء العقل ومسؤولياته... صديق النعمة الطيب