الناس جميعاً متساوون لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى كما جاء في صلب أساسيات تعاليم الدين الإسلامي، فما الذي يجعل بعض بني آدم ولا أقول الإنسان يتفلت ويتمرد على هذه الحقيقة الناصعة؟ أترى الجهل؟ أم الافتقار إلى التنشئة السليمة؟ أم لأمور ودواع لم يقف على كنهها الآخرون؟ ففي خضم الحياة ومسيرتها الجارية ممارسات فجة يقدم على الإتيان بها بعض بني جلدتنا أقل ما يمكن تجره من فعل سالب تجريد مقترفها وفاعلها من سترة الاحترام والنظر إليه بعين الاحتقار، فمن بين تلكم الممارسات تلبب الأنا وتغلغل الإثرة وتأصل حب الذات في نفوس أناس كثر، تفضحها ممارستهم وسوء صنيعهم الذي ينم عن استصغار الآخرين ممن يساووهم في الرتبة والحقوق والواجبات، ومع ذلك يصر المؤثرون لأنفسهم على منحها ما ليس لها من حق في توقيت معين من شاكلة تخطي المؤثر لنفسه لجموع المصطفين لقضاء خدمة معينة مثل الكهرباء أو تسديد فاتورة المياه أو الحصول على استمارة تقديم أو تلقي خدمة صحية دون أن يأبه للآخرين ومنحهم أدنى درجة من الاحترام، فيسفهم ملل الانتظار بعد أن يسومهم صنوف الاستغلال لما يظن زعماً جهولاً تخويله للتخطي وعدم احترام النظام. ويقول خبراء علم الاجتماع إن صنيع غير العابئين لمشاعر وحقوق الآخرين مرده لسوء التنشئة وضعف التغذية الروحية خاصة في المجتمعات المدنية متباعدة الأواصر المفتقرة إلى معاني التعاضد وملامح التكافل، فصعدت فيها نبرة الأنا وحب الذات، وأنه لا مخرج من مأزق الأنانية إلا بالرجوع إلى التنشئة الأولية بالأسرة. تقول الموظفة بإحدى المنظمات الطوعية هبة الله عبد القادر، إن النماذج والأمثلة التي تنضح أنانية وتفوح إثرة وحب ذات على قفا من يشيل، وحكت عن آخر موقف مرت به قبل استنطاقنا إياها بأنها كانت ومعها ثلاثة شخوص وقوف بالقرب من إحدى ماكينات الصراف الآلي انتظاراً لخروج متعامل مع الماكينة، غير أنه قبل خروج من ننتظر جاء أحدهم يمتطي سيارة فارهة عليه كل أسباب دعة العيش بائنة، ودون أن يلقي على المنتظرين التحية توجه إلى حيث باب الصراف الذي للمصادفة انفتح مصراعيه إيذانا بخروج من بداخل غرفته، وللدهشة واصل صاحب الفارهة الدخول وأخذ ما يريد ويمم صوب سيارته دون أن يعير من سبقوه في دكة الانتظار أدنى نظرة! وواصلت هبة الله بتساؤل ماهيته إذا كان هكذا صنيع من قارفو المدنية فكيف يكون حال العوام؟ وختمت بأن التنشئة السليمة على احترام الآخرين وعدم التقليل من شأنهم وراء صنيع البعض. وغير بعيد عما ساقته هبة الله يقول الخريج إبراهيم خالد أحمد إنه يضايقه كثيراً تخطي البعض للآخرين في المواقف التي تستدعي احترام النظام المتبع، لجهة أنه ليس هناك أحد أفضل من آخر، وزاد أن تخطي الآخرين ينم بصورة جلية عن جهل من يمارسه وإن تدثر برداء العلم وتأنق بأجمل وألطف الأزياء. وأضاف أن ممارسة تخطي الآخرين قد تكون سبباً في حدوث ما لا يحمد عقباه، واستشهد بما كان عليه شهوداً بأحد مراكز بيع الكهرباء، إذ بينما كثيرون مصطفون في احترام للنظام المتبع لشراء الكهرباء، إذا بأحدهم يقطع سيل التسلسل المتبع رغم قدومه المتأخر بتقدمه نحو النافذة مباشرة والشروع في شراء ما يريد من كهرباء، فاستفز موقفه هذا أحد المصطفين ليخرج ويدخل معه في نقاش حاد أوشك أن يتحول إلى عراك وتشابك بالأيدي، لولا تدخل الأجاويد ولطف الله، وأضاف ابراهيم أن احترام النظام أقصر الطرق إلى احترام المرء، لا استغلال النفوذ والمناصب كما يسول للبعض. وشدد على ضرورة أن يطبق النظام على الجميع دون استثناء لأي كائن من كان، لجهة أن علية القوم وظيفياً أولى الناس بتطبيق النظام لا خرقه. وعلى صعيد الشأن العلمي يقول الباحث الاجتماعي فيصل محمد شطة إن أي فعل إنساني مرده للتنشئة الاجتماعية التي تربى في كنفها المرء، لجهة تحكمها في سلوك الإنسان الذي يمر بمرحلة التعلم في بواكير عمره التي يكون فيها الاكتساب ومن ثم التطبع بما تشبع من تنشئة واكتساب. وقال شطة إن سيطرة الإثرة وحب الأنا على المرء مرجعها إلى لنوعية المجتمع والبيئة التي ترعرع فيها، فالمجتمعات الريفية والتقليدية تسودها قيم التكافل والتعاضد واحترام الآخرين، عكس مجتمع المدينة المتسم بضعف وتضعضع قيم التعاضد والتعاون والإحساس بالآخرين جراء تباعد الوشائج بين مكوناته مما يجعلها مرتعاً خصباً لسيادة قيمة نفسي ذاتي، لجهة عدم التربية والتنشئة القائمة على مبدأ أن الزمن لا يسمح وأنجز غرضك ولو على حساب الآخرين، ولا تلق بالاً لتبعات إنجاز مهمتك على قفا انتظارهم. وختم شطة إفادته بأن المخرج من وهدة الأنا والإثرة وحب الذات لا يكون إلا بإعلاء الإحساس بقيمة الجماعة على الفرد، وأن ذلك لن يكون إلا بالرجوع إلى حضن الأسرة والاهتمام بالناشئة وإرضاعهم قيم احترام الآخرين، وعدم أخذ ما ليس لك بحق مهما صغر وزنه، رغم الفقد الجلل للمة الأسرة على مائدة الطعام التي كنت تشكل رابطاً أسرياً متين الوشيجة. الصحافة