أبرزت زيادة أسعار غاز الطبخ بنسبة حوالي 200% خللاً كبيراً في إدارة الاقتصاد السوداني مؤخرا، وهو غلبة الصفة (التجارية) وهيمنتها على حساب المسائل المالية والنقدية في الاقتصاد. بحسب ما ذكره اقتصاديون علقوا على هذه الزيادة. وقد أصدرت الحكومة أول أمس الثلاثاء قرارا بزيادة أسعار غاز الطبخ للمنازل إلى جانب وقود الطائرات وغاز الفيرنس الذي تستخدمه محطات إنتاج الكهرباء. ورفعت الأسعار الجديدة سعر أنبوبة الغاز زنة 12.5 كيلو من 25 جنيهاً إلى 75 جنيها للمستهلكين. ويبلغ استهلاك السودان الكلي من الغاز حوالي 374 ألف طن في العام 2015 بواقع ألف و65 طنا يوميا. تستهلك منه العاصمة الاتحادية الخرطوم وحدها 650 طنا في اليوم. يذكر أن العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة وهي أحد سوقين عالميين يعملان على تسعير الغاز الطبيعي، بلغت يوم الثلاثاء الماضي في بورصة نيويورك التجارية 2.173 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. حيث يراهن المضاربون على أن الطقس البارد سيزيد من الطلب على وقود التدفئة. ويعتبر موسم التدفئة من نوفمبر حتى مارس هي فترة ذروة الطلب للاستهلاك على الغاز في الولاياتالمتحدة. والمليون وحدة حرارية بريطانية تعادل 28,26 متر مكعب غاز، وذلك باعتبار أن المتر المكعب، يعادل حوالي 35 قدما مكعبا والقدم المكعب يساوي حوالي 4 كيلو. وترتبط أسعار الغاز الطبيعي المسال بشكل وثيق بأسعار النفط العالمية على أساس سعر المليون وحدة حرارية. فكل برميل نفط يحوي حوالي 5.6 مليون وحدة حرارية، فإذا كان سعر برميل النفط 110 دولارات يصبح سعر المليون وحدة حرارية للنفط حوالي 19.6 دولار. أي أن المليون وحدة حرارية تساوي حوالي 3.8 دولارات أمريكي. وأما أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا فهي اقل عند حوالي 10-12 دولارا للمليون وحدة حرارية بسبب تعدد مصادر الغاز الطبيعي، فهنالك أنابيب غاز بروم الروسية، وأنابيب الغاز الجزائرية (بنسبة بسيطة)، وهنالك مصادر الغاز الطبيعي المسال القادمة من البحار المفتوحة. أما كوريا واليابان، فالمصدر الوحيد للغاز هنالك هو ناقلات الغاز الطبيعي المسال. ويوجد نظامان لتسعير الغاز المسال وخاصة في السوق الآسيوي، الأول -وهو المهيمن على تجارة الغاز المسال- هو المرتبط بسعر النفط (Oil-Indexation). ووفقا لهذا النظام يمثل سعر الوحدة الحرارية من الغاز المسال في عقود التوريد الطويل المدى (عشرون عاما مثلا) 10% إلى 14% من سعر برميل خام برنت القياسي. وفي ظل استمرار العمل بهذا النظام يستمر ارتباط أسعار الغاز المسال بأسعار الخام في الأسواق العالمية. أما النظام الثاني فهو آلية التسعير النفطي، وهو يتصل بصورة رئيسية بنظام سوق التسليم الفوري (Spot Market) الذي يتحرك سعر الغاز المسال فيه وفقا لآليات العرض والطلب بشكل منفصل عن سعر خام النفط. وقد استقرت أسعار النفط في المعاملات الآجلة دون الأربعين دولارا للبرميل وجاءت على النحو التالي نفط عمان26.95 دولارا والنفط مربان 29.79 دولارا والعربي الخفيف 29.78 دولارا والثقيل 27.14 دولارا ونفط برنت 31.71 دولارا. وتوقع البنك الدولي أن يستمر انهيار أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عاما تصل الأسعار إلى 37 دولارا للبرميل خلال عام 2016 بأقل من توقعاته السابقة بقيمة 14 دولارا. وعزا البنك الدولي هذا التراجع إلى ضعف مستقبل الطلب على النفط الخام خلال العام الجاري وسط تباطؤ في الاقتصاديات الناشئة وتراجع معدلات النمو في الصين إلى أدنى مستوياتها منذ ربع قرن خلال عام 2015. بينما أوضح أن الارتفاع الحالي في الطلب من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال موسم الشتاء لن يؤثر على الطلب العالمي على النفط الخام، وذلك بعد أن قامت إيران بضخ المزيد من صادرات النفط الخام بعد انتهاء العقوبات المفروضة عليها بشأن برنامجها النووي. وقال الخبير الاقتصادي والمدير الأسبق لسوق الخرطوم للأوراق المالية، عصام الزين: إن أسعار السلع في الدول العربية لم تنخفض رغم انخفاض البترول ومنها السودان بسبب اهتمامها بالسياسات التجارية وإهمالها السياسات النقدية والمالية. وذكر أن هذه الإدارة "التجارية" تحرم الاقتصاد السوداني من التمتع بالمرونة والميزات التي تعمل به آلية السوق وفقا للعرض والطلب على السلع، وبالتالي عدم التمتع بأي انخفاض وهبوط في أسعار السلع العالمية حتى لو وصلت لأدنى مستوى له مثل أسعار النفط. وبين أن الضغط على استيراد السلع الإستراتيجية سيزيد في ظل عدم وجود احتياطي ضخم من العملات الأجنبية وضعف القطاع الخاص الذي عجز عن توفير سلع مهمة مثل الدقيق . مشيراً إلى الاتفاق السابق الذي عقدته الحكومة مع القطاع الخاص في القمح والأرباح الطائلة التي انهالت على القطاع الخاص بتسويقها لمنتجات مصنعة من الدقيق المدعوم واستفادتها من دعم الحكومة، خاصة أن العقود التي توقعها مع القطاع الخاص لا تتميز بالشفافية، مما يلحق ضرر كبير بالمستهلك للارتفاع المستمر للأسعار. ويقول رئيس غرفة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية مالك جعفر، إنه لا علم له بالأسعار والإجراءات الجديدة للغاز ولم يتم مناقشتها معهم. لكنه يقول "حسب علمي التحرير وفك الاحتكار كلها إجراءات تؤدي إلى هبوط الأسعار وليس رفعها. قائلا ليس هناك شفافية في المعاملات التي تتم. كما أنه إذا تم تحرير سلعة ما فيجب أن لا تقوم الحكومة بتحديد سعره بل يجب أن تترك بحرية لقوة العرض والطلب عليها. وفقا لأقوال مختصين في هذا المجال وبصورة عامة يمكن القول إن السودان قد حقق مكاسب كبيرة القدر لصالح اقتصاده نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمي وأن نفع هذا الهبوط أكبر من ضرره. إذ انخفض من 147 دولارا للبرميل إلى ما دون الأربعين دولارا ثم اليوم إلى حوالي 26 دولارا له. حيث استفاد حوالي 750 مليون دولار كانت تدفع لاستيراد المشتقات النفطية. الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي قال: إن السودان استفاد زهاء (3.5) مليارات جنيه خلال الفترة السابقة نسبة لانخفاض أسعار النفط دون ال(70) دولارا والذي ظهر بوضوح في تحسين الإيرادات وتوفير النقد الأجنبي. فيما ذكر أستاذ الاقتصاد بعدد من الجامعات السودانية بروفيسور الكندي يوسف أن السودان تأثر بانخفاض النفط إيجابا في خفض فاتورة الاستيراد وبالتالي خفض الدعم المخصص للسلع الإستراتيجية في الموازنة. ويتوقع أن تؤدي مشاريع إنتاج الغاز الجديدة في أستراليا 60 مليون طن وحوالي 65 مليون طن من الغاز الصخري المسال الأمريكي، وحوالي 20 مليون طن من الدول الأفريقية ودول شرق المتوسط وماليزيا ومشروع آكسون في غويانا الجديدة. وبذلك قد تصل الكميات الجديدة من الغاز الطبيعي المسال إلى حوالي 140 مليون طن سنوياً إذا تم الانتهاء من كل المشاريع المعلنة. وإذا ما تمت إضافة هذه الكمية إلى الإنتاج الحالي تصير طاقة الإنتاج العالمية في 2020م حوالي 380 مليون طن سنوياً، وهي زيادة عن الطاقة الحالية بحوالي 60%. ولذلك وبسبب الزيادة الكبيرة بالمعروض من الغاز المسال قد تؤدي إلى المزيد من الانخفاض في أسعار الغاز عالميا. اول النهار