المساهمة لإثراء الصراع الفكري داخل الحزب الشيوعي السوداني في إطار التحضير للمؤتمر السادس الصراع الفكري داخل الحزب هو إنعكاس للصراع الطبقي في المجتمع برغم أن الإنتماء للحزب هو انتماء طوعي نابع من الإيمان ببرنامج الحزب و فكره و خطه و بعدالة قضايا القوي التي يعبِّر عنها و الاستعداد للالتزام بدستوره الداخلي. إلا أن الرفاق ينضمون لصفوف الحزب و هم يحملون ثقافاتهم و أفكارهم التي تعبِّر عن تكويناتهم الإجتماعية و الطبقية و تنعكس تلك الثقافات المتباينة ذات الأصول الإجتماعية المتباينة بالضرورة علي مجمل قضايا الصراع الفكري حول مسار الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الإشتراكي و أيضا علي مجمل نشاط الحزب الداخلي خاصة و أن تحول البنية الفوقية لأي مجتمع (المتمثلة في الثقافة و الأخلاق و القيم ...إلخ) عكس بنيته التحتية تحتاج لزمن أطول حتي تتغير للأرقي في مسار التطور التاريخي. و ليس بالضرورة أن يؤدي أي تغير في بنية المجتمع التحتية إلي تغير ميكانيكي في بنيته الفوقية. فعلي سبيل المثال، فقد شهدت منطقة النوبة في شمال السودان منذ قيام مملكة المغرة المسيحية تحولات عديدة في علاقات الإنتاج إلا أن عملية تحولها من الثقافة المسيحية إلي الثقافة الإسلامية استغرقت ستة قرون أي ستمائة عام و لا زالت بعض مظاهر ثقافة النوبة المسيحية القديمة حتي يومنا هذا موجودة بشكل أو آخر و تؤثر كثيرا في مفاهيم و عادات و تقاليد الناس في شمال السودان. و انعكاسا لهذا التنوع في الأصول الإجتماعية و الثقافية لأعضاء الحزب يعتمل بالضرورة وفقا لذلك صراعا فكريا داخل الحزب فقد ورد في دستور الحزب أن (الصراع داخل الحزب هو انعكاس لما يجري على النطاق الوطني والعالمي. فالحزب خلال جهده لاستيعاب الواقع ومتغيراته يتعامل مع القوي السياسية والاجتماعية الأخرى، من طبقات وفئات متصارعة نتيجة لتباين مصالحها، ويعبر هذا الصراع عن نفسه في مستويات مختلفة بين أعضاء الحزب وهم يقتربون من استيعاب الواقع ومتغيراته ويناضلون لتغييره. ومن هنا قد يأتي تغليب مصالح ورؤى هذه الفئة او تلك الطبقة من الطبقات او الفئات التي يستند عليها الحزب كقاعدة اجتماعية ويدخل في ذلك تعدد القوميات والثقافات والتطور غير المتوازن للبلاد وحدة الصراع السياسي في المنعطفات والأزمات وتواتر النصر والهزيمة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والتركيب الهجين للطبقات والفئات الاجتماعية وثقل وزن تشكيلات ما قبل الرأسمالية. ولهذا فإن إدارة صراع الأفكار داخل الحزب تستهدف أرقى درجة ممكنة من وحدة وحصيلة الممارسة من أجل تطويرها لتصبح أصدق تعبير عن مهام التطور الوطني الديمقراطي واستشراف الأفق الاشتراكي)، (دستور الحزب، 2009، م. 6). و في نفس السياق فقد أكد الحزب علي أنه (غنيٌ عن القول أن هذه الصراعات داخل الحزب كان انعكاسا و نتاجا للصراع الطبقي و الإجتماعي في المجتمع المحيط به، و كانت بشكل أو بآخر و بهذا القدر أو ذاك تعبيرا عن الصراع بين الطبقة العاملة و القوي الطبقية الأخري، و خاصة البرجوازية الصغيرة الديمقراطية لاحتلال مواقع الزعامة في الحركة السياسية و الجماهيرية)، (مكتب التثقيف الحزبي، سلسلة محاضرات الكادر، محاضرة 5، 2011، ص. 4). فإنقسام 1952م مثلا، المعروف تاريخيا بانقسام عوض عبد الرازق يمثل بوضوح أبرز تجليات إنعكاس الصراع الإجتماعي و الطبقي خارج الحزب علي الصراع الفكري داخله. فقد كان لعدم قدرة مجموعة عوض عبد الرازق علي استخدام الماركسية في قراءة واقع بلادنا آنذاك و تبنيها أفكار الرأسمالية الوطنية لتحديد مسار الثورة السودانية و الإكتفاء بالنضال من خلال تيار إشتراكي داخل الأحزاب الإتحادية التي كانت تمثل الرأسمالية الوطنية في ذلك الوقت، و عدم حرصها بالتالي علي بناء الحزب وسط الطبقة العاملة، و و سعيها لحجب نشاط الحزب المستقل في حدود أفكار و تطلعات هذه الطبقة، إلا تمثيلا لأحد أشكال الصراع الطبقي داخل الحزب. و ما يعزز هذا الموقف الطبقي و انعكاسه علي الصراع الفكري داخل الحزب (أي موقف مجموعة عوض عبد الرازق) هو ما أشار إليه التقرير الذي قدمه عوض عبد الرازق نفسه إلي المؤتمر الثاني للحزب المتمثل في أن تتم دراسة الماركسية أولا من مصادرها ثم بعد ذلك يتم ترجمتها بعد استقطاب أفضل العناصر ذات النفوذ و التأثير في المجتمع و صاحبة القدرات الذهنية بدلا من تصعيد قادة العمال أمثال الشفيع أحمد الشيخ و قاسم أمين و إبراهيم زكريا (المصدر السابق ذكره). و المقصود بالعناصر ذات النفوذ و التأثير في المجتمع صاحبة القدرات الذهنية في تقرير الرجل هو البرجوازية الصغيرة و نجوم الرأسمالية الوطنية آنذاك. فالإنتماء للحزب الشيوعي إذن هو مجرد إعلان عن الإستعداد للإنخراط الطوعي في عمل الحزب و الالتزام بدستوره و الدفاع عن فكره و برنامجه و عن مصالح القوي الإجتماعية التي يعبِّر عنها. أما استمرار هذا العضو أو ذاك و صموده في صفوف الحزب و صبره علي الصراع الفكري و اختلاف وجهات النظر داخل الحزب يعتمد بالدرجة الأولي علي قدرة هذا العضو أو ذاك علي تحسين تكوينه الشيوعي و علي قدرة الحزب علي خلق بيئة داخلية تساعد العضو علي تحسين تكوينه الشيوعي. مسألة تحسين التكوين الشيوعي للعضو و للحزب معا تفهم أيضا في سياقها الفلسفي المادي الجدلي أي فلسفة إدارة الإختلاف الفكري داخل الحزب علي أساس حقيقته الطبقية الإجتماعية، أي علي أساس وحدة صراع الأضاد بين ثقافات متعددة داخل الحزب باعتباره (كما أسلفنا) جزءا لا يتجزأ عن الصراع الطبقي و الإجتماعي في بلادنا. فعلي مستوي الحزب يؤدي التراكم اليومي للصراعات الفكرية حول القضايا الاستراتيجية المتعلقة بتحديد مسار الثورة السودانية و المتعلقة أيضا بالتطوير الداخلي للحزب بالضرورة لتحولات نوعية يطور منتوجها، أو ينفي أفكارا سابقة. أما علي مستوي العضو فيؤدي انخراطه في عمل الحزب اليومي و إنجازه لمهامه و تكليفاته الحزبية و نضاله الثوري الدؤوب وسط الجماهير و معايشته للصراعات الفكرية المعقدة داخل الحزب و مساهمته الإيجابية فيها إلي مراكمة تجاربه الثورية و الفكرية التي تتحول تدريجيا لقفذات و تحولات نوعية أرقي و أعلي في صقل مقدراته الفكرية و العملية الذاتية علي تطبيق الماركسية علي واقع بلادنا و علي أهمية وحدة الحزب و وجوده المستقل وسط حركة الجماهير ليس كواجب حزبي فقط و إنما كقضية فكرية مادية جدلية بالدرجة الأولي. و لإدارة هذه القضية وفقا لهذا الفهم الديالكتيكي لجوهر الصراع الفكرى و مضمونه فقد اعتمد الحزب في سبيل تحسين التكوين الشيوعي للعضو و الحزب معا أسبقيات جوهرية تتمثل فيما يلي: 1- ظل الحزب في قضية البناء منذ نشأته يستهدف تجنيد الطلائع من جماهير شعبنا وسط العمال و المزارعين و الأطباء و الطلاب و النساء و الشباب و المعلمين ...إلخ الذين يتفقون مع برنامج الحزب و خطه السياسي في عمومياته و انخرطوا بشكل أو بآخر في مسيرة النضال وسط حركة الجماهير من خلال مختلف مستويات تنظيماتها النقابية و الديمقراطية. (أنه اتحاد طوعي بين مناضلين ثوريين تعاهدوا على إنجاز البرنامج الوطني الديمقراطي والاشتراكية بما يتناسب وخصائص الشعب السوداني ويستند الحزب في تكوينه على الطبقة العاملة ويستوعب في صفوفه الطلائع الثورية للجماهير العاملة في المصانع والحقول والمراعي ودور العلم وبين المثقفين وكل الذين يقبلون برنامجه ويناضلون لتنفيذه) (دستور الحزب، 2009، مادة. 2). 2- لم يكتفي الحزب بما جاء في النقطة أعلاه بل اشترط خضوع المتقدمين بطلبات لعضوية الحزب لفترة ترشيح لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد يتلقون خلالها تدريبا و تثقيفا و تعريفا بدستور الحزب و تاريخه و فكره و خطه السياسي و برنامجه من خلال برنامج تدريبي يتم دائما إختياره و إعداده بعناية و تركيز. و خلال فترة الترشيح يخضع المرشحين لعملية تقييم من خلال أدائهم خلال فترة الترشيح و في الغالب يتم تصعيدهم و قبولهم كأعضاء في الحزب. و هنالك أيضا من يخضعوا لفترات الترشيح و يتم رفض طلباتهم لعدم اجتيازهم لفترة الترشيح بنجاح، و البعض الآخر يتم تمديد فترات الترشيح لهم. و قد أولي الشهيد عبد الخالق محجوب في وثيقة (إصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير) فترة الترشيح اهتماما كبيرا باعتبارها مسألة فلسفية و فكرية بالدرجة الأولي، ((لهذا يجب علي فرع الحزب أن يؤدي واجبه تجاه المرشح من فترة الترشيح، كواجب يعبر عن ادراكه لمسئوليته امام جماهير وطلائع المجال، وبحيث يعود المرشح بعد أن نال العضوية أكثر فائدة وفعالية لجماهير المجال. فاذا كانت عضويته في الحزب ستعزله عن جماهير المجال، فلا فائدة منها للحزب أو الجماهير. والمرشح ايضا يدخل الحزب ومعه تجربة جديدة ومعرفة جديدة يجب ان يستفيد منها الحزب، ولهذا تقترح الوثيقة أن يكتب كل مرشح تجربته ورأيه، بأي اسلوب فصيح أو دارجي ويقدمها لمن معه في حلقة المرشحين وتوجز الوثيقة الموضوع بقولها: (فالماركسية ليست نبتا شيطانيا أو نظرية كهنوتية لاعلاقة لها بمعارف الشعب والجماهير، بل هي امتداد ثوري لمعرفة الشعب مبنية علي معارفه الثورية وكل ماهو خير ومنير من هذه المعرفة، فعندما يحس الثوريون وهم يلجون أبواب الحزب أن تجاربهم الثورية جزء من الماركسية المطبقة علي ظروف بلادنا، لاينعزلون في مسلكهم العملي عن الجماهير، بل يعملون دائما للتعلم من الجماهير وتعليمها ما اكتسبوا من معرفة ماركسية، وهذا هو طريقنا لاغناء النظرية الماركسية بتجارب شعبنا الثورية وبمعارفه السليمة التي اكتنزها عبر التاريخ)). [email protected]