قيادة الفرقة 19 مشاة مروي بالولاية الشمالية: رصدنا ثلاثة طائرات درون "استطلاع" تحلق على ارتفاعات عالية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة المفقودة في مسار الثورة الوطنية الديمقراطية و تنظيم قواها الإجتماعية (4)
نشر في الراكوبة يوم 08 - 07 - 2016

مساهمة لإثراء الصراع الفكري داخل الحزب الشيوعي السوداني في إطار التحضير للمؤتمر السادس
و مواصلة لما جاء في الحلقة السابقة فيما يتعلق بإدارة قضية الصراع الفكري وفقا للفهم الديالكتيكي (المادي الجدلي) لجوهر الصراع الفكرى و مضمونه فقد اعتمد الحزب أيضا في سبيل تحسين التكوين الشيوعي للعضو و الحزب معا أسبقيات أخري جوهرية تتمثل فيما يلي:
1- إهتم الحزب بالتثقيف و التثقيف الذاتي للأعضاء كقضية جوهرية و فكرية أيضا. فعلي مستوي العمل الداخلي للحزب يعتمد مكتب التثقيف المركزي عدة برامج و محاضرات للكادر (دستور الحزب، 2009، مادة. 22) ليتم تقديمها في المناطق و الفروع و الوحدات بجانب البرامج و الدراسات التي تبادر بها كل هيئة حزبية علي حدا. أما علي مستوي التثقيف الذاتي للأعضاء فقد جعله دستور الحزب أحد أهم واجبات العضوية. فقد جاء في المادة (11) من دستور الحزب النقاط (9، 10) أن من واجبات العضو هو أن:
 يثابر على تثقيف ذاته ورفع قدراته المهنية والعملية.
 يجتهد في استيعاب الوسائل والأدوات العلمية الحديثة و يواكب المستجدات والمتغيرات في ذلك.
و بالتالي فإن قضية التثقيف الذاتي للعضو قضية جوهرية و مركزية عدم الالتزام بها يعتبر إخلالا بواجبات العضوية.
و الحزب عندما يضع التثقيف الذاتي كأحد واجبات العضو إنما يضعه بكونه أحد القضايا الفكرية التي تسهم في تحسين التكوين الشيوعي للحزب و العضو معا.
فقد إهتم الحزب بالصراع الفكري كقضية فلسفية و ديالكتيكية تستند علي مفهوم الحركة بكونها وحدة النقيضين أو (الإستمرارية). فالصراع الفكري هو الذي يضمن استمرارية الحزب و يسهم في تطويره و تطوير قدرته علي فهم الواقع المحيط به و متغيراته. و لذلك وضع الحزب في دستوره معايير تنظم الصراع الفكري و تحدد قنواته الداخلية لضمان فعاليته و استقلاليته. و بالتالي فإن الصراع الفكري بهذا المعني هو أكثر ارتباطا بقضية اهتمام الحزب و دستوره بالتثقيف الذاتي كأحد أهم واجبات العضو. فبجانب كون التثيقيف الذاتي يطور مقدرات الحزب و العضو في فهم الواقع و تحليل متغيراته و بالتالي يضمن تطبيقا خلالقا للماركسية في واقع بلادنا، فهو أيضا يساعد علي تحسين إدارة الصراع الفكري داخل الحزب و يجعل العضو قادرا علي تبني مواقف و وجهات نظر مستقلة دون الحاجة للثرثرة و الإتفاق علي قضايا الصراع الفكري خارج القنوات و التكتلات و غيرها من الأمراض التي تضر و تهدد وحدة الحزب.
فوجهة النظر المستقلة القائمة علي جهد عملي و نظري و فكري عميق و المستندة علي ثقافة عميقة متنوعة و اطلاع يومي يقظ بمتغيرات الواقع المحيط هي التي تضمن فاعلية الصراع الفكري و موضوعيته و تسهم بالتالي في تطوير الحزب و في تحسين تكوينه الشيوعي. فكسل العضو عن التثقيف الذاتي و سيادة الثقافة السماعية و تبني آراء الآخرين بدافع الإعجاب أو الصداقة أو الاستلطاف أو العلاقات الأسرية من موقع الفقر الثقافي و الكسل و الضعف الفكري كأحد أمراض الرأسمالية الوطنية و البرجوازية الصغيرة التي تنعكس داخل الحزب هو أحد أهم الأسباب الرئيسية للضيق بالرأي الآخر و التعصب و سيادة الجمود الفكري. و تاريخ الحزب يؤكد أن الفقر الثقافي و الضعف الفكري و عدم امتلاك القدرات الذاتية لتفسير الواقع و فهم متغيرات الثورة الوطنية الديمقراطية و الضيق برأي الأغلبية و عدم إحترامه كانت هي أحد أهم الأسباب الرئيسية في كل الإنقسامات التي شهدها الحزب دون استثناء، ((وتقول الوثيقة أيضا (يسلك بعض الرفاق ازاء الجماهير مسلكا نابعا من الأصل البورجوازي الصغير فما ان يلموا ببعض أطراف الماركسية حتي ينطووا علي انفسهم وكأنهم يحملون سرا لاتقوي عليه الجماهير، وحتي يبدأوا في مصادمة كل آراء الناس وتنقية طرق حياتهم، انهم لايتكلمون الا في السياسة الخالصة كانهم وعاظ وماعدا ذلك فيعتبرونه من لغو الحديث، وتشير الوثيقة الي امثلة محددة لهذا السلوك مثل حالة بعض المزارعين في الجزيرة وكيف اصبحوا يتعالون علي أهل القرية ويتحدثون مثل الأفندية ، ومثل عناصر البورجوازية الصغيرة المنشقة عن الحزب في عام 1952م وميلها للاستشهاد بالنصوص الماركسية واعتبار كثرة النصوص دليلا علي الثورية، ونماذج التباهي بالمعرفة كأنما للمعرفة حدود ، واصدار الأحكام الشخصية والذاتية دون تروي وموضوعية، الميل للقراءة السهلة والتفكير السطحي وعدم الصبر علي مشاق التفكير العميق))، (عبد الخالق محجوب، إصلاح الخطأ، مرجع سبق ذكره).
2- اعتمد الحزب خلال مسيرته الطويلة مبدأ النضال الدؤوب وسط الجماهير كحصيلة لمجمل الصراع الفكري حول قضايا الثورة السودانية قبل الاستقلال و بعده. فقد خاض الحزب قبل الاستقلال صراعا فكريا ضد الإتجاهات البرجوازية الصغيرة و الرأسمالية الوطنية (المتمثلة في مجموعة عوض عبد الرازق) التي حاولت طمس الطبيعة الطبقية للحزب و محو هويته المستقلة كحزب طبقي يناضل من أجل الإشتراكية علي المدي البعيد و تحويله لمجرد حزب صفوي معزول عن الحركة الجماهيرية ليعمل كتيار يساري من داخل أحزاب الرأسمالية الوطنية (الأحزاب الإتحادبة) و عزله بالتالي عن الطبقة العاملة و المزارعين تحت دعاوي أن الطبقة العاملة طبقة ضعيفة لم تزل في طور التكوين و لن يكتمل تكوينها إلا بعد إنجاز برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية و أن حركة المزارعين لم تتشكل بعد كطبقة إجتماعية ذات قضايا مطلبية تجعلها قادرة علي بناء تحالف استراتيجي مع الطبقة العاملة. أما بعد الإستقلال فقد إعتمد الحزب أيضا خط النضال الصبور وسط الجماهير من أجل تعزيز الإستقلال و الديمقراطية و السلم كضمانة أساسية لتطور بلادنا نحو آفاق الثورة الوطنية الديمقراطية و رفض كل الإتجاهات البرجوازية الصغيرة التي تتعجل النتائج و الاستنتاجات السطحية و لا تثق في قدرات الجماهير و دعت بعضها للنضال المسلح كبديل للنضال الجماهيري السلمي الدؤوب كما حدث في إنقسام أغسطس 1964م أو ما عرف تاريخيا بإنقسام "القيادة الثورة" بقيادة أحمد شامي و يوسف عبد المجيد و علي عمر الذي تبني خطا فكريا ينادي بعدم إمكانية إنتصار قضية الشعب بدون الثورة المسلحة دون أن يكون لهم القدرة علي قراءة واقع الصراع الطبقي و الإجتماعي و تحولاته الثورية آنذاك و التي هزمت أفكارهم اليسارية البرجوازية الصغيرة في محك النشاط العملي بين الجماهير. فقد كانت أفكارهم تلك تمثل في جوهرها ضيقا بالنضال اليومي الصبور و تعجلا للنتائج و وقوع تحت تأثير سيادة روح اليأس و الإحباط نتيجة لعدم صبرهم علي الهجمة المنظمة التي شنتها الديكتاتورية العسكرية منذ عشية إنقلابها في 1989م لتصفية الحزب و ملاحقة الحركة الجماهيرية و إعاقة تطورها و الزج بقيادت الحزب و قيادات الحركة الجماهيرية في السجون و المعتقلات، و أيضا نتيجة لعدم تحملهم لظروف العمل السري القاسية التي كان الحزب يعمل من خلالها في تلك الظروف القاسية. فبينما كانت قيادة الإنقسام وقتها تنشط في الترويج لفكرهم الإنهزامي اليساري المتطرف كانت الحركة الجماهيرية قد استجمعت قواها و وحدت صفوفها و حققت الإضراب السياسي العام الذي أطاح بدكتاتورية عبود في اكتوبر 1964م و أثبتت بالتالي صحة قراءة الحزب الماركسية لطبيعة إنقلاب نوفمبر 1989م و واقع الصراع الطبقي و الإجتماعي آنذاك و سلامة خطه الداعي للنضال السلمي الصبور وسط الجماهير و فعالية شعار الإضراب السياسي العام كوسيلة لهزيمة الديكتاتورية العسكرية كما جاء في مجلة الشيوعي العدد 109 (عبد الخالق محجوب، ثورة شعب، 1964).
إنقسام سبتمبر 1970م و الذي مهد لتصفية أبرز قيادات الحزب عقب ردة يوليو 1971م كان أيضا تعبيرا عن أبرز تجليات تعجل النتائج و الاستنتاجات الخاطئة و العجز عن القراءة الماركسية لواقع الثورة السودانية وقتها و طبيعة الصراعات الطبقية و الإجتماعية و الضيق بالنضال الدؤوب وسط حركة الجماهير كوسيلة أساسية لإنجاز برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية (و رفض الإنقلابات العسكرية) الذي تم التأكيد عليه في وثائق "الماركسية و قضايا الثورة السودانية 1967م"، "قضايا ما بعض المؤتمر 1968م"، "حول البرنامج 1971م". و كذلك كانت تعبيرا لأبرز تجليات تطلعات البرجوازية الصغيرة الضيقة المتطلعة للسلطة و المكاسب الذاتية التي وجدت في مايو نهاية لمطاف الثورة الوطنية الديمقراطية و بديلا لتطلعات قواها الإجتماعية تحت شعار تحالف قوي الشعب العاملة و تنظيمها الفوقي الممثل في الإتحاد الإشتراكي و مطية و طريق سهل لتحقيق تطلعاتها الذاتية. فقد مثل الإتحاد الإشتراكي أحد أبرز بؤر الفساد و التسلط و تكريس حكم الفرد المطلق و إنتهي في نهاية الأمر إلي مزابل التاريخ. لقد كان انقسام سبتمبر 1970م بحق تعبيرا واضحا عن تجليات إنعكاس الصراع الطبقي و الإجتماعي داخل الحزب بين تيار متعجل داخل الحزب يسعي لتحقيق مصالحه الطبقية و تطلعاته الخاصة تحت مظلة الحزب الشيوعي و بين تيار ماركسي متمسك بالنضال الدؤوب وسط الجماهير رافضا الوصايا عليها من خلال الحزب الواحد و تكريس سلطة الفرد المطلق و تحت شعارات ديمقراطية زائفة. و برغم الثمن الذي دفعه الحزب و الخسائر التي تعرض لها نتيجة لذلك الصراع إلا أنه خرج موحدا و استطاع تجميع قواه و تجديد تماسكه بخط النضال الدؤوب الصبور وسط الجماهير بل توصل إلي أن واقع الثورة السودانية لا يستوعبه حزبا واحدا و لا يمكن لآفاق الثورة الوطنية الديمقراطية أن تنمو و تتفتح إلا من خلال الديمقراطية و من خلال توحيد كافة قوي المعارضة في جبهة عريضة لإنقاذ الوطن و هو ما عبرت عنه بوضوح لا يحتمل أدني درجة من درجات الغموض وثيقة "الديمقراطية مفتاح الحل جبهة عريضة للديمقراطية و إنقاذ الوطن 1977م" و ما أكدت عليه أيضا بشكل أكثر وضوحا "دورة اللجنة المركزية في ديسمبر 1978م".
إنقسام مايو 1994م أيضا كان يعبِّر عن تيار ضاق بعملية النضال الدؤوب طويل الأجل و استسلم لحملات الملاحقة و التصفية و التعذيب و التشريد و المحاصرة و العزلة السياسية التي فرضتها سلطة يونيو 1989م الديكتاتورية المتأسلمة علي الحزب و علي الحركة الجماهيرية و قوي الثورة الوطنية الديمقراطية عموما تحت شعارات المشروع الحضاري الزائفة الهادفة إلي تصوير الحزب الشيوعي كحزب معادي للدين و تقاليد المجتمع. و قد ساعد علي نمو هذا التيار إنهيار المنظومة الإشتراكية في أوروبا و المتغيرات التي صاحبت ذلك و فرضت توازن جديد للقوي الدولية لصالح الإمبريالية العالمية و تراجع حركة الطبقة العاملة و القوي االاشتراكية عموما و سيادة الرأسمالية المعولمة المرتبطة بالنموذج اللبرالي الجديد تحت قيادة القطب الواحد، و علي المستوي الآيديولوجي سيادة أطروحة نهاية التاريخ لفوكياما و نظرية صدام الحضارات لصمويل هنتنغتون و اللذان سرعان ما خَبَي بريقمها. لقد جعلت كل هذه الظروف هذا التيار يعتقد خاطئا بأن لا ثمة طريق لمواجهة هذه العزلة السياسية و الإنحسار في تأثير الحزب السياسي و الجماهيري غير التنازل عن خطه الماركسي و التحول لحزب برنامج أو حزب لبرالي يتوجه للجماهير بشعارات ديمقراطية لبرالية وسطية كشرط لقبوله جماهيريا و اعتقد سازجا بأنه و بمجرد إعلان هذا الحزب اللبرالي ستنهال عليه طلبات العضوية و تتضافر صوبه حشود الجماهير المؤيدة و الدليل علي ذلك أن حركة القوي الديمقراطية (حق) التي أعلن عنها الراحل الخاتم عدلان في مؤتمر صحفي بلندن أمام الملأ (مع كل الإحترام و التقدير لتنظيم حق و مواقفه الوطنية ضد سلطة يونيو الديكتاتورية و اصطفافه مع قوي المعارضة الداعية لإسقاط النظام حاليا) ظلت حتي تاريخ اليوم حركة محدودة وسط المثقفين و الديمقراطيين و بعض الذين تركوا الحزب الشيوعي و ظل الأخير راسخا متواجدا وسط الجماهير له تأثيره القوي الملحوظ علي حركة الجماهير و تتسع قاعدته يوما بعد يوم في خضم الصراع الإجتماعي و النضال اليومي و مواقفه الثابتة من قضايا الجماهير.
هذا الصراع الفكري داخل الحزب كما أسلفنا بين التيارات التي تسعي بوعي أو بدون وعي إلي مسح استقلالية الحزب و عزله و حرفه عن خطه الماركسي، و بين التيار المتمسك بالماركسية كمرشد للنضال الثوري و أساس فلسفي و جدلي لقراءة واقع الثورة السودانية المتسم بالصبر و التمسك بخط النضال الدؤوب طويل الأجل وسط الجماهير سيظل مستمرا. و كلما يتم حسم الصراع وفق آليات الحزب المجربة كلما ظهرت مجددا في مراحل لاحقة من تطور الحزب تلك التيارات و ذلك الصراع. و هذا ليس عيبا أو ضعفا أو قصورا في عمل الحزب و لكنه متلازمة ضرورية كما أسلفنا و سمة من سمات الحزب الثوري مستحيلة التعضي عنه تفرضها سيرورة الصراع الإجتماعي و الطبقي و تباين أنماط علاقاته الإنتاجية و كياناته الثقافية و العرقية داخل المجتمع السوداني. فالحزب الشيوعي ليس حزبا هلاميا يسبح في فضاء معزول عن كل ذلك و إنما هو جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوداني يتأثر به و يؤثر عليه.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.