على سدة ولاية ساخنة، ومحتشدة بالأحداث الجسام، يجلس والي جنوب كردفان، اللواء أمن د. عيسى أبكر، بخبراته الأمنية العراض، ولكن من دون أن يسلم هو ولا حكومته من أصوات الناقدين. وبوقتٍ ينظر فيه البعض لنجاح ولو نسبي حققته حكومة الولاية في عدد من المحاور، لا يرى آخرون لحكومة جنوب كردفان وجهًا حسناً، ولا يرونها إلا بعين السخط، التي هي عن كل عيب كليلة. ولعلّ ما عصم الرجل من أصوات الانتقادات التي تتصاعد بحق عدد من الولاة هو كون ولايته ذات ظروف خاصة (من ولايات الشدة)، بجانب ولايات دارفور والنيل الأزرق، وهي ولايات عانت وتعاني من الاضطراب الأمني ما يعني أن شاغلي المناصب الدستورية تقاضون أجوراً أعلى من رصفائهم الدستوريين. انتقاد لاذع آخر حمم الانتقادات المصوبة لحكومة الولاية هو ما جهر به تحت قبة المجلس الوطني، النائب البرلمانى المستقل، بكري عبد الله سلمة الذي طالب بإقالة الوالي اللواء عيسى آدم ابكر وأعضاء حكومته بأعجل ما تيسر، مبرراً مطالبته بتجنيب الولاية انفجاراً محتملاً جراء سياسات الوالي. ولإبانة المطالبة يذهب سلمة للقول إن حادثة حرق مصنع مخلفات التعدين التقليدي بتلودي الشهر الماضي كانت نتيجة لما وصفه بالسياسات التخبطية لوالي الولاية ومحاولة فرضها بالقوة الجبرية على المواطن، لافتاً إلى أن المواطنين ظلوا رافضين بشدة إقامة مصانع استخلاص الذهب بمادة السيانيد السامة، ولكن الوالي وحكومته تجاهلوا مطالب الأهالي وطبقوا خططهم المستندة إلى سياسة الأمر الواقع، منبهاً إلى أن إصرار الوالي على تنفيذ سياساته بالقوة سيؤدي إلى انفجار بالولاية خاصة وأن الجميع يمتلك السلاح ويعرف استخدامه، متهماً الوالي بالتفرد بالقرارات وتعطيل الحكم المحلي، والحد من دور المجلس التشريعي الذي يمتلك المؤتمر الوطني الأغلبية الميكانيكية في أروقته، مؤكدًا أن الوالي وأعضاء حكومته، لم يعودوا محل ثقة لمواطني جنوب كردفان، مستدلاً بحوادث الليري التي رفض أهلها استقبال الوالي وحصبوه بالحجارة رفضًا لمصنع سيانيد بجانب حرق مصنعي كلوقي وتلودي لمخلفات التعدين التقليدي، بالإضافة إلى احتجاجات نشبت بالدلنج وترفض بيع أراض حكومية. أداء جيد قبل ما يربو على العشرة أيام عانت الولاية جروحاً غائرة جراء هجمات متفلتين ومتمردين على مجموعات من الرعاة بعدد من المناطق، وخلفت تلك الهجمات عدداً من الضحايا، وعقب ذلك واجهت حكومة الولاية وعلى رأسها واليها هجوماً من عدد من القطاعات تشير إلى تقصيرهم في حماية المدنيين العزل، ورفعت بوجه الوالي وقتذاك ذات المطالبات التي قال بها النائب المستقل. بيد أن معتمد محلية كادقلي أشار حينذاك إلى أن الوالي وحكومته ما قصروا في شيء، معتبرا أن الهجوم الموجه صوبهم يفتقر للمنطقية والموضوعية، وقال فيما قال، إن أداء الوالي وحكومته جيد بلا شك. اختراق مهم يقول رئيس الحزب الاتحادي بجنوب كردفان، بدر الدين أحمد، إن أداء حكومة الولاية في منصرم الأيام لم تشبه شائبة من تقصير، معتبراً أن الوالي حقق نجاحاً نسبياً واختراقاً في قطاع الخدمات، وقلل من الدعوة التي قالت بإقالته، واصفا إياها بغير الموضوعية، وقطع بأن المنجز خلال تولي الرجل منصب الوالي ليس يسيراً، مضيفاً أنه ليس من الإنصاف في شيء التقليل من جهد أحد، وموضحاً أن ملف الخدمات كان أحد الأسباب التي عانت منها الولاية كثيراً في فترات سابقة، غير أن حكومة الولاية الحالية بكافة أطقمها بذلت جهوداً وصفها بالمقدرة مما مكنها من إحداث اختراقات قال إنها في مصلحة المواطن. متاريس في كثير من الولايات يشتكي الولاة من تقاطعات الحرس القديم ومحاولاتهم تكسير المجاديف سواء من هم بينهم أو قيادات أبناء الولاية بالمركز، غير أن د. عيسى ووفق مراقب لصيق بمجتمع الولاية قال إن الوالي استطاع جمع القوى السياسية لعمل سلام من الداخل مؤكداً أن الحكومة هناك تعمل بتناغم وانسجام تام في كل القضايا الوطنية، وأنهم متفقون على الحد الأدنى الوطني الذي يقود الولاية إلى الأمام، وقال: (هذه التجربة قديمة لكن الرجل أعطاها قوة دفع إلى الأمام). بيد أن المراقب قال إنه يرى أن اداء بعض وزراء حكومة جنوب كردفان "لم يسمهم" لا يتوافق وطموح الوالي معتبراً أن ذلك يتطلب منه الدفع بالوزارات والضغط عليها حتى يكون أداؤها متكاملاً مع باقي الوزارات بحكم تخصصه في الأمن والتخطيط الاستراتيجي، لافتًا إلى أنه لا بد للمركز من إعانة الوالي، معتقداً أن بعض أبناء الولاية بالمركز لهم دور في تغيير الولاة كونهم يشكلون مراكز ضغط على متخذي القرار، مشيرًا إلى أن د. عيسى تمكن من تجاوز مطبات الدولة العميقة والحرس القديم. ويتراوح أداء الوزراء ومعتمدي حكومة الجنرال بين الإجادة والإخفاق حيث ترتفع وتيرة الأداء والإنجازات عند بعضهم في حين أنها تنعدم أو تكاد عند البعض، وقد استطاع بعض المعتمدين إحداث حراك مجتمعي وتنموي في محلياتهم على غرار معتمدي محليات العباسية والرشاد والتضامن وكادقلي والقوز، في وقت يأخذ البعض على الوالي كثرة الإعفاءات والتعيينات في طاقمه العامل مما يرهق خزينة الولاية، وينادي بعض المراقبين بالشورى حتى لا تتكرر بعض الإشكاليات مثل قضية شركة التعدين بالليري. محصلة القول في شأن القضية أنها خاضعة للتقديرات، ففي وقت يرى فيه البعض أن والي جنوب كردفان لم ينجز شيئاً ذا بال، يلتمس له آخرون العذر وذلك لطبيعة الولاية المتقدة بالأحداث وليس أقلها قضية سيطرة التمرد على بعض أجزائها مما يجعل ارتفاع الحس الأمني طاغياً تحسباً لأي حدث لا يحمد عقباه. تقييم إداري لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل كان والي جنوب كردفان ناجحاً أم فشل لحد المطالبة بإقالته من منصبه. قادنا التقييم إلى طاولة المحلل الاقتصادي والسياسي د. هيثم محمد فتحي الذي قال، تعتبر عملية تحديد واختيار عناصر قياس الأداء عملية مهمة للغاية لأن الاختيار القائم على دراسة غير علمية سوف يؤدي إلى نتائج غير دقيقة، وهناك الطرق المبنية على نتائج العمل، وذلك من خلال مقارنة أداء المسؤول مع الأهداف المرجو تحقيقها من العمل، مشيراً إلى أن الجميع في حاجة للعيش في كنف الأمن والاستقرار، ومن ثم يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله، وقال إن إعادة الأمن للولاية في أقرب وقت ممكن هي الطريق الرئيسي لتحريك الاقتصاد والسياحة والتنمية، معتبرا أنه المظلة التي يمكن من خلالها تحقيق التطور والازدهار والوصول إلى النمو والارتقاء في جميع المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، ففي وجود الأمن والأمان تتفرغ الشعوب إلى العلم والتعلم وإلى العمل والإنتاج. الصيحة