ميدل ايست أونلاين بقلم: د. عبدالرازق مختار محمود كتب الله لي قبل سنوات قليلة زيارة السودان، والذهاب لبعض مؤسساتها العلمية، وزيارة بعض مدنها، والتجوال في شوارعها عدة أيام. خرجت من هذه الزيارة وكلي قناعة أن واو العطف بين مصر والسودان هي واو دخيلة زرعها المستعمر بيننا، وللأسف الشديد نحن وبأيدينا صدقنا وعضدنا على ما وضع المستعمر. عن طيبة أهل السودان وحبهم للمصريين حدث ولا حرج، ومن جملة ما سمعت أثناء زيارتي أحد الزهاد يروي حكاية عن فخره بأنه تعلم في مصر، وتربى على أيدي شيوخها، هذا الزاهد كان له جمهور عريض يحبه ويكبره ويجله كما يفعل عتاة الصوفية مع من يعشقون، يقول الزاهد: حضر مصري يوما للمْسِيدْ - والمْسِيدْ هو اسم يطلق على المدارس التي تدرس طريقة الشيخ وهي مثل المدارس الإسلامية التي كان ينشأها ملوك وسلاطين المماليك في مصر وهي أشبه بساحات الصوفية- فقام الشيخ السوداني للمصري مرحبا وهش له وبش وأجلسه بجواره، فتعجب أحد الحضور من جنسية عربية ثالثة، وسأل الشيخ متعجبا أو مستنكرا، لما تفعل ذلك مع المصري؟ فرد الشيخ: "من حبه سيده جابله سيده في مْسِيدْه" ومعناها من أحبه الله أتى له بسيده المصري إلى ساحة تعليمه، وهي عبارة مختصرة، ولكنها كاشفة لمدى تقدير ومحبة كل السودانيين لكل المصريين، فالمصري في السودان وفق اتفاقية الحريات الأربعة له أربعة حريات أو قل حقوق وهي: حرية التملك والتنقل والسكن والدخول إلى السودان بدون تأشيرة. أما تطبيق هذه الاتفاقية في مصر فما زالت تقف في طريقها بعض العقبات. السودان امتداد طبيعي لمصر ليس الامتداد في الجغرافيا فقط، ولكن امتداد في التاريخ والحضارة والمصير، وما ضعفت قوانا في أفريقيا إلا لأننا أهملنا بوابة الولوج إليها وهي السودان. السودان كنز العرب ففيها أبدية العطاء فالبترول سوف ينضب يوما ما، وكذلك جل الثورات، أما السودان فثرواتها باقية ما دام هناك سودان. وأخيرا لا ينبغي أن نترك علاقتنا بالسودان رهن تصريح مرفوض ومدان هنا أو هناك، ولا ينبغي أن تترك العلاقة رهنا للمحبة والكراهية لأفراد مهما كانوا، فضلا عن تركها لهذه الثلة الفاسدة من الاعلاميين، فالمحافظة على السودان وقوتها، وتصحيح المسار معها وبها، هو قوة لمصر، ومن بعدهما قوة لكل الأمة. د. عبدالرازق مختار محمود أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية جامعة أسيوط [email protected] http://arid.my/0001-2264