رواية حسين ياسين تتناول قصة المتطوعين العرب الفلسطينيين في الحرب الإسبانية بين أعوام 36 - 1939. ميدل ايست أونلاين خسر العرب حليفهم اليساري عمّان صدر للروائي حسين ياسين رواية جديدة، بعنوان "علي". وهي الثالثة، بعد "مصابيح الدجى" و"ضحى"، في مشروعه الثقافي "مسلسل الفقد الفلسطيني". صدرت الرواية عن دار الرعاة للنشر والدراسات في رام الله وعمان. وهي تقع في 320 صفحة من الحجم المتوسط. يتصدر الرواية، على الغلاف لوحة "نغم حزين" للفنان الفلسطيني القدير سليمان منصور. تحكي الرواية قصة المتطوعين العرب الفلسطينيين في الحرب الإسبانية بين أعوام 36 - 1939. أبطال الرواية هم رجالٌ مستقيمون غيبهم التاريخ فضاعوا في متاهات الإهمال وعلى شواطئ النسيان. بلغ عدد الأجانب المتطوعين في الحرب الأهلية الاسبانية حوالي 40 ألف متطوع أجنبي، جاءوا إلى إسبانيا من أكثر من 56 دولة وقومية، لهذا سمّوهم بالمتطوعين الأممين الذين حاربوا ضمن "الألوية الأممية"، وكان منهم خمسة فلسطينيين عرب وسبعة فلسطينيين أرمن وسوري واحد وآخر لبناني وعراقي واحد وعدد كبير من بلاد المغرب العربي. مثلت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة النضال العالمي الأوسع والأشد توهجا بين اليمين العالمي الرجعي (موسليني الفاشي، هتلر النازي وفرانكو الدكتاتور...) ونقيضه اليسار العالمي التقدمي (شيوعيون، تروتسكيون، فوضويون، اشتراكيون، جمهوريون، لبراليون، أحرار...). أما دول "الديمقراطيات" (فرنسا، بريطانيا، أميركا...) فقد التزمت سياسة "الحياد" لكنها باعت سلاحًا وعتادًا عسكريا وسهلت عبوره إلى جماعة فرانكو وفي نفس الوقت قامت بعرقلة وصول المساعدات القادمة من السوفييت والمكسيك إلى "الجمهوريين". شكلت الحرب الإسبانية بالنسبة لهتلر وموسليني نقطة محورية وهي "وقف التمدد اليساري" في أوروبا ومنحتهم فرصة جيدة ل "مناورة عسكرية" اختبروا فيها سلاحهم الحديث وقدرتهم القتالية، أسفرت الحرب عن هزيمة اليسار وانتصار اليمين العالمي فكانت من الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية. كتبت شعوب العالم وبلغاتها المختلفة عن تلك الحرب فقدسوا ذكرى من ماتوا وعظموا نضال أبطالهم. وثقت هذه المقالات الترجيديا الإسبانية، أما العرب فقد غابوا كعادتهم عن أحداث هذا التاريخ مما شوه صورة العربي عند اليسار الأوروبي، فبدا وكأنه حليف لليمين العالمي وعدو لليسار. وسم العرب بالوحشية والهمجية وذلك بسبب مشاركة المغاربة الكثيفة في صفوف فرانكو، وبهذا خسر العرب حليفهم اليساري وأيدوا "الحاج" فرانكو فوسموا أيضًا بالرجعية حليفة الدكتاتورية. علي، بطل الرواية ابن قرية "الجيب" الفلسطينية التي تقع بين رام اللهوالقدس، كان أحد المتطوعين الأجانب في الألوية الأممية. وُلِدَ يتيما من الأب الذي قتل على يد "تحصيل دار" التركي على البيدر. وتزوجت أمه خارج القرية من "غريب" وهو لا يزال في "اللفة"، حيث تخلت عن حضانته وهجرت البلد إلى الأبد. ضاقت به أرجاء قريته "باب الثنايا - الجيب" فهجرها إلى القدس. يومها كانت القدس تغلي بثورة الغضب وتفور بالنضال الوطني. على درج "باب العمود" مد المحتل النقع وفي "طريق الآلام" أعاد فصول الجريمة. القدس أسطورة خيال وحكاية مروية على كل لسان يجتمع فيها الهم والغم والعزم والشمم، تعاقب عليها الغزاة والقضاة والزناة والأنبياء. القدس هي مآذن شاهقة وقباب كبيرة ونواقيس تدق كلها لتروي عتاقة التاريخ وتمنح المدينة سحرا مبهما يختصر المعاني ويؤرخها. في القدس حكمة أصيلة وأساطير بالغة الطرافة، سريعة التدحرج في الانتقال والصقل والتأصيل سرعان ما تتحول إلى ملاحم شعبية وحكايات شيقة. القدس أحيانا تبتسم لكنها في الغالب عبوسة، وتجللها في ذات الوقت هيبة عظيمة بحكاياتها وتاريخها، تاريخ يعرفه الجميع ويختلف عليه الجميع فتتقهقر فيها رواية الظالم أمام رواية المقهور. حكاياتها خرافة مثيرة للخيال يغلب عليها الحزن والجمال واللامعقول. هي القدس الحالمة يتأصل فيها "الحزن والجمال واللامعقول". انضم علي في شبابه الباكر إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني وتدرج في المراكز الحزبية حتى أصبح عضوًا في اللجنة المركزية. درس في المدرسة الحزبية في موسكو. سجن مرات عديدة فقد كان يعتبر نفسه "سجين رأي" لذلك أعلن إضرابا عن الطعام ورفض لباس السجين العادي. يقول: "ينتصر السجان إذا هزم السجين"، حُشر في زنزانة وهو عار كان ذلك في فصل الشتاء، على مصطبة سجن عكا، تذوق قسوة البرد وألم الجوع ومذلة السجن يستعرض، في مخيلة مضببة وجسم واهن سقيم: محنة الوطن وجنازة، لعلها خرجت من هذه الزنزانة اللعينة للمناضلين "الثلاثة" وفاجعة شيخ "معمم" يقود جماعة بررة تحصنوا في ذرى الجبال. في أحد أيام الإضراب دخل عليه مدير السجن، فهاله ما رأى. رأى تمثالا من مرمر أزرق يتوشح بالعزم والإصرار، قال له: كم تنتظر الموت يا علي؟ أجابه، من بين أسنان ترتعد وشفاه ترتجف: "أنا لا أنتظر الموت، بل أنتظر الحرية لي ولشعبي". استمر إضرابه تسعة عشر يوما. في النهاية انتصر وحقق كل مطالبه السياسية.. لقيته، أول مرة في مقالة مترجمة للمؤرخ الألماني غرهرد هارب، عميد كلية التاريخ في جامعة لايبتسك: "علي عبدالخالق، فلسطيني تطوع مع زميله فوزي صبري النابلسي، للدفاع عن الجمهورية الإسبانية. كلاهما سقطا في الجبهة ودفنا في الأرض الإسبانية".... على مدى خمس سنوات طارده الروائي حسين ياسين في كتب الأدب والتاريخ العربي، وتقصى أخباره عند كبار السن والمثقفين وقدامى الحزب، وبحث عنه في الأرشيف الحزبي... وعلى لسانه سؤال واحد: "هل سمعتم عن عرب فلسطينيين تطوعوا لمحاربة الفاشية في إسبانيا بين سنوات 39-1936؟ لا شيء! بعد ثلاث سنوات ظهر في السيرة الذاتية لرفيقه في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، وزميله في الحرب الإسبانية، نجاتي صدقي: "علي عبدالخالق عامل زراعي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني. تطوع للحرب الإسبانية، سقط ودفن هناك". في العام الماضي صدرت مذكرات محمود المغربي وهو رفيقه في اللجنة المركزية: "علي الجييباوي شيوعي، مشاغب، تطوع للحرب الإسبانية، سقط ودفن هناك"! وفي مكان آخر وجد "علي التيوني: نقابي مهم، قائد سياسي، ومحارب شجاع". وفي صحيفة الحزب، من شهر مايو/أيار عام 1938 نعي ل "الرفيق علي المقدسي"... كانوا خمسة! خمسة رجال، أحلامهم كبيرة وأمانيهم عظيمة وطموحات سقفها سماء. حلموا بعالم حر سعيد وغد مشرق عادل. عالم ليس فيه استغلال، يتساوى فيه القوي والضعيف، الغني مع الفقير والمرأة مع الرجل. خمس زنابق فواحة باسقة اشرأبت من ضفاف سواقي الوهن والضياع وانكماش الوطن. منذ أن أدركهم الوعي حملوا محنة الوطن من تعب ومن جوع ومن آلام التمزق. حملوا بنادقهم واحترفوا الثورة. مطاردين مشردين من بيوتهم، من المحراث والحقل ومن أحضان خلانهم. تحصنوا في ذرى الجبال... على باب الردى يقفون، منتصبي القامة يقفون. إن شاهدتهم! أبصرت حزمًا أبكم يتعمم بكوفية فلسطينية يلزمها عقال أسود مجدول. فوق الكتف بندقية وفي الوسط حزام الطلقات. خمسة رجال، اقسموا أن "دوام الحال من المحال". دخلوا وخرجوا من السجن أكثر مما دخلوا بيوتهم أو خرجوا منها... سجان متجبر و"فأر وبق وعنكبوت"، الكل يشاركك في المأكل والملبس والفراش. غنوا للسجن، فلعل السجان، يسمع "يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما/ ليس بعد الليل إلا نور مجد يتسامى". في كل مرة يخرجون من السجن يصبحون أشد مراسا وأكثر قناعة بعدالة القضية وأقوى التصاقا بالعقيدة. خمسة "عصاة" بررة من أبناء الشعب الفلسطيني الثائر. مقاتلون من أجل سلامة البيت وعدم تمزقه من قبل صيارفة جاءوا من الغرب البعيد، ليتناوبوا مصير البلاد... خمسة من خيرة أبناء الإنسانية المناضلة. قادتهم مبادئهم إلى ساحة الشرف، إلى اسبانيا المناضلة. خرجوا من سجون سيئة السمعة. من: "عكا" و"القشلة" والمسكوبية"... ذهبوا بحماس الثوار وصهيل الأبطال وتسلقوا جبال "البرنيه" المثلجة. عبروا الحدود الفرنسية تحت جنح الظلام. هبطوا إلى قرى اسبانيا، حيث "الأمان" وحيث ساحة الحرب وحيث الرفاق يقاتلون الفاشية في صفوف الكتيبة "الأممية". "إنني متطوع عربي جئت لأدافع عن الحرية في مدريد.. وعن دمشق في وادي الحجارة.. وعن القدس في قرطبة.. وعن بغداد في طليطلة.. وعن القاهرة في قادس.. وعن تطوان في بورغوس..جئنا إلى هنا كي نحسّن شروط حياتنا. حياة جميع البشرية. لنحارب الفاشية وننتصرعليها. لأن الفاشية عدوة الشعوب، تمنع منها السلام والسعادة والهدوء. بعد أن ننتصر، وسننتصر، نعود إلى الوطن. هناك العدو الأجنبي".