الآن إذا عادت عقارب الساعة إلى الوراء.. إلى أمسية أول أمس الثلاثاء.. موعد كتابة تحليلي السياسي الذي نشر هنا بالأمس.. لما غيرت حرفا واحدا مما كتبته يومها.. كنت قد توقعت يومها أن أمرا ذا بال لن يحدث يوم الثاني عشر من يوليو.. لجهة صدور قرار حاسم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. إما برفع نهائي للعقوبات كما كان ينتظر المتفائلون.. أو إعادة فرض العقوبات كما كان ينتظر المتشائمون.. أو قرار بتمديد فترة الاختبار لفترة أخرى بحيثيات واضحة.. الذي حدث لم يكن ليشبه إلا ترامب بكل الإثارة والغموض اللذين يحيطان به.. ترامب لم يفعل شيئا غير أن يسحب التاريخ الذي حمله قرار الرئيس السابق أوباما.. 12 يوليو 2017 ليحل محله تاريخ جديد حدده هو.. 12 أكتوبر 2017.. ومن عنده غير هذا فليدفع به..! ثم إنني قلت بالأمس ما نصه.. (ونعود عن هذا الاستطراد ونقف عند الجدال الذي يدور حتى اليوم في واشنطن نفسها بين مؤيد ومعارض لإكمال خطوات رفع العقوبات الاقتصادية بشكل نهائي.. وحدة هذا الجدل نفسه والمتمثل في تعدد حجج وحيثيات كل طرف.. يجعل من الراجح أن يتحول هذا اليوم الثاني عشر من يوليو.. من يوم يصدر فيه قرار نهائي.. إلى يوم يبتدر فيه التداول داخل المؤسسات الأمريكية نفسها حول الأمر).. وهذا يكاد يعبر بشكل حرفي عما حدث ويحدث في واشنطن.. وبالفعل وكما توقعنا فمنذ الأمس بالفعل بدأ نقاش من نوع آخر.. داخل المؤسسات.. فتكاد كل المؤسسات الأمريكية ذات الصلة بالأمر تمضي في اتجاه اعتبار السودان متعاونا.. وبالتالي فهو يستحق إكمال خطوات الرفع النهائي للعقوبات.. غير أن الرئاسة وحدها هي التي لم تكن جاهزة.. ولست من أنصار وجود تأثيرات خارجية.. بل في ظني هي إن وجدت فتأتي في المرحلة الثانية.. أما في المرتبة الأولى.. فيأتي ما اعتبرته مؤسسة الرئاسة الأمريكية أمرا غير ذي أولوية.. فالرئيس الأمريكي لم يهتم بتعيين مبعوث خاص للسودان.. كما ظل الرؤساء السابقون يفعلون.. بل إن الإدارات ذات الصلة بالشأن السوداني لم يكلف فيها من يتابع أمرا.. لذا كان طبيعيا أن يحل هذا التاريخ وليس أمام الإدارة الأمريكية رؤية واضحة لما ينبغي أن تفعل.. فكان الخيار ألا تفعل شيئا.. وتنقل كل شيء إلى تاريخ جديد.. بذات الحيثيات القديمة..! غير أن الحدث الأكبر قد جاء من الخرطوم.. ربما كان متوقعا لدى البعض.. ومفاجأة للكثيرين.. وهو قرار رئيس الجمهورية بتعليق كافة أشكال التواصل مع الولاياتالمتحدة حتى الثاني عشر من أكتوبر القادم.. ولعل هذا ما يفسر بعض ما ذهبنا إليه من أن هذه المهلة تخص الإدارة الأمريكية للنظر في ترتيباتها ولا تعني السودان في شيء.. فقرار الرئيس يبدو وكأنه يريد أن يقول ليس لدى السودان ما يقدمه أكثر مما قدم.. مع التعبير بالضرورة عن غضب واضح من الموقف الأمريكي..! فقد أوقف القرار (عمل لجنة المفاوضات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بالكامل لمدة ثلاثة أشهر. وأكدت مصادر مطلعة أن توجيهات صدرت لكل الجهات الأمنية والسياسية السودانية بوقف كل أشكال التعاون مع واشنطن في ما يتعلق بملفات الإرهاب والهجرة غير الشرعية ومحاربة جيش الرب في يوغندا وكل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بنشاطات الحركات المتطرفة في أفريقيا والشرق الأوسط)..! ولئن كان القرار قد ربط كل ذلك بسقف الثاني عشر من أكتوبر.. فثمة أفكار أخرى أشد خطورة تراود المراجع العليا للدولة.. نتوقف عندها غدا.. مع إماطة اللثام عن سبب تعجل صدور القرار الجمهوري. اليوم التالي
