مطلع يونيو الماضي دار جدل كثيف.. بين مجموعة محدودة حول ما يمكن أن تفضي إليه مهلة الأشهر الستة الأمريكية.. هل ترفع العقوبات أم تستمر.. قال الشاهد.. كانت جلسة عفوية غير رسمية.. تضم كذلك رسميين وغير رسميين.. ولكن.. كان الرئيس في قلبها.. ويمضي الشاهد مضيفا.. أن الرئيس الذي كان حاضرا.. كان أقرب للصمت منه إلى الحديث.. ولكنه أنهى الجلسة بالعبارة التالية: (على كل حال سواء كان أمريكا رفعت العقوبات أو لم ترفعها فأكيد السودان بعد 12 يوليو لن يكون كما كان قبل 12 يوليو) وغادر ليتجدد الجدل أشد كثافة.. ولكن حول عبارة الرئيس.. لا حول الموضوع الأساسي.. أو بالأحرى.. فقد كانت عبارة الرئيس قد نقلت بؤرة التركيز لدى تلك المجموعة المحدودة من الاهتمام بمصير العقوبات.. إلى الاهتمام برد فعل السودان.. أيا كان ذلك المصير..! هل أعاد قرار الرئيس بتعليق عمل لجنة التفاوض مع الولاياتالمتحدة ذات ذلك السيناريو الذي تم في محيط محدود؟.. ولكن في محيط واسع..؟ ربما.. صديق قريب من الأحداث.. مبنى ومعنى.. بعث لي بالرسالة الموجزة التالية تعليقا على تحليل سابق: (تحليل ممتاز، وقراءة ناضجة للحدث، وليت الخرطوم تركت وقتا ليحاسب الناس إدارة ترامب على ارتباكها وتراخيها وتقصيرها وتأخرها في التداول حول تفاصيل الأمر قبل موعد إقراره، لا أن تسعفها الخرطوم بقرار يحول أنظار العالم إليها، لا إلى واشنطن).. ولكن ربما هذا المراقب وغيره كثر.. لم يسمعوا عبارة الرئيس التي صدرنا بها تحليلنا اليوم.. وهي أن الخرطوم بعد الثاني عشر من يوليو لن تكون كحالها قبل ذلك التاريخ.. لذا قلنا بالأمس.. ثمة تفكير آخر.. أكثر حدة.. يسود لدى المراجع العليا في الدولة.. بمعنى آخر؛ إن القرار الذي اكتفى فقط بتعليق المفاوضات قد جاء في الواقع.. مخففا جدا.. وموازيا للقرار الأمريكي الذي اكتفي هو الآخر بتمديد أجل صدور القرار.. لا غير..! قرار تعليق المفاوضات قال أمرا واحدا مهما.. إن السودان لم يعد لديه ما يفعله.. فها هو تقرير الخارجية الأمريكية نفسها يقول (إن الإدارة تعترف بأن السودان أحرز تقدما كبيرا في هذه المجالات على مدى الأشهر الستة الماضية، ولكن بالنظر إلى أن الإدارة الجديدة جاءت في يناير ولا زالت تنظر في ما تم وما يمكن القيام به، قررت الإدارة أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لمراجعة الإجراءات التي قام بها السودان وإثبات أن الحكومة قد أظهرت إجراءات إيجابية في جميع المجالات المنصوص عليها في الأمر التنفيذي. ونتيجة لذلك، أصدر الرئيس بالأمس أمرا تنفيذيا جديدا مدد فيه فترة المراجعة لمدة ثلاثة أشهر. وإذا ما تم تقييم حكومة السودان في نهاية فترة المراجعة باستمرارها في هذه الإجراءات الإيجابية التي أشرنا إليها، فإن الولاياتالمتحدة سوف تلغي العقوبات..).. إذن.. أراد الرئيس بقراره (السريع) أن يقول إن (مهلة أكتوبر) تخص واشنطن لا الخرطوم.. وهو حين يكتفي بذلك.. إنما يعطي هو الآخر مهلة للإدارة الأمريكية.. ليرى ما لديها.. قبل أن يمضي لآخر الشوط.. وعبارة (استمرار حكومة السودان في إجراءاتها الإيجابية) الوارد في ختام إفادة الخارجية أعلاه.. تعود عبارة مفتاحية تطرح سؤالا مهما: من الذي حدد مهلة أكتوبر.. هل هو البشير أم ترامب..؟! نعود غدا للإجابة.. ولقصة إسكات النيران الصديقة.. أو سؤالنا السابق.. سبب تعجل صدور القرار الجمهوري..! البشير وترامب.. من أمهل الآخر؟! "2" حين سئلت.. من إحدى الفضائيات.. يوم صدور القرار الجمهوري بتعليق عمل لجنة التفاوض مع الولاياتالمتحدة حتى أكتوبر.. قلت إن القرار رد طبيعي على قرار الرئيس الأمريكي بتمديد ميقات اتخاذ قراره النهائي.. وقلت أيضا إن الرئيس نفسه ربما فوجئ بحكاية الثلاثة أشهر هذه فاتخذ هو الآخر قرارا مماثلا أرسل عبره رسالته إلى واشنطن.. غير أن قرارا آخر كان قد أصدره الرئيس البشير قبل قراره الأخير بنحو عشرة أيام.. دفعني لإعادة قراءة الوقائع من زاوية أخرى.. وهو اجتهاد على كل حال.. يحتمل الخطأ والصواب.. ولكنه في نهاية الأمر يعطي مؤشرات لاتجاهات التفكير لدى كل الأطراف..! حسنا.. في مطلع يوليو الحالي قرر الرئيس السوداني عمر حسن البشير، تمديد وقف إطلاق النار على مختلف الجبهات في البلاد حتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.. وذكر بيان نشرته وكالة السودان للأنباء (سونا).. أن "المشير عمر البشير رئيس الجمهورية أصدر قراراً جمهورياً بتمديد وقف إطلاق النار بكافة مسارح العمليات حتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017″... وأفاد البيان بأن القرار الجمهوري رقم 479 لسنة 2017 بتمديد وقف إطلاق النار جاء "استمرارًا لنهج الدولة في إعلاء قيمة السلام على الحرب، وإنفاذًا لمخرجات الحوار الوطني، وتمكينًا لحملة السلاح من اللحاق بركب السلام ومسيرة الوفاق الوطني"... والسؤال.. هل كان محض صدفة أن يكون قرار الرئيس بتمديد تعليق العمليات العسكرية حتى أكتوبر..؟ أم كان الرئيس على علم بمدى المهلة الأمريكية المرتقبة..؟ أم كان يتنبأ بذلك.. والربط هنا ليس اعتباطا كما قد يتصور البعض.. فبعد أربعة أيام من صدور قرار الرئيس أوباما بالرفع الجزئي للعقوبات أي في يوم السادس عشر من يناير 2017 أصدر الرئيس قراره بوقف العمليات العسكرية في كافة المسارح.. ولمدة ستة أشهر أيضا.. لاحظ التطابق.. فيعود الرئيس مرة أخرى مستبقا واشنطن بالتمديد.. هل كان يعلم..؟ الله أعلم..! ربما كان لافتا سرعة صدور الرد الرئاسي على واشنطن.. مستبقا كل المؤسسات.. ولئن كنا قد أشرنا بالأمس إلى أن القرار بعث برسالة لواشنطن مفادها أن مهلة الأشهر الثلاثة الإضافية تخص واشنطن وحدها وليس للخرطوم ما تقدمه.. فالواقع أن القرار قد حمل رسالتين إلى الداخل لا رسالة واحدة.. الأولى أن الرئيس كانت قد تجمعت لديه رؤى المؤسسات ذات الصلة كافة.. وغير ذات الصلة أيضا.. رئاسة البرلمان نموذجا.. وكانت كلها.. باستثناء رؤية جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. تميل نحو الانحناء للعاصفة الأمريكية حال هبوبها بغير ما تشتهي سفن الحكومة.. الرئيس الذي مل المماحكات الأمريكية.. كما يقول مقربون منه.. وصاحب عبارة أن (السودان ما بعد 12 يوليو لن يكون كما كان قبله).. لم يكن له أن يأخذ بنظرية الانحناء.. وحسبه أن أعطى واشنطن مهلة مقابلة ليرى ما ستفعل في أكتوبر.. أما الرسالة الثانية والأهم ربما.. فهي أن الرئيس أراد أن يقول بوضوح شديد.. إنه هو صاحب القرار.. وهي رسالة ربما تعني بالدرجة الأولى.. أولئك الذين كانوا بصدد.. رفع مذكرة.. من موقع المرجعية.. لمراجعة.. الأحكام السلطانية..! اليوم التالي