بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى يبدو ولحكمة يعلمها الله, أن شعب السودان قد قدر له ألا ينعم بهدوء أو راحة بال, بتوقف مسلسلات الدهشة والإلغاز والحيرة التي فرضت عليه مشاهدتها ومعايشتها ودون توقف ليلتقط أنفاسه لمعرفة كنهها, وفى ذات الوقت الذي لا تلوح فيه بارقة أمل في أفق قريب لحل طلاسمها المعقدة والمتصاعد تعقيدها. إذ قبل أن تجد السلطة مخرجا من مسلسل حيادها في الأزمة التي نشبت من حيث لا ندرى, بين قطر والسعودية, يطل على المواطنين اغرب تلك المسلسلات وأعجبها, مسلسل الفريق طه, ويعقبه قرار ألفيفا الصادم الذي فجع جماهير كرة القدم, والذي تسببت فيه بعض قياداتها, إلى أن وصل المسار بالشعب السوداني إلى أم المشاكل, مسلسل رفع العقوبات الأميركية عن السودان, وانتظار نهايته التي أطفا نور الأمل في الوصول إليها الرئيس الأمريكي الجديد, دونالد ترامب, بقرار تأجيله لثلاثة أشهر قادمة.. بداية, لابد من توضيح, انه ما من سوداني عاقل غيور على هذا الشعب المنكوب والمغلوب على أمره, إلا ويأمل ويتمنى في أن ترفع تلك العقوبات التي فرضت على السودان, جملة وتفصيلا, واليوم قبل الغد, لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه, إلا إذا سعى وثابر لإدراكه, ومن ثم فان ذلك الأمل لا يمنعنا من إبداء الرأي حول بعض الحقائق التي نرى أنها لعبت دورها في عدم تحقيق ذلك الحلم في موعده المضروب. فالمتمعن لواقع الحال بعد صعود الرئيس دونالد ترامب إلى كرسي رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية, يجد للرجل كثير من المبررات التي جعلته يلجأ إلى تأجيل قرار رفع العقوبات نهائيا عن السودان لثلاث أشهر قادمات, تنتهي ان شاء الله في الثاني عشر من أكتوبر, بدلا عن الثاني عشر من يوليو 2017م أولا, يلاحظ أن الرجل لا يحمل ودا أو تعاطفا مع السودان, بدليل أن من أوائل قراراته السالبة كان قرار حظر السودانيين من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية, ضمن رعايا بعض من الدول الأخرى, الموصومة برعايتها للإرهاب. وبرغم من أن ذلك القرار قد هزم من القضاء الامريكى الحر والمحايد, وأكثر من مرة, إلا أن ترامب لم ييأس من تحقيق هدفه, فثابر واجتهد حتى حصل على ما يريد وان اختلفت نتائجه قليلا. ثانيا, هل من المعقول أن يقدم ترامب على رفع تلك العقوبات نهائيا, وهو على أعتاب أبواب رئاسته, وقبل أن يكمل الإعداد لمسيرة حكمه, وفى خضم مختلف المشاكل التي أثارها وخلقها لنفسه في فترته الوجيزة هذه, وعلى رأسها قطاعات المواطنين الذين افلح في استعدائهم عليه, كانوا من النساء أو الزنوج أو المسلمين وغيرهم؟ فربما أراد في هذه المرة أن يتأكد من موقع قدمه قبل أن يقدم على تنفيذ قرار رفع العقوبات نهائيا, وحتى لا يقع في حفرة أخرى. ثالثا, فان هذه العقوبات قد فرضت على السودان بواسطة رؤساء سبقوه, كما وتم رفعها جزئيا بواسطة رئيس سبقه أيضا, وهو غريمه الرئيس السابق اوباما, الذي جعل من الثاني عشر من يوليو 2017م موعدا لرفعها نهائيا, متى التزمت حكومة السودان بتنفيذ الشروط الخمس التي حددت لها من اجل ذلك, ولا أظن انه لزاما على الرئيس ترامب أن يقدم على تنفيذ كل ما حدده سلفه, دون أن يصبح لرأيه الخاص موقعا فيه. وحتى إن أوفت حكومة السودان بكل الشروط التي حددت لها من سلفه, والتي تم الاعتراف بها من جانب الولاياتالمتحدة, فان رأى سيادته أن هنالك شروط أخرى لابد من الإيفاء بها أيضا, حتى تكتمل الصورة التي تسمح برفع العقوبات نهائيا. والتي حددها بان يتم النظر في سجل الحكومة السودانية حول حقوق الإنسان, فما المانع ما دام أمر تلك الحقوق مصانا كما أوضح السيد وزير الخارجية بروف غندور؟ ولذلك كانت ضرورة إضافة فترة الثلاث أشهر للتأكد من حال ذلك السجل.. ما نعجب له, الطريقة التي قابلت بها السلطات السودانية قرار التأجيل هذا, رغم علمها ودرايتها بكل ما سبق ذكره حول الرئيس ترامب, فالحكومة التي صبرت على تلك العقوبات لعقدين كاملين من الزمان, فما الذي يضيرها من مواصلة صبرها لثلاث أشهر أخرى, خاصة والحكومة لم تضار أو تتأذى من تلك العقوبات كما تضرر وتأذى المواطنون, بدليل أنها أي الحكومة, وفى ظل تلك العقوبات, ظلت سادرة في ذات غيها القديم, وسائرة علي ذات دروبها القديمة, وكان شيئا لم يكن, فقد حافظت الحكومة تماما على كل أساليب بذخها, في الوقت الذي استمرت فيه معاناة غالبية المواطنين, من جحيم فقرهم وضنك معيشتهم. . والحكومة التي تجيد كيفية الاستفادة حي من خسائر المواطنين, فقد جعلت من تلك العقوبات, شماعتها المفضلة لتعليق كل أخطائها وفشلها عليها, وحتى بعد أن تم رفعها جزئيا, فلا زالت العقوبات هي في مقدمة أسباب اى فشل كان خاصة الفشل الاقتصادي. فالمواطن الذي انتظر رفع تلك العقوبات الذي ظلت تهدهده به الحكومة طيلة تلك السنوات, وبفارق الصبر, لم يشعر بان هنالك أي اختلاف في نمط حياته القديمة, إذ استمر الحال في حاله. فالأسعار التي طارت لعنان السماء, استمرت في تحليقها هنالك, والجنيه السوداني الذي هوى إلى الأرض استمر في انحداره المتسارع حتى بلغ مداه. أما آخر بدع الحكومة, التي تشكو من اثر العقوبات على اقتصادها, وتزرف الدمع بسبب إرجائها, ما تدل على عدم تأثرها بتلك العقوبات, وعدم تقديرها للموقف الاقتصادي وحاله المائل أصلا. فقد عملت ذات الحكومة على المزيد من إنفاقها الذي لعب الدور الأعظم في تخريب الاقتصاد, وذلك بسبب بتشكيلها لما أسمتها حكومة الوفاق الوطني, التي أصبحت حكومة النزاع الوطني, وبسبب صغر كيكة السلطة وكثرة الأندى الممتدة إليها. فرات الحكومة علاج تلك المشكلة بان جعلت من حق كل من شارك في حوارها الوطني أن يجد مقعدا بالسلطة, ومن لم يحالفه الحظ في ذلك, فقد جاء بالأسافير انه سيجد تعويضا ماديا عنه, ورغم كل ذلك لا زال الكثيرون ممن افتقدوا تزوق كيكة السلطة, يملئون الدنيا ضجيجا واحتجاجا لما أصابهم من ظلم.. فمن أين لحكومة غارقة في الديون حتى إذنيها الإيفاء بكل ذلك؟ يظل السؤال عن كل الغضب والانفعالات التي قابل بها المسئولون قرار تأجيل رفع العقوبات لثلاث أشهر, وهم يعلمون علم ألبقين بان رفعها أو الإبقاء عليها, لن يؤثر عليهم كثيرا بقدرما يؤثر على المواطن الذي لم يعد من بين أولوياتهم. فان كان الأمر بمثل تلك الأهمية وتأجيله بمثل تلك الخطورة, فما الذي سيفعلونه لمفادى المزيد من تأجيله, قبل أن ينبروا للهجوم على الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي أورثنا كل المشاكل التي استعصت حلولها عليهم؟ فالحكومة حاولت أن ترد على تحية دونالد ترامب بمثلها, فان هو أرجأ رفع العقوبات لثلاث أشهر قادمات, فلماذا لا يجيء الرد عليه سالبا كما تأجيل رفع العقوبات وبذات المقدار؟ فاصدر السيد رئيس الجمهورية قرارا وفى ذات اللحظة التي علم بها بقرار نظيره ترامب, يتم بموجبه, تجميد عمل لجنة التفاوض مع الولاياتالمتحدة ولثلاثة أشهر تنتهي بانتهاء فترة تأجيل رفع العقوبات, بمعنى آخر العين بالعين. وقرار تجميد لجنة التفاوض يعنى تجميد الحوار مع الولاياتالمتحدة طيلة فترة الأشهر الثلاث, وهو القرار الذي اثني عليه البعض واعتبره انتصارا لحكومة السودان, فهل يعتقد هؤلاء أن وقف الحوار هذا سيدفع الرئيس ترامب ليعجل برفع العقوبات, أم يعمل على المزيد من تأخيرها؟ فعبر الحوار وحده يمكن الوصول إلى غاية رفع العقوبات نهائيا, بل وعبره أيضا من المشاكل التي لا زالت عالقة, كضرورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب, ثم وقبل كل ذلك إعفاء ديونه التي أثقلت كاهله وكاهل مواطنيه. على كل فان السيد وزير الخارجية بروف غندور قد أكد على أن التفاوض مع الولاياتالمتحدة لن يتوقف, والذي أكده أيضا مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود وهو الأمر المطلوب طبعا, لكن أشار ألسيد وزير الخارجية بأن حكومة السودان قد قامت بواجبها كاملا في تنفيذ كل الشروط التي وضعت لها من أجل رفع العقوبات نهائيا, وأوضح بأنهم لا يملكون أي إضافة جديدة لما قدموا من جهد في ذلك الاتجاه, ورغم اتفاقنا مع سيادته بان الحكومة فعلا قد أعطت وما استبقت شيئا, إلا أن الرئيس الامريكى لم يطالبها بالجديد من العطاء بقدرما يرغب في أن يستمر ذلك الجهد دون انتكاسة خلال الفترة الإضافية. أما حديث السيد وزير الخارجية حول موضوع الحريات وحقوق الإنسان, التي تمت إضافتها للشروط السابق والتي اعتبرها سيادته مصانة لا يمكن ألاعتماد على ذلك الزعم واعتباره حقيقة واقعة بينما تعتبر حقوق الإنسان السوداني وحرياته, في مقدمة نقاط ضعف هذه الحكومة ويا سيادة الوزير, لا زالت أجهزة أمنكم تعمل على مصادرة الصحف حتى اليوم, ولا زالت تحرم بعض الكتاب حقهم في التعبير بل ولا زالت تعتقل النساء سياسيا, وجميعها ممارسات من اجل إخراس الأصوات المعارضة لكم. فأين الصيانة التي تتحدثون عنها؟ أخيرا. لعل مطلب صيانة حقوق الإنسان وحرياته هذه, متى تمت الاستجابة لها وتطبيقها كاملة, ستصبح هي الحمص الوحيد الذي سيطلع به المواطن السوداني من مولد رفع العقوبات عن السودان. فحققوه له يرحمكم الله.