قبل أيام قال البروفسور مأمون حميدة وزير الصحة الولائي: إن الإسهالات المائية انتقلت إلى الخرطوم من النيل الأبيض، الكلام أثار حفيظة والي النيل الأبيض عبد الحميد كاشا فتكبد المشاق، وجاء إلى الخرطوم خصيصا ليرد على مأمون في مؤتمر صحفي، كاشا رد بعنف، وقال: إن الإسهالات ظهرت في الخرطوم قبل النيل الأبيض بشهور، لكن تم التعتيم عليها، ولذلك الخرطوم صدرتها إلى بقية الولايات، وطالب بتكوين لجنة تقصي حقائق لمعرفة من أين ظهر المرض، وهو يعلم تماما أن الأمر مستحيل، لأن المرض لم ينتقل من أي منطقة إلى أخرى إنما هو إنتاج محلي خالص فهم جميعا كمسؤولين هيأوا له البيئة المناسبة فنما، ونمت معه جميع الأمراض الأخرى، التي ليس لها سبب غير تردئ البيئة، ومأمون ليس وحده من يريد أن يبرر لفشله دائما، ويعلق المسؤولية على غيره، فكلهم يفعلون، ووزير الصحة الاتحادي- نفسه- فعل نفس الشيء حين قال إن الإسهالات المائية جاءت من الجنوب، قد يكون الجنوب أحد الأسباب لكنه ليس السبب الوحيد أو الأساس، وإن كان كذلك لتوقفت الإسهالات بمجرد أن اتخذت الحكومة الإجراءات الوقائية اللازمة لكنها ما زالت مستمرة مما يثبت أن هناك سببا مستوطنا في الخرطوم، وكل المدن الأخرى وأريافها. كل مسؤول يريد أن يبعد عنه تهمة الفشل والتقصير دون أن يفعل شيئا إنما بالتبرير غير المنطقي، ولي عنق الحقائق، فالإسهالات المائية هم سببها الأول والأخير، فالمواطن يدفع من حر ماله المليارات من أجل معالجة مشاكل الصحة والبيئة، لكن تلك الأموال يلتهما سوء الإدارة والفساد، وحين تقع الكارثة لا يجد المسؤولين حلا غير الكذب، والتبرير، والاستخفاف بعقل المواطن بطريقة تثبت ضعف مقدراتهم العقلية التي تخذلهم دائما. ليس هناك مواطن لا يفهم أن الخرطوم العاصمة تعدّ هي المدينة القدوة التي يفترض أن تحذو حذوها بقية المدن؛ لأن الحكومة التي تقود الدولة توجد في الخرطوم، وأي فشل في المدن الأخرى فهو مصدره العاصمة المركز؛ حيث قيادة الحكومة، التي تضع السياسات القومية، وتختار المسؤولين، وولاية النيل الأبيض هي ضحية سياسات حكومة المركز، وبما إن حال الخرطوم يثبت أن البلد ليس فيها حكومة ولا سياسات ولا مسؤولين فبدهي أن تكون الولايات أسوأ منها والمسؤولين أكثر عجزا. عندما نقول إن المسؤولين في السودان غير مسؤولين، وليسوا أهلا للمناصب فإن ذلك لا ينبع من فراغ، فهم يتصرفون بمنتهى عدم المسؤولية، وكأنهم ليسوا في دولة لها مؤسسات، ويجب وتحتاج إلى أن يتناغم المسؤولون في سلوكهم وتصرفاتهم وحديثهم، إن لم يكن من أجل المواطنين والدولة فمن أجل احترام أنفسهم؛ فالمواطن ليس بالجهل والسذاجة التي يتخيلونها؛ فهم جميعا في نظره فاشلون، وأكثر من ذلك. لقد تعود المسؤولون في المؤتمر الوطني للحفاظ على مناصبهم أن يمارسوا سياسة ذر الرماد في العيون، وكل يسعى إلى تغبيش الرؤية بدلا من الانتباه إلى واجباتهم ومسؤولياتهم (المردومة) منذ 28 سنة، لكن ماذا نقول هكذا هم مسؤولو المؤتمر الوطني لا ينشغلون إلا بسفاسف الأمور، وما ضاع السودان إلا بسببهم؛ فهم مرضه الحقيقي، ولن يتعافى إلا برحيلهم. التيار