في إحدى المدارس الابتدائية أعلنت مرشدة الفصل حالة الطواريء..حالة سرقة في وضح النهار.. تم الترتيب لتفتيش كل الحقائب المدرسية..طالبة بائسة رفضت بشدة الفكرة..بعدها توجهت كل القرائن على أنها السارقة..انتزعت المعلمة الحقيبة المتواضعة فيما صاحبتها تتعلق بها وهي تبكي..كانت المحتويات بجانب الكراسات المهترئة بعضاً من الخبز الجاف..لم تجد المعلمة غير في الحقيبة غير الحقيقة الصادمة..التلميذة الفقيرة تجمع في نهاية اليوم بقايا طعام زميلاتها لتطعم بها أسرتها بعد العودة للبيت. قبل أيام أعلن الدكتور فرح مصطفى وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم عن الشروع في حوسبة التعليم عبر منح كل تلميذ كمبيوتر صغير بدلاً عن عشرات الكتب والكراسات ..ولكن رغم وجاهة الفكرة إلا أن الوزير كان يهزمها بأرقام الواقع التي تهزم الخيال الواسع ..مدارس الخرطوم تعاني من نقص مريع في طواقم التدريس حتى تمت الاستعانة بمنسوبي الخدمة الوطنية..هنالك مشكلة في توفير الكتاب المدرسي للدرجة التي تفكر فيها الوزارة في فرض رسوم أمنية تعاد لولاة أمور التلاميذ عند نهاية العام الدراسي . في ولاية الجزيرة المجاورة وفي إحدى المدارس لم ينجح أحد..السلطات هنالك قامت بعملية غير إنسانية بتجفيف مئتي مدرسة حتى لا تضطر لتوفير معينات الدراسة..معدلات التسرب خارج قاعات الدراسة جعلت معتمد الخرطوم بحري يفكر في إنشاء مدارس في الأسواق لاستيعاب الأطفال في جداول زمنية تستوعب كون هؤلاء الأبرياء يعملون في السوق بدوام كامل . هل حدثتكم عن معدلات الجوع في المدارس ..آلاف التلاميذ يمضون إلى المدارس دون وجبة أفطار..بعض منظمات العون الإنساني تفكر في إطعام التلاميذ بالبلح الجاف..وزارة التربية تمارس لعبة القط والفار مع الاستثمار في التعليم الخاص.. النتيجة تراجع في جودة التعليم ألقت بظلالها على تراجع ترتيب الجامعات السودانية في معظم التصنيفات الدولية . في تقديري أن فكرة تطوير التعليم مقبولة لكن توقيتها غير مناسب..مازال التعليم بالوسائل التقليدية موجوداً في معظم مدارس العالم المتطور..لهذا من الأفضل أن تترك مثل هذه المبادرات للتعليم الخاص ..حينما تنجح في ذاك الحقل الأكثر جاهزية يتم تعميمها على المدارس الحكومية الأخرى..من المهم جداً أن نتجاوز فخاخ التعليم التي أشار إليها الدكتور جعفر ميرغني في حديث محدود لبعض الصحفيين قبل أيام..تعليمنا الحالي أكثر غربة عن واقعنا السوداني وسيزداد غربة إن لم تستوعب حكومتنا أهمية التفكير الواقعي في مواجهة المشكلات التي تعصف بنا من كل جانب. بصراحة..حديث الوزير عن حوسبة التعليم تشبه الرجل الذي يفكر في شراء ربط عنق فيما هو عارٍ في سوق مزدحم..هنالك قضايا كثيرة وآنية ترتبط بتطوير التعليم ليس من بينها الحوسبة المرتجلة. الصيحة