تلفّت الجزائرون حولهم بعد أن صبروا عقدين على حكم "بوتفليقة" ثم إنتبهوا إلى أن الظروف التي حملت الشعب السوداني للخروج للشارع في منتصف ديسمبر الماضي وعزمه على الإطاحة بالرئيس البشير، تشبه إلى حد كبير الظروف التي يعيشونها في الجزائر، فالجزائريون يحكمهم رئيس مُعتل صحياً، بحيث لا يستطيع النزول من السرير ودخول الحمّام إلا بمعاونة ثلاثة أشخاص، وبهذا الحال، لا يستطيع "بوتفليقة" السفر لتمثيل بلاده في المحافل الدولية، وهو في ذلك يُشبِه حال رئيس السودان الذي ظلّ لعقود عاجز عن مُغادرة البلاد للقيام بواجباته الرئاسية إلاّ في حدود الزيارات التي يقوم بها للجيران لكونه مُطلوباً للعدالة الدولية، وهو ممنوع حتى من حضور إجتماعت الأممالمتحدة، ولا يستطيع السفر إلى أوروبا لمناقشة قضايا البلاد وعلى رأسها ديون السودان. كما أن كلا الرئيسين إستنفَذَ فترات الحكم المنصوص عليها في الدستور وتجاوزاها بالحيلة وبوضع اليد، فحكم الأول عشرون سنة فيما حكم الثاني ثلاثين، وكلاهما يُريد تغيير الدستور ليحكم بلاده مزيد من السنوات، كما أن الحجّة التي يُبرر بها الحزب الحاكم في البلدين واحدة، وهي الزعم بأن الرئيس في كلٍ من البلدين هو صمّام الأمان لوحدة الشعب وسلامة البلاد، وأنه يُشكِّل رمز العزّة والسيادة الوطنية. كما يُوجد تشابه كبير بين البلدين من حيث الفساد الحكومي وسيطرة حفنة من اللصوص والأُرزقية على ثروات البلاد (الجزائر بلد غني بالغاز الطبيعي والمعادن)، وإستطاعت هذه الجماعة في الجزائر – كما هو الحال في السودان – من السيطرة عن طريق المال وشراء الذمم على الحكم في البلاد وتمكّنوا من إستمالة قادة الجيش والأمن والشرطة، بحيث إتخذ النظامين من الشعب رهينة تحت الإقامة الجبرية بقوة السلاح وبفتح السجون والمعتقلات لمن يرفع صوته بالإعتراض. بالمُختصر، رأى الجزائريون أنفسهم فيما يجري لإخوانهم بالسودان، فإستلهموا ثورتهم من ثورتنا، فخرجوا للشارع بعدنا بأسابيع، ورفعوا نفس الشعارات التي سمِعوا الشعب السوداني يُرددها عبر شاشات التلفزيون، والجزائريون لا يعيشون مثل المأساة التي يعيشها الشعب السوداني من وراء حكم "بوتفلية"، فالجزائر بلد نظيف ومُتحضِّر وتتوفّر فيه بنية تحتية صلبة من شبكات مجاري طرق ومطارات ولديهم أسطول بحري ومستشفيات ومدارس وجامعات .. إلخ، كما أن"بوتفليقة" مع سوء حكمه لم يتسبب في شطر الجزائر إلى قسمين كما حدث في عهد رئيس السودان، وفي الجزائر لم تباع مؤسسات الدولة وتاقسم ريعها من باعوها فيما بينهم وتشرّد نتيجة ذلك الموظفين والعُمّال كما حدث لشعبنا، ولم تتجرأ على حكم "بوتفليقه" دولة من جيرانه بإستقطاع جزء من أرض بلاده، كما أن الجزائر لا تدور فيها حروب أهلية ولا يُضرب فيها أهالي منطقة بالطائرات والمدفعية، وفي الجزائرلا يستأثر أبناء الحزب الحاكم وحدهم بوظائف الدولة وقطاع الأعمال ويترك باقي الشعب يدور حول نفسه وهو يشكو بؤس الفاقة والعطالة. فإذا كان الشعب الجزائري قد إنتصر وهو الذي كشفنا له الطريق ووضعنا قطاره على القطبان، فلدينا من أضعاف الأسباب التي تُحتِّم على شعبنا المضي في ثورته حتى يتحقق له النصر، ويعتق رقبته من جلاديه الذين أوقفوا حال الشعب والبلاد معاً. برغم التاريخ الأسود للرئيس "بوتفليقة"، ولكن وضح أنه إبن حلال وعنده دم، فقد كان يُمكنه – كما فعل البشير – أن يقاوح ويقول أن الذين خرجوا عليه صِيّع وشماسة ومخربين، ويُعلِن حالة الطوارئ على شعبه، ويأمر بنزول الجيش للشارع، ويحاول القضاء على الثورة بإستخدام القوة المفرطة كما فعل عندنا أصحاب الفيل، ولكن "بوتفليقة" آثر حقن دماء أبناء وطنه، فأعلن عن تخليه عن الترشّح لولاية خامسة حتى لا تتصاعد المواجهة وتسيل الدماء أمام شعب صمّم على التمسُّك بموقفه حتى النهاية. لا بد أن يكون "الجزائريون" قد ندموا على السنوات التي أضاعوها في الصبر على نظام فاسد ومُستبد وظالم قبل أن يكتشفوا أن الأسد الذي كانوا يخشونه ليس سوى "بَغَل" مُتنكِر، ووبعد أن علموا أن هدير الحناجر يستطيع أن يُخرس صوت الرصاص، وأن الذي بيده قضية يكون أشجع من الذي يحمل عليها بندقية، فقد كتب الشعب نهاية (20) سنة من القهر والظلم في (20) يوماً فقط. [email protected]