حتى اللحظة لا يمكن البت بمن أطلق الرصاصة الأولى في المواجهات العسكرية التي وقعت بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" بإقليم تيغراي، شمالي البلاد. وفي ظل التصعيد المتبادل بين الطرفين، يطفو سؤال ضمن أسئلة كثيرة، ما الذي يحدث على وجه التحديد؟، لماذا في هذا التوقيت تحديداً، ومن المستفيد من تأزيم الموقف في الداخل الإثيوبي؟. رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، برر قراره شن حرب في شمال البلاد على إقليم تيغراي، بأنه "أصبح من الضروري نزع سلاح فصيل عرقي قوي، مارس القمع على البلاد على مدى عقود"، واصفاً زعماءه بأنهم "هاربون من العدالة"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز". وفي أول تصريحات له منذ إعلان بدء العملية العسكرية في إقليم تيغراي، الأربعاء، أكد آبي أحمد، أن "الحملة العسكرية في الشمال، لها أهداف واضحة ومحدودة"، لافتاً إلى قصف مواقع عسكرية في الإقليم، ومستودعات سلاح، الجمعة. الرصاصة الأولى أوضح الكاتب الصحافي الإريتري المختص في الشأن الإفريقي، محمود أبوبكر ل"الشرق"، أن الحرب بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيغراي، بدأت منذ ما يقارب العامين، وكل الظروف كانت مهيئة للمواجهة الحالية بين السلطة الحالية التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وبين الحزب الحاكم سابقاً (جبهة تحرير تيغراي)، الذي انسحب من الحكم تحت ضغط الشارعةبعد 27 عاماً في السلطة. وفي ظل رفض قادة إقليم تيغراي، الانصياع لقرارات الحكومة المركزية في إثيوبيا، المتمثلة بعدم إجراء الانتخابات في الإقليم، وجه المجلس الفيدرالي (أعلى سلطة تشريعية في البلاد)، بقطع العلاقات مع السلطات في الإقليم، والتعامل مع إدارة المناطق بشكل مباشر. وأعلن المجلس إيقاف ميزانية العام 2020-2021 المخصصة لإقليم تيغراي، مع إيجاد آلية بديلة لإرسال الميزانية مباشرة إلى الهيئات الإدارية في المنطقة، بحسب البيان الصادر عن الحكومة الإثيوبية. كما أعاد نشر وتوزيع القوات الفيدرالية في إقليم تيغراي، وتعيين قادة عسكريين بالقاعدة الشمالية في الإقليم، وهو ما رفضه قادة الإقليم، باعتبار أن "هذه القرارات تمخضت عن حكومة غير معترف بها"، على حد تعبير البيان. وجاءت تلك الخطوات على خلفية تأجيل الحكومة المركزية الانتخابات في البلاد بسبب جائحة كورونا، فيما أصرت قيادة الإقليم على إجراء الانتخابات في سبتمبر الماضي. اشتعال الأزمة وفي إطار التصعيد العسكري والإعلامي بين الحكومة المركزية، وإقليم تيغراي، أعلن الأخير انشقاق جزء من القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي المتمركز في الإقليم عن الحكومة المركزية، وعدم قبوله لأوامر المركز. ودعت حكومة إقليم تيغراي، الشعب والقيادات العسكرية الأخرى، للوقوف إلى جانبها. وما أشعل من فتيل الأزمة بين الإقليم والحكومة الفيدرالية، بحسب رواية السلطات الرسمية، مهاجمة جيش جبهة تحرير تيغراي، للقيادة العسكرية الشمالية، ومحاولة السيطرة على عتاد عسكري، وهو ما دفع قوات الجيش للاشتباك معهم، بحسب بيان رئاسة الوزراء الإثيوبية، والتي وصفة الخطوة بأنها "تخطت الخطوط الحمراء". وقال مصدر مسؤول في وزارة الدفاع الإثيوبية ل"الشرق" إن "الحكومة ستقوم بكل ما يلزم لحماية شعبها، ووحدة أراضيها، ولن تقبل بأي تدخل أجنبي"، مشيراً إلى أن "الحوار السياسي غير مطروح حتى تسلم قيادات جبهة تحرير تيغراي نفسها". مثلث "بادمي" من جانبه، استبعد الكاتب الصحافي الإريتري محمود أبوبكر، أن تكون إعادة مثلث "بادمي" المتنازع عليه بين إثيوبيا وإريتريا، إلى أسمرة السبب الحقيقي للحرب الحالية. وأشار أبوبكر إلى أن قيادة "تيغراي"، اقترحت القبول دون شروط بنتائج التحكيم الدولي، واتفاقية الجزائر، بما في ذلك تسليم مثلث "بادمي" لإريتريا. وأفضى اتفاق السلام الموقّع بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2018، إلى تبعية مثلث "بادمي" إلى أسمرا، وانسحاب القوات الإثيوبية من المنطقة. وأضاف أبوبكر إلى أن العلاقة بين أسمرا وأديس أبابا، اعتمدت بشكل أساسي على إقصاء "تيغراي" من المفاوضات، مما أسهم في تسعير الخلافات بين "جبهة تحرير تيغراي" والحكومة المركزية. وأوضح أن الأسباب الحقيقة، تتجاوز أزمة "بادمي"، وتتعلق برؤية كل طرف للاستحقاقات الداخلية، بما في ذلك شكل نظام الحكم. كشف حساب وهو الأمر الذي لم يختلف حوله الباحث والكاتب الإثيوبي عبدالشكور عبدالصمد، مشدداً على أن السبب الحقيقي في الأزمة، يأتي من اختلاف رؤى الطرفين في شكل الحكم، في ظل تبادل التهم برغبة الحكومة المركزية ب"إلغاء خصوصية القوميات الإثيوبية". وفي ذات السياق كشف مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء الإثيوبية – فضل حجب اسمه – إن "الحكومة تعمل على إجراءات قانونية تخولها إخضاع قادة إقليم تيغراي، للمساءلة عن جميع الجرائم التي ارتكبوها في البلاد طيلة 27 عاماً قضوها في السلطة". وأفاد المصدر بأن "هذه التهم موجهة لكبار القيادات في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والذين عمدوا على تأجيج المشاكل العرقية والإثنية في البلاد، وتورطوا في قضايا إرهابية في دول مجاورة". تفتيت "جبهة إقليم تيغراي" وأوضح عبدالشكور، أنه إذا استطاعت العمليات العسكرية الجارية في الشمال الإثيوبي قطع الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، قد تتغير المعادلة للصالح العام الإثيوبي، لافتاً إلى أن إعلان الأقاليم وقوفها مع الحكومة الاتحادية، سيشكل ورقة ضغط على قادة إقليم تيغراي. ومن جانبه، قال حاكم إقليم تيغراي، دبريصون جبر ميكائيل، إن "الإقليم في حالة حرب، وأنه تمت التعبئة استعداداً لذلك، وإن الإقليم يمتلك من الأسلحة الثقيلة، ما يمكن استخدامها للردع". سيناريوهات المعركة وطبقاً للكاتب الصحافي، محمود أبو بكر، فإن "مسار المواجهة لا يمكن التكهن به، لكن من المؤكد أن حل الأزمة، ككل لن يتم إلا بالحوار في نهاية الأمر". وألمح أبوبكر أن إقليم تيغراي يعاني من عزلة داخلية وخارجية، وأزمة اقتصادية خانقة، نتيجة إيقاف التمويل من المركز، مشيراً إلى أن قيادة الإقليم أمام خيارين، الأول المواجهة العسكرية المحدودة، طريقة مناسبة لفك العزلة، ومن ثّم العودة إلى طاولة المفاوضات، كخيار ممكن. أما في حال فشل السيناريو الأول، فقد تلجأ قيادة الإقليم إلى توسيع نطاق الحرب لتحقيق الانفصال، وهو الهدف التاريخي لقيادة الحزب "جبهة تحرير تيغراي". وتابع أبو بكر: "وللسلطة المركزية في أديس أبابا أيضاً أهدافها من هذه الحرب، وتتمثل في تحقيق التفاف وطني واسع حول رئيس الوزراء آبي أحمد، ما يساهم في تراجع حدة التجاذبات الداخلية ذات الطابع العرقي أو السياسي، أما الهدف الثاني، فهو بسط سيطرة الدولة على الإقليم، والتخلص من سطوة الحزب الحاكم السابق". نظام حكم جديد وأضاف أبوبكر، أنه من الواضح أن آبي أحمد سعى إلى التخلص من تركة النظام السابق من جهة، وتغيير نموذج الحكم من "فيدرالي إثني" إلى "فيدرالي إقليمي"، يعتمد على حزب واحد، متمثل في الحزب الحاكم "حزب الازدهار" الذي يقوده آبي أحمد. وأشار أبوبكر إلى أن تحركات الحكومة المركزية، السابقة دفعت جبهة "تحرير تيغراي" إلى الانسحاب من الائتلاف، والعودة إلى معسكر المعارضة، من خلال الإنزواء داخل الإقليم، والتصرف بمعزل عن التركيبة الفيدرالية للبلاد.