أوضح آبي أحمد الرئيس الأثيوبي في بيانه عن الحملة العسكرية في إقليم تقراي " أن الحملة العسكرية ضد الجبهة الشعبية لتحرير تقراي تهدف إلى "استعادة سيادة القانون والنظام الدستوري، وحماية حقوق الإثيوبيين في حياة ينعمون فيها بالسلام في أي مكان بالبلاد". نعم هيبة الدولة ، وسيادة القانون، واجب ومستحق ،لكن يبقى قرار الحرب ،والذي يمكن إتخاذه ليس من اليسير إيقاف الحرب توقد نيراها ، لأن أوراق الحرب وما يتمخض عن الحرب تصبح مسؤولية وقرارات تتفرق بين القبائل .. أطراف الحرب… الدول المجاورة المتأثرة بالحرب.. المخابرات الدولية والتي تحقق أجنداتها من خلال التعقيدات التي تتركها الحرب على الأرض ، خلق بيئات عميلة داخلية تعمل ضمن خطط وإستراتجيات تحقيق أجندات أجنبية ، خلق مليشيات و مرتزقة حرب ،أثيوبيا مستهدفة حقيقة وواقع سياسي جديد يفرضه ، نظام حكم عنيد ومتمرد على الشكل القديم وعلى التعالي الإمبريالي والإستعماري غير الرشيد في المنطقة ،نظام يرفض الوصاية وعنجهية أنظمة الحكم الإستبداية ويرفض الدونية في المعاملة ، نظام يعتد بحكمه وديمقراطيته ،،نظام له رؤية واضحة في ظل إنجازات ملموسة وواقعية ، برامج اصلاحية وتنموية وبيئة استثمارية جاذبة ، سد النهضة يتوج النجاحات لنظام ديمقراطي في وسط غابة من الدكتاتوريات في المنطقة الأفريقية وعلى وجه الخصوص في القرن الأفريقي . الصراع الإثني والقبلي بين مكونات المجتمع الأثيوبي ، في ظل نظام فيدرالي يتشكل من مجموعات فيها كثير من التنوع ، ولامركزية الحكم خلقت مراكز قوى نخبوية في كل ولاية إتحادية مما سهل للمخابرات الدولية إختراقها وزرع الفتن بين مكونات القبيلة الواحدة تحت ذريعة عدالة الحكم وتوزيع الثروة وانصبة النهضة والسلطة وتصفية حسابات قبلية مع نظام الحكم المركزي.. لأهمية منطقة القرن الأفريقي واهمية أثيوبيا على وجه الخصوص بعد أن أوشك سد النهضة على الإنتهاء ، توقد نار الفتن هنا وهناك وذلك لضعف في تلاحمية البنية القبلية وبالذات في القبائل التي تشكل الأغلبية في دولة تعاني أصلا من أزمة إنفجار سكاني تجاوز 110 مليون نسمة، تعاني معظم أقاليمه من شح في الموارد وإمكانات محدودة على صعد مختلفة ، وقبائل تحظى نخبها بإدارة الحكم والسياسة في ظل نظام حكم فدرالي قبلي لم يمكن الأقليات فيه من المشاركة في إقتسام السلطة. إن القوميات التي يتشكل منها المجتمع الأثيوبي حسب ثقلها يسهل من عملية إختراقها وتظل بيئة صالحة لأعمال مخابراتية بإمتياز ، قبيلة الأرومو تمثل 34.6% وقبيلة الأمهرة تمثل 26.9 % والتغراي تمثل 6.5% والصوماليون يمثلون 6.2% وقبيلة التغراي التي نحن بصدد عصيانها وخروجها عن الشرعية الدستورية حظيت بحكم أثيوبيا لأكثر من عشرين عاما الى أن نصب ابي أحمد الذي ينتمي الى قبيلة الأرومو من أب مسلم وأم وزوجة مسيحيين من قبيلة تغراي ،كل هذا لم يشفع له ولا إنجازاته كانت شافعا له أمام التيار المعارض من جبهة التحرير الشعبية في إقليم تقراي والذي يرى عدم أحقيته في فقدان السلطة أو أن يكون له نصيب المستأسد بتاريخه وفي ظل نظام ديمقراطي يعتمد على الأغلبية الإنتخابية لن يكون في مقدوره العودة للحكم ، هنا مربط الفرس ، ومكمن الضعف الذي من خلاله يتم الإختراق المخابراتي وإشعال فتيل الفتن والحرب التي تنجم عنها عدم إستقرار في كل المنطقة ، وتخلق واقعا ديموجرافيا حديثا. تركيا تمددت داخل أفريقيا وبنت علاقات دبلوماسية ومواءمة سياسية مع أنظمة الحكم في أفريقيا حيث وصلت سفاراتها الى 39 سفارة وكادت أن يكون لها موقع قدم في منطقة سواكن على البحر الأحمروتركيا ترى بأنها صاحبة حق في المنطقة إكثر من الهندوالصين وإسرائيل مستهدفة إعادة مجدها العثماني التليد ، فمخابرات تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي ، وسد النهضة يبشر بإستثمارات ضخمة في المنطقة ويجذب قوى عالمية أخرى ستؤثر في رسم سياسة المنطقة . الولاياتالمتحدةالأمريكية القوة العظمى في العالم وحليف اسرائيل ، فقد توازنه لعدم توقيع أثيوبيا على إتفاقية واشنطن والتى كان طرفاها مصر وأثيوبيا ، والذي كان من المفترض أن توقيع الإتفاق يمثل مكسبا إنتخابيا لدونالد ترامب ، تدخل السي آي ايه في المنطقة بهدف إذلال النظام في أديس أبا با وإبراز التعاطف مع النظام المصري الذي أوكلت له مهام إيقاف المد الإسلامي بقيادة تركياوإيران ومساندة دولة قطر. الأمارات العربية المتحدة قامت بدور إيجابي في إعادة العلاقات بين أثيوبيا وأريتيريا لخلق إستقرار في منطقة القرن الأفريقي وعلى وجه الخصوص المناطق المطلة على شواطئ اليمن حتى يتم قطع الطريق أمام أي مساعدات لوجستية للحوثيين في اليمن من إيران ، كما أنها تخدم دول الخليج في إستعادة علاقاتها مع أثيوبيا والتي شهدت تدهورا ملحوظا في الفترات الأخيرة وبذلك ستجد كل دول الخليج أنها شريكة في رسم السياسة في المنطقة وعزل دولة قطروتركيا عن لعب دور سياسي وإقتصادي . إسرائيل أصبح المناخ مواتيا لها لتحقيق أجنداتها في المنطقة وعلى ان تكون شريكا رئيسيا في إدارة المياه كما تعمل جاهدة ان يكون لها موطن قدم في منطقة القرن الأفريقي لتطل بكامل خدماتها في العمق الأفريقي ومنطقة الخليج ولتكون العين الساهرة في باب المندب جمهورية مصر وبعد تعثر مفاوضاتها في سد النهضة وعدم تحقيق تقدم في تحقيق القدر المأمول المسهمة في الإشراف على سد النهضة والفشل في إعادة حصص مياه النيل بما يحقق لها ري المناطق المستصلحة وفشلها في الاتفاق على جدولة ملء السد ، فمصر بين مطرقة العجز المائي المتوقع وبين خيار تدمير السد والذي ووجهت فيه بتحذيرات قوية وعنيفة من الصين وروسيا والهند والإتحاد الأفريقي . تبقى هنا فقط لعبة المخابرات ، في تعطيل الإنتهاء من أعمال السد والذي لن يتحقق إلا بخلق عدم إستقرار للنظام السياسي في أثيوبيا وجره لحروب داخلية وإنهاك أقتصادي يلهيه عن متابعة إنهاء مشروع السد ولتصبح أثيوبيا أرض صراع المخابرات وكل منها تغني لليلاها .