الدولة العلمانية هي الدولة التي تفصل مؤسسات الدولة عن العقائد الدينية أو هي الدولة المحايدة عن القضايا الدينية، ولا تتدخل مهما كانت نسبة المتدينين بذات الدين في القطر المعني وهي لا تتدخل بتاتًا في الأمور الدينية وإن كان الأمر فيه مصلحة للدولة أو غير ذلك. و تتعامل مع مواطنيها بشكل متساوي في الحقوق والواجبات مهما إختلفت عقائدهم الدينية، وهذه هي العدالة المنشودة في ثورتنا العظيمة وأحدى شعاراتها "حرية، سلام وعدالة". وتجد الكثيرون يفسرون العلمانية بطريقة غير صحيحة لربطها بمصالحهم الشخصية من أجل بقاءهم في السلطة أو يتخذونها سلم للوصول إلى عرش السلطة، ومن هذه التفاسير الشائعة تفسيرهم للعلمانية بأنها تعني "فصل الدين عن الدولة" وليست مؤسسات الدولة، وتعني هدم ومحاربة الدين في الدولة. وهذه الخرافات لا علاقة لها بها وولا مكانة لها في الواقع، وهذه الإدعاءات تزعمها من أراد الوصول إلى السلطة عن طريق العاطفة الدينية وإستغلال الدين في السلطة وهذه ماترفضه العلمانية جملة وتفصيلا إما إذا نظرنا إلى قضايا دولتنا منذ تأسيسها بعد "خروج المستعمر" سنجدها تكمن في قضية واحدة وهي إستغلال الدين للبقاء في السلطة، وآخرها وليس الآخير نظام حكم البشير صاحب الغالبية الدينية الإسلامية، ستجدهم يكذبون على الناس بالدين ولا علاقة لهم بالدين. إما دولتنا التي تشكل الدين الإسلامي فيها أكثر من 97 % "ذات الغالبية الدينية الإسلامية" وتجد نسبة غير المتدينين بالإسلام بما فيهم المسيحية وغيرها من الأديان لا يتجاوزون نسبة 3 % من جملة سكان السودان، وهذا لا تعني بأن غالبية الشعب السوداني يريدون أن يحكمهم رئيس مسلم أو مسيحي، وأيضًا لا تنعني بأن الشعب يريد تأسيس دولة إسلامية أو علمانية. فإذا نظرت للذين يتباكون عن تحول السودان إلى دولة علمانية غالبيتهم من عناصر النظام البائد أو من المخدوعين الذين غسلت أدمغتهم من قبل تجار الدين الذين تعاقبوا على حكم البلاد طيلة العقود الماضية أو هم من الذين يريدون حقًا تطبيق الدولة الإسلامية بالمعنى الصحيح. والآخير لايقبلها حتى هم نفسهم ناهيك عن عناصر فلول النظام المقبور، فإذا قلنا نطبق الشريعة الإسلامية على أصولها وتأسيس الدولة الإسلامية في السودان، لتجد في اليوم التالي من الذين يرفضون الدولة العلمانية مبتوري الأطراف "ستقطع أيديهم أورجلهم من خلاف" ستتطبق عليهم حد السرقة، فهؤلاء هم اللصوص يحبون البقاء في السلطة ويريدون أكل أموال الناس بالباطل ولاينظرون لتقدم الشعب، فتجد هؤلاء يرسلون أبناءهم إلى الدول العلمانية الكبرى ليدرسوا فيها الطب، الهندسة والعلوم ويتلقوا أبناءهم أفضل الكورسات التعليمية والعملية ويريدون لأبناء الشعب الدراسة في الخلاوي بالداخل وفي المدارس التي دمروا مناهجها عن طريق تداخل سياساتهم الدينية والعقائدية في المناهج الدراسية؛ لكي لا يتلقى أبناء الشعب "الفقراء" التعليم الجيد لمنافسة أبناءهم في السلطة، وفي أمتيازاتهم التاريخية ومكانتهم الإجتماعية. إما إذا نظرنا إلى قائمة الدول العلمانية المتطورة ذات غالبية إسلامية أو فيها عدد مقدر من السكان المسلمون ستجد في مقدمتهم سنغافورة ذات النمو المطرد، وتركيا التي أصبحت الملاذ الآمن للذين يرفضون العلمانية، فإذا سالتهم لماذا تهرب من بلدك ذات التوجه الديني إلى البلاد العلمانية فلايستطيع الرد عليك سوى أنهم يكرهون كلمة العلمانية فقط. وهذا يدل على جهلهم المتعمد وخواهم الفكري والسياسي الموروث من سياسات التعليم الذي دمروه فترة حكمهم للبلاد ليحكموا قبضتهم على موارد تلك البلاد وتسهيل طريقة إقتيادهم للشعب كقطيع لا يعرف سوى الدفاع عن أنظمة حكمهم المنبوذ التي لاتشبه اديانهم ولا حتى عاداتهم اوتقاليدهم. فعلمانية الدولة كما أسلفنا تعني أن تكون الدولة دولة مؤسسات محايدة عن التدخل في الأديان، وإستغلال رجال الدين للسلطة عن طريق أمتيازاتهم التاريخية بالشعوذة والدجل، وأن يكون نظام الحكم علماني فيدرالي ديمقراطي والجميع فيه متساويين في الحقوق والواجبات، ولا فرق بينهم كما هو الآن. والعلمانية عمومًا تعني العلم في اللغة العربية، وإما في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية مشتقة من اللاتينية وتعني العامة أو الشعب. ففي نهاية المطاف نحن نريد سلام وأمن مستدام وأن تقف الحروبات الاهلية والمناطقية، وأن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ونبذ النعرات الطائفية، وطي صفحة الماضي االتي خلفتها الحروبات الأهلية على أساس الدين والعرق، وان ننفتح للعالم بصدر رحب، ونرسخ معاني الانسانية والديمقراطية في بلادنا، وأن نغرس قيم السلام ومعنى التسامح وحب الوطن في نفوس أطفالنا الذين هم أمل الغد بعيدًا عن الموروثات الأثنية والجهل الذي ورثناه نحن من حكام الأمس.