في الحقيقة هذا العنوان ينطبق على معظم الشعوب الإسلامية و لكن نتيجة لحملة تغبيش الوعى و التدليس الذي مارسته جماعة الإسلام السياسي ، فأصبح مصطلح العلمانية عبء ثقيل على كاهل من يؤمن بأن العلمانية في الأصل هي الدولة الحديثة، و لكن الحملة الممنهجة ضد المصطلح جعلت الكثيرين دون أدنى معرفة و دراية في حالة خصام و فصام ضد هذا المصطلح الموسوم بالكفر و الإلحاد ، فبينما نجد أن الدولة العلمانية هي دولة المؤسسات و التخصصات في على سبيل المثال رجال دين و حفظة القرآن و أئمة مساجد لو طلب منهم القيام بإدارة و تشغيل محطات الكهرباء أو مشاريع المياه و إدارة المرافق العامة بالطبع سيرفضون و لكن لو وافقوا على هذه المناصب الكل و الجميع سوف يعترض لأنهم ليس مهندسين و ليس لديه الخبرة الكافية في علم الإدارة . بل هم رجال دين لا صلة لهما بالشأن الفني الدنيوي و هذا من صميم العقيدة الإسلامية عندما مايز و فرق الرسول (ص) بين الشأن الفني الدنيوي و الشأن الديني في حديث تأبير النخيل (أنتم أدرى بشؤون دنياكم) و أيضا لو خرج علينا رئيس الوزراء د عبد الله حمدوك متسربل بعبأة رجل الدين كما يفعل الرئيس المخلوع عمر البشير سوف يعترض الجميع على تعاطيه مع المنصب الذي أختير إليه بسبب مؤهلاته العلمية من أشهر الجامعات البريطانيةو ليس لأنه خريج معاهد دينية أو كليات لاهوتية لذلك معيار الأختيار للمنصب معيار دنيوي بحت لا علاقة له بالشأن الديني و حتى الآن لا نعلم مشربه الديني أو أي مدرسة دينية يتبع لها، بل نعلم بأنه في بواكير حياته كان ينتمي للحزب الشيوعي الذي لديه موقف واضح من علاقة الدين بالحياة االسياسية . و مثال آخر لو أعلن د كتور إبراهيم وزير المالية الحالي بأنه لا يستطيع معالجة المشكلة الإقتصادية و علينا معالجة الأمر بالتسبيح كما فعل وزير مالية حكومة الإنقاذ الزبير محمد الحسن، عندما طلب من أعضاء البرلمان الإكثار من التسبيح حتى تعالج المشاكل الإقتصادية الماثلة . فرد الفعل الطبيعي للكل و الجميع المطالبة بتقديم إستقالته على الرغم من تقديمه الوصفة الدينية . لكن حمدوك و خليل و بقية الوزراء درسوا علما دنيويا و ليس دينيا و لا تنطبق فيهم معايير رجال الدين المعروفة من حفظ القرآن و علم الحديث و الناسخ و المنسوخ و الجرح و التعديل و غيرها من مقررات العلم الديني لذلك تم إختيارهم من أجل مؤهلاتهم الدنيوية و ليس الدينية . لذلك الكل و الجميع متفقون بأن رجل الدين ليس سياسي أو إقتصادي او مهندس أو طبيب أو فني أو خلافه من أصحاب التخصصات الأخرى . و أصحاب التخصصات الأخرى ليس رجال دين توكل لهم الشؤون الدينية التي تحتاج للتخصصية . لذلك عندما قامت العلمانية في أوروبا كانت ضد هيمنة رجل الدين على الحياة االسياسية و الإقتصادية و العلمية ، و النماذج كثيرة على تدخل المؤسسة الدينية في أوروبا ( الكنيسة) في الحياة العلمية، السياسية و الإقتصادية على سبيل المثال حرق عميد جامعة براغ (جان هوس) و قطع لسان الأستاذ بالجامعات الأوربية (بريني) بسبب منتوجه العلمي و الفكري و إصدار حكم الإعدام في حق (جاليلو) و وصية (كوبر نيكس) بأن ألا تنشر أبحاثه العلمية إلا بعد وفاته حتى لا يتعرض لمحاكم التفتيش و الإتهام بالرهطقة . نافلة القول بأن العلمانية هذا الغول المخيف الذي يتدثر بثوب الكفر و الإلحاد ما هو إلا الدولة الحديثة الماثلة أمامنا في جميع بقاع الأرض التي ترفض هيمنة المؤسسة الدينية على الحياة االسياسية ، الإقتصادية ، العلمية و الفكرية و لا توجد في عصرنا هذا دولة دينية وهي المقابل للدولة العلمانية إلا الفاتيكان وهي دولة رمزية أكثر من كونها دولة حقيقية . لذلك نحن نعيش في خضم الدولة العلمانية التي نواتها معاهدة وستفاليا سنة 1648م التي حددت علاقة المؤسسة الدينية بالمؤسسة السياسية و تعتبر هذه المعاهدة هي النواة و المرجعية لقيام الدولة الحديثة بشكلها الحالي و تعتبر البذرة الأولى للقانون الدولي المتعلق بنشأة الدول الحديثة. لكن نجد كثير من مدارس الفكر الإسلامي السياسي تريد تجيير الدولة برتوش و مساحيق لا تساوى 1 % من المرتكزات الأساسية للدولة الحديثة لصبغها بالصبغة الإسلامية . عليه إذا كنت ترفض هيمنة المؤسسة الدينية على شتى مناحى الحياة االسياسية، الإقتصادية، العلمية و الفكرية فأنت علماني حتى النخاع شئت أم أبيت . المملكة المتحدة