دائما ما يسأل اهل المريض النفسى الطبيب عن اسباب حالة مريضهم. وهنا يتسمر الطبيب احيانا وتتملكه الحيرة في الإجابة على هذا السؤال الصعب. فيكون الرد تقليديا وتلعثميا بأن المريض النفسي شأنه شأن كل مرضى الامراض العضوية مثل القلب والسكري والكلى ولكنه نفسي. رغم ان العلماء وحتي الآن محتارون في معرفة مسببات الامراض النفسية ، وفقط يقولون ان الامراض النفسية تحدث نتيجة عوامل بيولوجيةو سيكولوجية وبيئية تتسبب فيها بعض العوامل التي تحدث داخل مخ الإنسان نتيجة خلل وظيفى فى دوائر خلايا المخ العصبية. وهي ما تسمي ب(بحيرة كيمياء المخ العصبية). وقد تكون المسببات احيانا إصابة المخ بتسمم نتيجة إدمان المخدرات لمدد طويلة، مما يخلق حالة من التوتر الشديد والاكتئاب. واحيانا من الهلع والشعور بالاضطهاد من عدم الأمان النفسى، و كذلك هناك بعض العوامل الاجتماعية المسببة للأمراض النفسية منها فقدان الحنان الأسرى أو التنقل احيانا بين مدارس ومدن كثيرة تبعا لوظيفة الأب، كل ذلك يخلق حالة من عدم الاستقرار التى تهيئ مع ظروف أخرى للإصابة بالاضطراب النفسى. وهناك بالتاكيد أمور أخرى مثل الحروب وارتباك المجتمع وانشقاقه والصدمات العصبية و كلها عوامل تتضافر لتسبب الاضطرابات النفسية التى تسهل الوقاية منها بالدفء الإنسانى والعائلى، الكلمة الحلوة والترفيه والترويح والخروج إلى الهواء الطلق ولقاء الأصدقاء والقدرة على الضحك و الاستمتاع بمباهج الحياة. فصدقوني اخوتي اننا في حاجة ماسة لوقفة حقيقية للحد من تشعبات امراضنا النفسية و الفكرية والعصبيه و التي بدأت تنتشر في بلادنا انتشار النار في الهشيم. فالامراض النفسية والعصبية قد ازدادت وتيرتها في بلادنا بنسب مخيفة جدا وحسب تقارير المختصين في هذه المجالات. وها نحن نرى الضحايا في الشوارع هائمون على وجوههم دون منقذ وكم من نفر تقابله في الشارع وهو يتحدث مع نفسه . والمشكله ان كل مريض نفسي في نظر المجتمع هو مجنون يجب عزله في غرفة و تكبيله بسلاسل حديدية ذرعها سبعون ذراعا . وهذا تصور خاطيء على الإطلاق. فقد يحتاج هذا المريض تشخيصا صحيحا. وان كانت هذه الأمراض قد بدأت تتمدد في مجتمعنا وقد تصبح عويصة و بلا حل وخاصة مع تفاقم الأحوال الاقتصادية. وحقا فالمشهد قد أصبح كارثيا و مخيفا في بلادنا و الأرقام الطبية في تتصاعد مهول. ففي السودان يعاني الكثيرون من هذه الأمراض النفسية والعصبية. في وقت لا تتوفر فيه الكثير من المستشفيات المتخصصه لعلاج هذه الأمراض. وفقط لدينا 3 مستشفيات في السودان وهي مستشفى طه بعشر والتجاني الماحي ومستشفى الشريف وبعض مراكز الأقاليم. وهذه كارثة لبلد عدد سكانه قد قارب الخمسون مليون نسمه. وقد قال الأطباء أن أكثر الأمراض النفسية انتشارا في السودان هو مرض انفصام الشخصية ( الشيزوفرانيا) وهو من أسوأ الامراض النفسية ومن أهم أعراضه الهلوسة وتخيل واعتقاد قضايا غير حقيقيه وافكار غريبة يصدقها المريض وغالباً ما يشعر بأنه مراقب أو أن هنالك من يترصد به لإلحاق الأذى به. والمشكلة الحقيقية لهذا المرض أن أكثر المرضى يلجئون للدجالين والسحرة.. والمرضى في هذه الحالة يتوهمون بأنهم مصابون بمس من الجن إلا أن معظم هذه الامراض يمكن علاجها في مراحل متقدمة بأخذ العلاج والادوية التي تعمل تدريجيا على إزالة الأعراض. ومن الأمراض النفسية الأكثر انتشارا مرض الاكتئاب ومن إعراضه شعور متعاظم بالاحباط وعدم الرغبة في التماشي مع تيار الحياة.. وفقدان الطموح والأمل في المستقبل. وهناك العديد من الأمراض النفسية الكثيرة الأخرى والتي تكون أخطر بكثير على الناس. ولعل أكثر ما يعاني منه المريض النفسي هي تكلفة العلاج الذي يلزم استمراره لاعوام طويلة فأين له بتلك التكلفة. و السؤال الذي يطرح نفسه بعحالة كم يا ترى ميزانية الصحة النفسيه في بلادنا؟ وان كنت على يقين بعدم وجود ميزانية اصلا لعلاج هذه الأمراض الخطيرة والتي تفوق الأمراض الجسدية والعضوية الأخرى خطورة. ويقول مستشار الطب النفسي بروفيسور علي بلدو ان 80% من الأطباء النفسيين قد هاجروا وتبقى 55 طبيباً فقط في السودان اننا هنا ندق ناقوس الخطر بأنه يجب رصد ميزانيات مقدرة لعلاج مرضى الأمراض النفسيه. فالامراض النفسية والعصبية تنتشر بسرعة عجيبه ولعل ما سرع وتيرتها سوء الأحوال الاقتصادية و انتشار المخدرات بين الشباب في المدارس والجامعات. الأمر جد خطير اخوتي ولكن لا حياة لمن تنادي.