هل تعلم اخي العزيز ان اقسي دروس التاريخ على الإطلاق هي سقوط الخلافة العباسية و العثمانية بسبب خدمة الدين بطريقة خاطئة للسياسة و تدخل السياسة في الدين و فرض ميولها على الأحكام التشريعية. و ان كان هذا التداخل و التمازج المغلوط بين السياسة و الدين ليس بسبب مباشر لسقوط تلك الدول الا انها كانت سببا من الأسباب. وان كان الهوس الديني الذي مورس في تلكم الدول قد ساهم كثيرا في سقوطها كما هو حالنا في الدولة السودانية الكيزانية المشئومة وما حدث في عهدهم الاسود و المشروع الحضاري الفاشل الذي شهد فيه السودان اسوء عهد فساد في تاريخه الحديث واسوء ابادة جماعية في تاريخ الأمم وهي ابادات شعب دارفور. فلقد انتشرت العديد من الفتن التي لا حصر لها في المجتمع السوداني. وهذا ما جعل السودان يخلف جيلا ضائعا ليس لديه مرجعية أو ثوابت. فلقد تم عزل السودان دوليا فاصبح كالاجرب الذي لا يقترب منه أحد. واقفلت البلاد كما البانيا أنور خوجة الذي عزل بلاده سياسياً واجتماعياً عن جميع بلدان العالم فقيدت هذه السياسات الخرقاء الحريات الشخصية في ألبانيا. وأبقت عليها كأفقر بلد بالقارة الأوروبية. فقاطع العالم ألبانيا كاسوء ما تكون المقاطعة. فتدمرت البلاد عن بكرة أبيها وجاع الناس . وهكذا كان السودان وما تسبب فيه حكم الكيزان الطاغي والذي حول السودان إلى بلد من العصور الوسطى يملك نفقا وحيدا اسمه نفق عفراء وشارع راقي واحد اسمه شارع المطار ومطار قبيح سخر منه المصريون بأه (اوضه وبرنده) ومؤسسات متهالكة الفاقدة للتمويل الخارجي. وهذا غير التردي الكبير الذي أصاب الكثير من المشاريع القومية التي كانت عصبا للاقتصاد السوداني . وأنا هنا لا أدعو لفصل الدين نهائيا عن السياسة ، بل أدعو لتحكيم الدين في أمور حياتنا بطريقة متوازنة ودون الركون إلى الغلو في توجيه السياسة بممارسة القتل وسفك الدماء. و حتى يتم هذا الأمر فنحن نحتاج إلى نخبة من الشيوخ العلماء المثقفين الواعين المنفتحين و الوسطيين اللذين لا يفرضون علينا مذهبا بعينه لنتبعه و إن لم نتبعه نصبح كفارا ووجب قتل 50٪ منا. نخبة لا تكون لعبة لسلطان جائر. نخبة لا تسكت عن الحق وقد سكتوا جميعا عن جرائم الفساد والقتل المحرم في البلاد. فمثل هذه الممارسات والميل بالدولة نحو الأفكار الداعشية وتبني افكار الحركات الإرهابية والجماعات الجهادية الفكرية و التي انتشرت حول العالم تقتيلا للابرياء . وجعل الخرطوم منطلقا لتلك الجماعات المنحرفة واستطافتهم بعد جمعهم من كل الدول المارقة في مزارع خارج الخرطوم وتدريبهم على (امريكا وروسيا دنا عذابها ) هي الفتنة ذاتها وهو الانتحار ذاته وهو التدمير لهذا الوطن .... فقد جلبت هذه الممارسات الخاطئة الويلات للسودان مهالك ولا اظن جازما أن جنات الله والحور العين تجمع القتلة والمجرمين أو أن يرضى عنهم الله الذي حرم قتل النفس. فكم والله أشعر بالأسى و هذا الجيل الضائع الذي كان ضحية لأفكار الترابي الذي دفع بهم إلى المحارق فتوهموا انهم في الجنان العلا ينعمون مع الحور العين ... ليأتي بعدها وبقليل ليصفهم بانهم (فطايس). فلكم الله أيتها الأسر المكلومة وقد فقدت أبنائها في الحروب بسبب هذه الأفكار الشيطانية. جيل خدعته فتوى الرضاعة القديمة و التي لم تتطور ابدا.. حتى صرخ هذا الجيل في ثورة ديسمبر بأنهم قد سئموا تحكم شيوخ السلطان بمصيرهم. و بل وطالبوا بأن يغربل هؤلاء الشيوخ ويتم تغيروهم لأنهم (شيوخ باسطه) وهكذا قالوا وهكذا هتفوا... وقالوا لماذا لا تكون لنا هيئة دينية تتكون من شيوخ راسخون في العلوم الشرعية و مثقفون يجيدون عدة لغات أجنبية و يعرفون كيف يقودوننا للتعامل مع الانفتاح الثقافي الذي يعم العالم المتحضر و بدون أن نضطر لتمييع ديننا و خسارة هويتنا. والمصيبة جاء رد الإسلاميين عليهم اتهامات سافرة . بأنهم ملحدون…. وأنهم كفرة…. وأنهم اتباع لينين…. وأنهم يقرون سيداو… وأنهم سكارى… وأنهم صعاليك… وأنهم يريدون أن تشيع الفاحشة… وأنهم أهل مريسة… وأنهم سكارى… وأنهم وأنهم…. وحتي الآن لم يراجع الإسلاميون أخطاء تجربتهم التي كانت وامتدت ثلاثون عاما. ومازالوا في ضلالهم القديم تخريبا للاقتصاد وتاليبا للشعب ضد حكومة الثورة. وحتي الآن لم ينظموا صفوفهم كما ينبغي. وحتي الآن يهددون ب (ولترق منهم دماء ولترق كل الدماء) ومازالت جينات الشر تتكاثر في أجسادهم الشيطانية وتنتشر فيه انتشار النار في الهشيم. وحتي الآن لم يتوبوا إلى الله على الأرواح التي ذهبت سدى في عهدهم. وفي هذا يقول الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار عن (بيداغوجيا الخطأ) التي تقوم على اعتبار الخطأ استراتيجية للتعلم والتعليم. يقول: (الحقيقة العلمية هي خطأ تم تصحيحه) ذلك أن باشلار يعتقد أن الخطأ هو أساس التعلم، ولولا الخطأ ما أدرك الطالب الصواب والحقيقة . وهو ما يفعله المُعلم ليُعلم الطفل معرفية جديدة من خلال الخطأ. وحقا فإن تكرار الخطأ هو المُسبب الرئيسي لتماثل النهايات. لأن الأشخاص الذين لا يرتكبون الأخطاء... هم فقط أولئك الذين لا ينجزون شيئا. وكم سعدت اخوتي كثيرا ودعوات بعض عقلاء الإسلاميين الذين يطالبون بوقفة مع النفس وتأمل للتجربة الفاشلة. وتلمس أخطاء الماضي التي أودت بهم إلى مزابل التاريخ. ليعودوا بتجربة نقية يرضى عنها هذا الشعب المسلم الذي اقتلعهم بليل. فالعاقل من يتعلم من تجاربه.. ولا يكرر أخطاءه"