بعد تغيير اسمه، وترك أمر هيكلته للمكون العسكري؛ تزايدت التساؤلات التي ظلت تدق باستمرار في أذهان المواطنين والثوار، حول: أين أصبح موقع جهاز الأمن الذي تحول اسمه إلى جهاز المخابرات العامة؟ وما دوره في المرحلة الحالية من عمر الانتقال السياسي؟ وهل تشرف عليه الحكومة المدنية التنفيذية مباشرة؟ وما مصير قانون الأمن الداخلي المقترح وتكوين جهاز أمن جديد بدل الجهاز الحالي سيء السمعة باعتباره أحد أكثر الأجهزة التي مارست القمع في عهد النظام السابق؟ وسط كل ذلك؛ طالب خبراء أمنيون ومحللون سياسيون بأن تتصدى حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لمسؤولياتها بشجاعة، وبدون مجاملة في ما يتعلق بإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعلى رأسها جهاز الأمن والمخابرات، وإبعاد هذه الأمور من مطحنة المحاصصة السياسية، متسائلين حول مصير هذا الجهاز المهم، وبقاء قلم تقرير مصيره بيد المكون العسكري في السلطة. تبرز هذه الأسئلة الكثيرة، مصحوبة باتهامات متواصلة كلما حدثت احتقانات قبلية، أو اضطرابات أمنية في عدد من الولايات، حيث سرعان ما تذهب أصابع الاتهام بالإشارة لجهاز الأمن، ففي يناير من العام المنصرم، نفذ أفراد هيئة العمليات المحلولة التابعين لجهاز الأمن عملاً مخططاً وتمرداً على الدولة، بدأ بإطلاق للنار في أحياء كافوري وفي الرياض، وسوباً، تخويفاً وترويعاً للمواطنين وتحدياً واضحاً لسلطة الحكم الانتقالي. وقد تمكنت الأجهزة العسكرية من السيطرة على تمرد هيئة العمليات، لكن تلك الحادثة ترك عدداً كبيراً من الأسئلة، خصوصاً أن الهيئة سبق وأن صدر قرار لحلها، لكن عناصرها ظلوا يحتفظون بسلاحهم لعدة أشهر، ما جعل مراقبين يرون أن ترك أمر إعادة هيكلة القوات النظامية للمكون العسكري مسألة فاشلة، وربما يكون بها قدر متعمد من التواطؤ بقصد زعزعة الأمن وخلق فراغ يظهر ضعف الحكومة الانتقالية والفترة الانتقالية في مجملها. ودعا عدد من المحللين إلى ضرورة إعادة النظر في مسألة تبعية هيكلة جهاز الأمن للمكون العسكري، كما نصت الوثيقة الدستورية، وفي هذا الصدد قال الكاتب الصحفى والمحلل السياسي علاء محمود ل (مداميك)، إن الثورة الحقيقية هي التي تقتلع الأجهزة القديمة، لأنها تنتمي وتتمثل الدولة القديمة، مبيناً أن ذلك حدث في كل الثورات، إذ كان تحطيم جهاز الدولة القديم هو الانطلاق نحو التأسيس الجديد. وشكك محمود في أهداف المرحلة الانتقالية برمتها. وأضاف: "ولكن لأن الحكومة الانتقالية تنتمي للقديم فعلياً، ممثلاً في المجلس العسكري والذي هو تفسه اللجنة الأمنية للنظام السابق، وكذلك من ناحية المصالح التي تجمع هؤلاء بمجموعة المدنيين في الحكومة، فإن قضية تحطيم الأجهزة القديمة وعلى رأسها جهاز الأمن العقائدي الأيديولوجي لن تكتمل، وهذا يقف كدليل على أن لا فرق بين سلطة البشير والسلطنة الحالية".