شهدت الساحة السياسية تحركات متواترة خلال اليومين الماضيين استهدفت إعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والقوى الثورية من جانب، وإدخال إصلاحات شاملة على تحالف قوى الحرية والتغيير من جانب آخر، في محاولة للتعامل مع الغضب المتصاعد في الشارع الذي ينادي بإسقاط الحكومة واتهامها بالفشل في التعامل مع العديد من الملفات الحيوية. وقاد رئيس الحكومة عبد الله حمدوك تلك التحركات وعقد الخميس اجتماعا مطولاً مع قيادات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ولجنة الإصلاح الفنية داخل التحالف الحكومي لتوحيد صفوفه ليشكل كتلة صلبة في مواجهة القوى التي تحرك الشارع، ودعم التوجه نحو إجازة حكومته لقانون النقابات المهنية والعمالية أخيرا، باعتباره مطلباً رئيسياً لتجمّع المهنيين السودانيين. بموجب القانون الجديد أضحى لدى العمال والمهنيين الحق في انتخاب نقاباتهم واتحاداتهم المهنية وإنهاء مهام لجان التسيير التي تكوّنت لإدارة النقابات والاتحادات بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير، ما يشي بأن الحكومة ذاهبة باتجاه توسيع قدرات تجمّع المهنيين الذي ستكون لديه حرية الحركة داخل أكثر من 17 نقابة بفعل شعبيته الكبيرة التي حصدها من مواقفه القوية قبل الثورة وبعدها. وتستهدف الحكومة أن تكون النقابات المهنية والعمالية أحد الأذرع الفاعلة للمكون المدني في السودان، وبالتالي ستكون أكثر حرصاً على إعادة صياغة علاقتها التي تدهورت ووصلت حد القطيعة مع تجمع المهنيين السودانيين والذي يشكل جسداً ثورياً منبثقاً عن النقابات المهنية ويقود فعاليات يومية في الشارع تطالب بإقالة الحكومة. وبرهنت التحركات أن المكون المدني استفاق متأخراً من حالة التيه التي سيطرت عليه منذ تشكيل أول حكومة بعد الثورة، ووجد أن ميزان القوى يذهب إلى صالح المكون العسكري والقوى الثورية غير المشاركة في الحكومة وفلول البشير أيضاً، وبات الحلقة الأضعف وفي حاجة إلى وسائل إنعاش سياسي. إبراهيم الأمين: قوى الحرية والتغيير ستجتمع لإعادة هيكلة التحالف الحكومي وقالت مصادر حضرت الاجتماع بين حمدوك وقوى الحرية والتغيير ل"العرب" إن التحالف الحكومي توصل إلى جملة من المشتركات الأساسية بين القوى المدنية داخله، وجرى التوافق على أن تكون المصلحة العليا للبلاد أساس التحرك الموحد والمتفق عليه داخلها، وعدم إقصاء أيّ جهة أو إتاحة الفرصة لينتصر طرف على آخر. وأكد القيادي البارز في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إبراهيم الأمين أن السودان يشهد حراكاً واسعًا لإعادة هيكلة المكون المدني، وهناك مبادرة قدّمها عدد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني تسعى للتعامل مع القضايا التي تشغل المواطنين بصورة أكثر جدية وبمزيد من الشفافية على أن تبدأ هذه الهيكلة من التحالف الحكومي باعتباره قلب المنظومة الحاكمة. وأوضح في تصريح ل"العرب" أن الأحزاب السياسية ماضية في إحداث مراجعات لمواقفها في المرحلة السابقة بما يجعلها قادرة على تعديل برامج عملها ووضع خارطة طريق لما تبقّى من الفترة الانتقالية وصولاً إلى إجراء الانتخابات. وكشف الأمين عن عقد "جلسات شفافة" للأحزاب المشاركة في قوى الحرية والتغيير تبدأ قريبا، وهي عبارة عن حلقات نقاش للمكاشفة والمصارحة تضمن الوصول إلى إعادة هيكلة التحالف الحكومي بصورة سليمة لتضم كافة مكونات الثورة، وبعدها يجري الإعلان عن جملة من القرارات الجديدة التي تخضع للتفاوض حالياً. وتجد الأحزاب السودانية المشاركة في السلطة نفسها في مأزق لأن وجودها في وجه مدافع الغضب التي يطلقها المتظاهرون يؤدي إلى خسارتها المكاسب التي حققتها منذ اندلاع الثورة، وتسعى إلى توسيع الدائرة لتضييق الخناق على القوى التي توظّف غضب الشارع في توجيه الضربات إليها. والأمر لا ينطبق فقط على بعض الأحزاب غير المنضوية تحت لواء قوى الحرية والتغيير أو تجمع المهنيين، لكن التحالف الحكومي عازم على إعادة صياغة علاقته مع المكون العسكري، وعقدت اجتماعاً مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان قبل أيام، سبقه آخر مع نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو. وكشف إبراهيم الأمين ل"العرب" أن الاجتماع مع رئيس مجلس السيادة ثم نائبه لا ينفصلان عن الحراك الداخلي الذي يستهدف القيام بإصلاحات جوهرية في أساليب عمل التحالف الحكومي، وأن النقاش مع المكون العسكري دار حول أهمية إعلاء العمل الجماعي وتفادي الاختلافات التي تعرقل عمل السلطة. وعلمت "العرب" من مصادر سودانية قريبة من الحكومة أن هناك اجتماعاً مرتقباً يجمع بين رئيس الوزراء والتحالف الحكومي وقيادات الحركات المسلحة المشاركة في السلطة للاتفاق حول الرؤى السياسية والاقتصادية الرسمية، على أن تكون الحركات جزءا من خطة إعادة الهيكلة التي تطال جميع الأطراف. وقد تفرز هذه المحاولة عن واقع سياسي جديد يقلص مساحة الحركة أمام فلول البشير الذين يراقبون الوضع الراهن ويلعبون على التناقضات التي تظهر بين عناصر الطبقة الحاكمة، وهي ثغرة استغلّتها هذه الفلول للتواجد في الشارع دون أن تكون لها القدرة على التأثير، ولكنها تلعب على وتر الأوضاع الاقتصادية الصعبة لإعادة التموضع. وألقت السلطات السودانية القبض على عدد من العناصر الإخوانية أثناء مداهمة لاجتماع سري للتنظيم شرق الخرطوم، بموجب إجراءات لجنة التفكيك وإزالة التمكين التي رصدت لأنشطة عناصر محسوبة على نظام الرئيس المعزول وتخطيطهم لإثارة الفوضى، مستغلين حالة الغضب على زيادة أسعار الوقود. وتقوّي التحركات الحالية المكون المدني في ظل توجه الحكومة نحو اتخاذ إجراءات لتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين، والأمر يتطلب أن يكون هناك توافق سياسي عليها مع عدم التراجع عن سياسة رفع الدعم عن بعض الخدمات العامة. وتعتزم الحكومة التوسع في برنامج "ثمرات" ويستهدف الوصول إلى الطبقات الفقيرة ليصل إلى 80 في المئة من المواطنين بواقع 5 دولارات شهرياً للفرد الواحد، وتمضي في إنهاء الاختلالات الإدارية التي تعيق تنفيذ المشروع. وتجهّز الحكومة أيضاً لإعادة تفعيل مشروع "سلعتي" وهو عبارة عن جمعيات تعاونية في الأحياء الشعبية تقدم المواد التموينية بسعر المصنع عبر قنوات الأحياء وأماكن العمل، لكنّ عمله يواجه العديد من المشكلات، وتستهدف الحكومة توسيع مظلته ودعمه بموارد أخرى لتوفير السلع الضرورية بأسعار معقولة لتخفيف حدة الاحتقان.