أكثر ما يُقلق على مستقبل السِجال السياسي الذي سيسود السودان الديموقراطي بعد إكمال الفترة الإنتقالية لبرنامجها وإيصال البلاد إلى إنتخابات حُرة ، إستمرار ثقافة الإنتقاد والمُعارضة السياسية على ذات النسق القديم ، والذي تنبني معاييرهُ على الإنطلاق من موطن الغبائن والمآرب الشخصية وأحياناً (الضغائن) ، فإتجاهات النقد السياسي في أوساط أحزابنا وهيئاتنا ومنظوماتنا السياسية (إلا من رحم ربي) ، أصبحت من النادر أن تنطلق من فقه المنطق والمعقولية والوسطية في الطرح ، بل أصبحت على الدوام في مُجافاة وتناحُر مع المصلحة العامة ، حتى لو كانت النتائج والمآلات وخيمة مثل ما يمكن أن يحدث من تشظي ومآسي لو لا قدر الله إنحرفت سفينة (الموازنات) التي تضطلع بها قيادة البلاد ممثلة في السيد / رئيس الوزراء ، والمُتعلِّقة بدفع جميع الفُرقاء للعمل على قلب رجل واحد من أجل إنجاح برنامج إنتشال السودان من هوتهِ العميقة على المستويين الامني والإقتصادي ، هذا فضلاً عن ترسيخ دعائم المسار الديموقراطي وتأمين السلام الشامل وموجبات التعايُش السلمي بين كل مكونات المجتمع ، بالإضافة إلى توطين التنمية المستدامة. كيف يمكن أن يُنظر إلى تصريح السيد / مبارك الفاضل رئيس حزب الأمة المُتعلِّق برأيه في لجنة إزالة التمكين وإتهامها بأنها الدولة الحقيقية التي تحكم السودان من وراء ستار ، دون الأخذ بالإعتبار ما لا يمكن أن يكون له معنى خارج إطار (الضغائن) الناتجة عن مواقف الثورة ومبادئها من أمثالهِ ؟ ، فكيف لمتعاون وداعم للإنقاذ البائدة ضد شعب السودان وآماله وتطلُّعاتهِ أن يرضى بما تفعلهُ لجنة إزالة التمكين في ما تبقى من صروح الظلم والفساد وإذلال البسطاء بإسم الدين والشعارات الهوجاء الزائفة ؟ ، أمثال مبارك الفاضل من الطبيعي أن لا يقفوا خلف أبواب الحق ، لأن المرء يُحكم عليه بتاريخه ومواقفه ومبادئه التي يوثِّقها لهُ التاريخ ، وهو لم يكن يومأً رجل وفاء ولا حكمة ولا تجرَّد ولا إنحياز للمصلحة العامة. نُقاد الضغائن والمآرب الشخصية ما زالو يملأون صفحات التواصل الإجتماعي ، بمعارضتهم للمنطق قبل الحكومة ، يستهزئون بما تم إنجازه في ملحمة تهيئة البلاد للتعامل الإقتصادي مع العالم الخارجي بعد حرمان دام أكثر من عشرين عاماً ، مُعلَّلين ذلك عبر فقه (الضغينة) السياسية ، بأن موارد السودان المهولة قادرة على سد إحتياجات الإقتصاد السوداني ، وهم أكثر من يعلم إن إستخراج وتدوير تلك الموارد يحتاج إلى مليارات الدولارات التي لا يستطيع توفيرها إلا المجتمع الدولي عبر هيئاته المالية ، أو بديلاً لذلك الوقوع من جديد في أحضان المحاور الإقليمية وإرتهان كرامة وسيادة بلادنا الباسلة ، نفس أولئك المدفوعين بالضغائن والمتجاوزين لمُقتضيات المصلحة الوطنية العُليا ، ينتقدون برنامج ثمرات الذي وضعتهُ الحكومة الإنتقالية للتخفيف من آثار رفع الدعم عن المواطن ، بعيداً عن المُنطلقات التصحيحية والبنَّاءة ، بل عبر إنتقادات هدَّامة تستهدف نسف المبدأ نفسه ، حيث إعتبرهُ البعض مُجرَّد خدعة تتداولها الحكومة فقط لتخدير الشعب المغلوب على أمره ، في حين إنهم لو إستهدفوا في ذلك المصلحة العامة لإنصب نقدهم للحكومة في إستعجالها رفع الدعم قبل تأكيد سريان تنفيذ وتفعيل برنامج ثمرات ومثولهُ أرض الواقع ، من الواجب على الحادبين على الثورة وعلى المصلحة الوطنية العُليا أن ينتبهوا ويُفرِّقوا ويستبينوا بين (إنتقادات الضغائن والمآرب الشخصية) ، وبين الإنتقادات البنَّاءة التي تستهدف المصلحة العامة وتصحيح المسارات وتحقيق الأهداف النبيلة للثورة والثوار. هيثم الفضل