1- من غرائب الصدف، ان اليوم الجمعة 2/ يوليو الحالي 2021 يصادف الذكري الخامسة والاربعين عام علي دخول "قوات حركة 2 يوليو" مدينة الخرطوم واحتلالها احتلال كامل، بل حتى القيادة العامة لم تسلم من الحصار وخضعت للسيطرة لمدة اربعة ايام بلياليها. 2- بكل المقاييس يعتبر يوم 2/ يوليو 1976 وما بعدها من اربعة ايام واحدة من أسوأ الاحداث الدامية التي وقعت في السودان، ودخلت الحادثة التاريخ السوداني تحت اسم (حركة 2 يوليو 1976)، وايضآ، كان هناك لقب اخر اصبح اكثر شهرة من الاسم الاول وهو (حركة المرتزقة)، وكان الرئيس النميري وقتها هو من اطلق هذا اللقب كنوع من التحقير علي محاولة التغيير بالقوة لنظام الحاكم، والتي بدرت من مجموعة سودانيين مسلحين قدموا من الخارج للاطاحة بنظام النميري، انتشر لقب (حركة مرتزقة) وسط الجماهير بسرعة فائقة بفضل الاعلام والصحافة التي كثفت من تردد اللقب. 3- أهدي هذا المقال التاريخي الهام – بصورة خاصة الي كل من لم يعاصر وقوعها قبل خمسة واربعين عام-، ولكل من لايعرف الا بالقليل عنها بسبب التعتيم والاهمال المتعمد لاغلب احداث التاريخ السوداني من قبل الحكومات السابقة والحالية، وقد سبق من قبل ان قال البروفسور عبد الله الطيب (نحن شعب بلا تاريخ)!! 4- المدخل الاول: (أ)- علي غير العادة، في يوم الجمعة 2 يوليو عام 1976- وتحديدآ في تمام الساعة الثالثة ظهرآ-، سمع سكان بعض المناطق في الخرطوم اصوات طلقات رصاص ودوي قنابل في مناطق متفرقة من العاصمة ، وخرج السكان من منازلهم بهلع شديد وبقلوب واجفة يستطلعون الخبر، وبينما كانت الجماهير باقية في الشوارع تحاول فهم حقيقة مايجري ، كانت تمر من امامهم عربات ماركة (كومر) وعلي ظهرها رجال مسلحين بالمدافع الرشاشة ومدافع (اربجي) "، كانت ازياءهم واحدة مكونة من سروال ابيض طويل، وفوقه قميص عراقي ابيض طويل، كانت كل العربات كانت جديدة الصنع، والغريب في الأمر ان بعض من هؤلاء المسلحين كانوا يسألون المارة عن مكان مقر القيادة العامة، فتبرع الكثيرين بالمساعدة بعفوية شديدة دون اي تدقيق في هوية هؤلاء الاغراب واشاروا باصابعهم الي جهة القيادة العامة. (ب)- مع ازدياد طلقات الرصاص بكثافة شديدة في عدة اماكن وسط الخرطوم لساعات طويلة، سارعت الاسر الي البقاء في منازلهم، ولكن مما زاد قلق الناس، ان الارسال الاذاعي توقف تمامآ عن البث، وتعطلت الهواتف، وما عرف احد من المواطنين هوية هؤلاء المسلحين؟!!..ولا من هم?!! وماذا يريدون ؟!!..وهل حقآ يهدفون الي تغيير نظام الحكم بالقوة?!! (ج)- عن هذه الاحداث والتي عرفناها فيما بعد، عرفنا ان هذه القوة المسلحة قوامها سودانيين مسلحين جاءوا من ليبيا لتغيير نظام 25 مايو بالقوة، وانهم وبالرغم من قلة معرفتهم بجغرافية الخرطوم وامدرمان، استطاعوا ان يحتلوا اهم المراكز والشوارع الرئيسية في الخرطوم بكل سهولة، وفرضوا عليها سيطرتهم الكاملة، كانوا يجوبون شوارع الخرطوم الرئيسية بكل أمن وامان بعرباتهم بلا اي خوف، لم يجدوا اي مقاومة علي الأطلاق من قبل القوات المسلحة او من رجال الشرطة، فقد حاصروا القيادة العامة من كل اطرافها بعد وصولهم الخرطوم، وطوقوها كالتفاف السوار بالمعصم، ومنعوا الجميع في القيادة العامة من الخروج. (د)- اغلب الضباط والجنود في القوات المسلحة الذين كانوا وقتها في منازلهم في يوم الجمعة ، لم يستطيعوا الوصول للقيادة العامة، فكل الطرق الرئيسية والفرعية المودية للقيادة كانت واقعة تحت قبضة المسلحين، وما زاد من تازم الوضع، ان الاتصالات عبر الهواتف كانت مقطوعة بسبب وقوع ( مصلحة المواصلات السلكية واللاسلكية) في ايدي المسلحين، وقع هذا الهجوم المسلح علي الخرطوم في يوم عطلة نهاية الاسبوع " الجمعة "، مما جعل الاتصالات بين المواطنيين والجهات الرسمية لمعرفة الحاصل مقطوعة تمامآ. (ه)- وما زاد من حيرة المواطنين وبلبلة افكارهم ، ان الاذاعة في امدرمان كانت تحت قبضتهم ، ومع ذلك لم يذيع احد منهم بيان او خطاب يعلن فيه ماهي اهداف الحركة العسكرية؟!!..لم يستطع احد من سكان العاصمة وامدرمان- بصورة خاصة دون باقي المدن الاخري- ان ينام في امن وسلام فقد ظلت اصوات طلقات الرصاص مستمرة بلا توقف حتي وطوال الليل. (و)- في صباح اليوم التالي تدفقت الاخبار، وعرف المواطنين ان المسلحين سودانيين لحم ودم، جاءوا من ليبيا بعرباتهم واسلحتهم لتغيير النظام برمته واحلال نظام جديد، جاءت الأخبار ايضآ وافادت عن سقوط قتلي كثيرين من ضباط وجنود القوات المسلحة، وتم معرفة رتبهم العسكرية، وعن قصة كيفية احتلالهم للاذاعة ومبني التلفزيون، والسلاح الطبي وتخريبهم بصورة كبيرة بمدافع (اربجي) كثير من المباني في هذه المؤسسات الحكومية. (ز)- اربعة ايام بلياليها الطوال، هي المدة التي وقعت فيها الخرطوم بكاملها تحت سيطرتهم التامة، ما كانت هناك ردود افعال من قبل اي جهة حكومية في الخرطوم، ولم يعرف احد اين اختفي النميري ونائبه الاول؟!! 5- المدخل الثاني: (أ)- في الخامس من يوليو- اي بعد اربعة ايام من وقوع الحدث-، استطاعت القوات المسلحة ان تستجمع قواها، وتجري اتصالات بضباطها في منازلهم ، وبالفعل تجمعوا الضباط بشكل كبير في مناطق محددة، وبادروا بالهجوم بالانقضاض علي المسلحين الذين نفذت ذخريتهم وتعطلت عرباتهم بسبب نفاذ البنزين، وفوق كل هذا انتهت كل المؤن الغذائية. (ب)- في يوم 5 يوليو- وتحديدآ في الساعة الحادية عشر صباحآ-، بدأت القوات المسلحة في استعادة المواقع الهامة في الخرطوم ، وبعد معارك غير متكافئة بين الطرفين من ناحية العدة والعتاد العسكري، تم تدمير مراكز المسلحين في أرض المطار، وكان المطار قد وقع في قبضتهم لمدة ثلاثة ايام كاملة، ومنعوا نزول او اقلاع اي طائرة ، ووقع تخريب كبير في مباني المطار. (ج)- في هذه الاثناء استطاع بونا ملوال وزير الثقافة والاعلام وقتها ان يجري اتصالات مع السفير المصري لارسال مهندسيين وفنيين مصريين لاصلاح العطب في اجهزة الاذاعة، وبالفعل وصلوا الخبراء واصلحوا ما تلف من الاجهزة، بعدها واصلت بعدها الاذاعة ارسالها رغم الخراب الذي ضرب المباني الرئيسية داخل الاذاعة. (د)- بعد هدوء الاحوال في الخرطوم، جاء النميري الي الاذاعة وخاطب الجماهير، كان في حالة يرثي لها وتبدو عليه علامات الأنهاك والتعب الشديد بصورة واضحة، كان في حالة عصبية للغاية، راح يؤكد ان البلاد تعرضت لعملية غزو من قبل (مرتزقة ) جاءوا من ليبيا بهدف تغييرالوضع القائم في البلاد ، وان كثيرين من هؤلاء (المرتزقة) مازلوا في العاصمة المثلثة، اصدر النميري (وهو من داخل الاذاعة) توجيهاته للضباط والجنود القضاء علي (المرتزقة) قضاء تام بلا رحمة اوشفقة !! (ه)- قامت قوات (الصاعقة) بعمليات انزال جنود فوق سطح مبني( مصلحة المواصلات السلكية واللاسلكية)، وقعت معركة ضارية زادت من تدمير المبني والأجهزة ، انتهت المعركة بمصرع 124 قتيلآ من الطرفين ،احتلت بعدها القوات المسلحة المبني وحاصرته بالمصفحات، استعادت القوات المسلحة ايضآ بكل سهولة مبني الاذاعة والتلفزيون. (و)- وقتها قال احد ضباط القوات المسلحة بعد ان تم أسر عدد كبير من المسلحين : ( "لقدوا كانوا في حالة يرثي لها من الجوع والعطش فهم " الأسري " ما ذاقوا طعام ولاشراب منذ اكثر من اربعة ايام، كانوا بلا ذخيرة كافية، حتي عرباتهم كانت بلا وقود، ومنذ ان قاموا باحتلال مباني الأذاعة والتلفزيون ما قربهم احدآ من المسؤولين عنهم، ولا تلقوا اي امدادات). واكمل الضابط كلامه: ( "لقد قمنا علي الفور باعدامهم، فكميات الحزن علي ضحايانا من ضباط وجنود في القوات المسلحة، وايضآ طريقة تصفيتهم للواء طبيب الشلالي، الذي واثناء عبوره لكوبري امدرمان في طريقة للسلاح الطبي اوقفوه وانزلوه من سيارته واقتادوه الي تحت الكوبري، وهناك قتلوه رميآ برصاص المدافع الرشاشة، ثم تركوه في مكانه مدة يومين في مكانه، جعلتنا نتجرد تمامآ من اي عاطفة او شفقة نحوهم".). (ز)- في اليوم الخامس من يوليو 1976، شوهدت الدبابات التابعة للقوات المسلحة وهي تجوب شوارع الخرطوم ولم تجد اي مقاومة او اعتراض من المسلحين الذين تبقوا احياء ، بدأت الأذاعة بعد الساعة السادسة تبث برامجها ال "ثورية" والأناشيد، وبين الفينة والاخري راحوا المسؤولين في الوزارات والمصالح الحكومية يناشدون الموظفين والعمال ضرورة تواجدهم صباح اليوم التالي في كل المواقع ، ثم ياتي بعده مسؤول اخر يؤيد ويبايع القائد المظفر جعفر نميري الذي دحر العدوان وسحق الغزاة المرتزقة "وحرق جوف القذافي!!" ، كان من الواضح، ان المسؤولين في الاذاعة قد افتقدوا المواد التسجيلية التي يمكن ان يملأوا بها زمن الارسال، فأستعانوا بالمسؤولين لملء الفراغ الزمني بحشو الكلام وبلاغات التأييد. 6- المدخل الثالث: (أ)- كانت فرصة لضباط القوات المسلحة وبعد ان تلقوا (الضوء الاخضر) من رئيسهم النميري القضاء علي (المرتزقة!!) للأنتقام ورد الأعتبار لانفسهم بعد التحقير والإساءات التي طالتهم خلال ايام الاحداث. بدآت عمليات التفتيش عن المسلحين الغرباء، جرت اعتقالات طالت الكثيرين من الأجانب والوافدين من دول الجوار الذين اصلآ لا ناقة لهم ولاجمل في احداث الخرطوم، وجروا جرآ الي منطقة (الحزام الاخضر ) جنوبالخرطوم، حيث تمت هناك عمليات تصفيات جسدية فورية وبلا محاكمات لمئات من الاثيوبيين والارتريين بصورة خاصة، هؤلاء الضحايا شاء حظهم العاثر ان يموتوا في الغربة بعد ان هروبوا من حكم الرئيس الاثيوبي هيلا ماريام القاسي!! (ب)- جاءت اخبار كثيرة فيما بعد، اكدت ان من تمت تصفيتهم جسديآ بعد عودة الحكم العسكري مجددآ برئاسة نميري قد فاق عددهم اكثر من ثلاثة الف وافد ولاجئ ومن بينهم بعض مختلي العقول تم التقاطهم قسرآ من الشوارع والاسواق، وبعد اعدامهم ودفنوا في مقابر جماعية في منطقة (الحزام الأخضر)، يحكي احد الضباط عن تصفياتهم فقال: ( "كنا نأمر المعتقلين حفر المقابر، وبعد ان ينتهوا من حفرها وتعميقها، نامرهم بالرقاد داخلها ثم يطلق عليهم الجنود بوابل من رصاصات المدافع الرشاشة،، وتقوم دفعة اخري من المعتقلين بردم المقابر!!..ونعيد الكرة مجددآ عليهم فيما بعد".). 7- المدخل الرابع: (أ)- الشيخ/ ابراهيم السنوسي، الذي شغل منصب مساعد الجمهورية في زمن الرئيس المخلوع، ان واحد من الذين حملوا السلاح ضد النميري، وكان ايضآ واحد من الذين شاركوا مشاركة فعالة في احداث 2 يوليو 1976، ودخل الخرطوم مع المسلحين، وفوق كل هذا هناك اتهام موجهه ضده شخصيآ بانه هو من قام باغتيال الطبيب اللواء الشلالي تحت كوبري امدرمان، حمل السنوسي السلاح ضد المشير النميري عام 1976 بحجة انه ديكتاتوري يجب الاطاحة به، واستعادة الديموقراطية المسلوبة، وجدناه بعد واحد واربعين عامآ من (حركة 2 يوليو) قد ترك السلاح والثورية، وعمل تحت امرة ديكتاتوري عسكري اسوأ الف مرة من النميري!! (ب)- مبارك الفاضل المهدي، كان هو الاخر واحد من الذين خططوا ونفذوا عملية دخول المسلحين من ليبيا الي الخرطوم بهدف اسقاط نظام 25 مايو العسكري، بعد هو الاخر مثل السنوسي تخلي عن السلاح وشارك في نظام الرئيس المخلوع بعد ان ترك حزب الامة القومي، وشغل عدة مناصب في النظام السابق كان اخرها منصب وزير الاستثمار!!، لهذا لم يكن بالغريب علي الطلاق ان يطلق عليه الشعب عليه لقب: (رجل كل العصور )!! (ج)- هناك روايات كثير من شهود عيان عاصروا الاحداث عن قرب، وافادوا ، انه قد وقعت خيانة بعد دخول المسلحين الخرطوم ادت الي عدم وصول الذخيرة والمؤن الغذائية للمسلحين، وان العربات الجديدة التي تبرعت بها الحكومة الليبية قد تم استبدالها باخريات مستهلكة!! 8- ما اشبه الليلة بالبارحة!! في 2/ يونيو عام 1976 خلت الخرطوم تمامآ من وجود ضباط وجنود تابعين للقوات المسلحة،… واليوم 2/ يونيو 2021،لا نلمس اطلاقآ بوجود جيش وطني حقيقي، وانما جيش خاص اصبح يحتل المكانة الاولي بين باقي المؤسسات العسكرية، واصبح ايضآ هو صاحب الكلمة الاولي في الشأن العسكري بالبلاد!! 9- مرفقات لها علاقة بالمقال: (أ)- في اليوم الاول من يونيو عام 2018، نشرت صحيفة "الراكوبة" تصريح خطير ادلي به مساعد رئيس الجمهورية، ورئيس شورى المؤتمر الشعبي، الشيخ إبراهيم السنوسي، حمل الصادق المهدي المسؤولية التاريخية لفشل حركة يوليو 1976م، التي قادها العميد محمد نور سعد للإطاحة بنظام الرئيس جعفر محمد نميري...وكشف السنوسي في خيمة الصحفيين التي تنظمها مؤسسة "طيبة برس" للإعلام، بفندق ريجنسي عن الأسباب التي ادت إلى فشل المعارضة السودانية آنذاك والإخوان المسلمون وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي للقيام بعمل عسكري في فجر الثاني من يوليو من العام 1976، وقال إن الصادق المهدي استبعد الإخوان المسلمين من الاستيلاء على الإذاعة ودفع بهم إلى المطار، وأشار إلى أن تأخر وصول عربة السلاح إلى العاصمة، ادى إلى مغادرة الرئيس الأسبق جعفر نميري لمطار الخرطوم، عقب نزول طائرته قبل ضربها مما أسهم في فشل الحركة. (ب)- القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي سيد أبو علي يروي قصة فشل ثورة الثاني من يوليو: خيانة الصادق المهدي ضربت عملية الثورة، وهذا ما فعله مبارك الفاضل هذا الرجل غيّر الخطة وأرسل المسؤولين إلى ماموريات وهمية المهدي اختلف مع الشريف حسين وهذا ما قاله للقذافي https://www.sudaress.com/alwatan/40672 (- مبارك كان مسؤولا عن السلاح لكن استهلك السيارات التي جلبها الشريف لتنفيذ العملية وعندما أعلنت الصافرة لجلب السلاح من مكان تخزينه لم نجد سيارات لأنها استهلكت وأصبحت لا تقوم بأي عمل وهذا بالتأكيد تكتيك وتدبير من الصادق المهدي.لم نفعل شيئاً بل أصبحنا أمام الأمر الواقع لأن المسؤول عن المدرعات أرسل في مهمة وهمية، وكذلك المسؤول عن تشغيل الإذاعة كلف بمامورية وهمية.). (ج)- إضاءات – شهادة د. عبد السلام صالح عيسى عن اجتماع المصالحة الوطنية بين نميري والصادق المهدي – 1977 [email protected]