هنالك سؤال ذو أبعاد معقدة وهو " ما هو الكائن الحي ؟ " وللإجابة عن هذا السؤال لن يكفينا القول بأن الكائن الحي كيان مكون من أعضاء لديها تأثر ببعضها البعض لتشكل كائن حي . الحياة ترتبط جدلياُ بمنظومة القيم التي نسعى إلى الوصول إليها عبر حركة الصعود الايجابي نحو التزود بالحقيقة والتي في جوهرها لب الخير وما يحيط به من جمال وحق . الخير الحقيقي محاط بالجمال من حركة تتسع بناءً على نسبية القيمة . فليس هنالك إتفاق مطلق حول الخير ولكن الكائن الحي الحقيقي هو الإنسان الساعي إلى بلوغ كمالات تشير إلى الرضى الذاتي أولا , والخير يدور في فلكه مجموعات من القيم توصف بأنها القيم العليا . الخير هو العدل والحق والجمال والسلام وما جاورها من قيم نبيلة , الخير هو المطلق الأخلاقي الذي لا تكتمل القيم إلا بوجوده . فالحق والجمال قيم رأسية يمتد تأثيرهما إلى أعلى ويشمل عرضاً محدوداً مقارنة بالخير والذي أعتبره قيمة ذات أبعاد لا متناهية التأثير تتجاوز الطول والعرض وتتجاوز الآفقي والرأسي لأنها قيمة مطلقة تسع غيرها ولا يسعها الغير . العدالة التي لا ترتبط بالحق تكون ناقصة وتستمد وجودها من اللا حقيقة وتبقى مكسورة الجناح رغم قدرتها على التحليق والذي لن يستمر إلا فوق الآلام والجراح .والحق الذي لا يرتبط بالخير يتوقف نموه المعرفي والذي هو أساس وجوده ليظل رأسياً يحقق مصالح تتارجح بين الخير والشر وذلك للضعف الموجود في القيمة نفسها . فإذا كان لدينا مجموعة أطفال قمنا بتوزيعهم عشوائياً على مدارس متفاوتة الدقة في نظامها التربوي والتعليمي وفي ذات الوقت وزعنا مجموعات اخرى على معاهد ومدارس حرفية ووضعنا مجموعة اخرى في مدارس دينية . الجامع بين هؤلاء الأطفال تحصيلهم للعلم ولكن المحصلة تتفاوت وفقاً لإرتباطها بالعدالة في التوزيع , وهل تم توزيع هؤلاء الأطفال على هذه المؤسسات وفقاً لمعايير وهنا تظهر قيمة الحق فإن تم التوزيع لمعايير فيجب معرفتها ودراستها وتقييمها ولكن إذا تم عشوائياً فنجد تصدع العدالة لمفارقتها قيمة الحق مما ينفي عنها الخيرية إلا بنسبة ضئيلة ولكنها خيرية غير دقيقة وتعتمد على الصدفة . وباسقاط ذلك على الواقع نجد أن الترتيب العدلي مختل في التعليم والتدرج يأتي في قدرة المجتمع أو الدولة في تقديم العدالة المرتبطة بالحق لهذا الطفل ومن ثم مقايستها بالخير ونسبيته على هذا الفعل . المجتمع الذي يفتقد قيمة الخير تقل فيه قيمة الحق وتصل العدالة إلى حد الهاوية . الطفل الذي ينال حق التعليم الراقي في المجتمعات المتوحشة بمعنى التي تقدس الفردية وتزدري العدالة وهي المجتمعات الرأسمالية والذي تديرها ماكينات ذات وجود مادي تعرف اصطلاحا بأنها بشر وفي الحقيقة تعمل لمصلحة الفرد لا مصلحة المجتمع , تعمل ليزداد الفقير فقراً وتؤثر على منظومة قيمه لتكون منفصلة عن بعضها ولا تتصل بالخير وذلك بصياغة سبل إقناع وقوانين ترتبط برسملة العقل أولاً ليتخلى تدريجياً عن القيمة العليا وهي الخير ويتم استبدالها يقيم رأسية جديدة ترفع من قيمة تكدس رأس المال عند البعض وبناء قيمة رأسية جديدة مبنية على القناعة بالفقر والذهاب أكثر من ذلك ليكون الحديث عن الفقر حالة ذاتية بمعنى أن المسؤولية تلقى على الفرد أو المجتمع الفقير . وبالتاكيد تجد هذه القيمة الرأسية الجديدة مقاومة أخلاقية في المقام الأول رجوعاً للقيمة العليا وهي الخير لنجيب عن هذه الأزمة الأخلاقية بأن العدالة تكون بامتلاك الحق المتساوي في الحياة الكريمة والتي تشعر فيها بالحق والجمال واللذان يرتبطان بقيم مثل العدالة والحب والسلام وغيرها . والجمال يتجاوز المحسوس _ رغم أهميته _ إلى اللا محسوس وهي أن يبقى الإنسان في فلك الخير يرى الحياة من خلال اللا محدودية التي تشكلها قيمة الخير . الجمال أن تبقى حياً بروحك وجسدك وتعي المتغيرات التي تحيط بك وتشارك في صنعها بأن لا تسحقك الماكينات الرأسمالية ذات الوجه المشوِه للخير. لنعود إلى سؤالنا الرئيس وما فيه من تعقيدات عن حقيقة الحياة وبصورة أعمق عن " الإنسان الحي " , والذي فارقت روحه ضحالة الحياة وتعلقت بالقيمة العليا وهي الخير بجامع الإرتباط بين العدل والجمال والحق وبقية القيم التي تجعل الروح أقرب إلى الخير بالسعي والسمو على عتامة الجسد وشهواته والصعود إلى عالم أبدية الخير في لحظة مفارقة تعرف فيها معنى الجسد وماهي الروح . والإنسان الحي يمثل عصارة القيم المترقية إلى القيم العليا ثم إلى القيمة الأخلاقية العليا ألا وهي الخير . الإنسان الحي من تظل روحه مفارقة لجسده في حالة الحركة والسكون الأبدي , وفي لحظة تكون الحركة تناغم أجزاء الجسد تعبيراً مجازياً عن الحياة ويكون السكون الأبدي المتناسق مع الرقي الأخلاقي في حالة الحياة والموت مجازاً. الإنسان الميت من إتصلت روحه بجسده , فتعالت قيمة الشر في تعابير الروح والجسد , فينبض بالفناء وأعضاء الجسم تعمل . إذن الإنسان الميت من التصقت روحه بجسده بدافع المباعدة عن الخير , وظل قلبه ينبض دون معرفة , وعقله ينحدر عبر مدارج الهبوط إلى حيث يوجد اللا خير ويهبط في لحظة عدمية متخذاً من الشر معولاً فأمتلأت الرئتان بالشرور فتكامل الشهيق والزفير إلى السحيق .