احتفلت صحيفة (الديمقراطي) بزيارة الكاتب الصحفي والخبير الإعلامي الدكتور مرتضى الغالي للسودان، حيث أقامت احتفالاً بمقر الصحيفة يوم الأحد 1/8/2021م حضره رئيس مجلس إدارة صحيفة (الديمقراطي) والعاملون بالصحيفة. احتوى البرنامج على كلمات ترحيب بالمحتفى به؛ بجانب تعداد مناقبه وإسهاماته. حيث رحّب رئيس مجلس إدارة صحيفة (الديمقراطي) الأستاذ الحاج ورّاق بالدكتور مرتضى الغالي. كما رحبّت به كل من رئيسة التحرير أسماء جمعة، ومدير التحرير- منصور الصويم. وتحدث د.مرتضى الغالي في الحفل عن محاور متعددة متعلقة بمهنة الصحافة. شهد اللقاء مداخلات وتعقيبات من قبل الصحفيين والعاملين بالصحيفة، حيث تحدثت الصحفية ماجدة عدلان عن الشائعات، بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وقالت: "هنالك معلومات كثيفة ومجهولة المصدر أصبحت تأتي عبر وسائط التواصل الحديثة، وتساءلت عما إذا كانت السلطة تستطيع منع تداول هذه الشائعات والأخبار غير الحقيقية"، والتي وصفتها بأنها مهدد حقيقي للانتقال الديمقراطي. بينما تحدثت رئيسة قسم التحقيقات أم زين آدم، عن الصحافة السودانية ودورها في فترات الديمقراطية قائلةً: "إذا ذهبنا لدار الوثائق السودانية؛ سنجد أن أسوأ فترة للصحافة كانت في فترة الديمقراطيات المُجهضة، ففي الديمقراطية الثالثة كانت هنالك الكثير من الشائعات وكل الصحف كانت ذات توجهات غير ديمقراطية. ما أود السؤال عنه؛ هل تعني حرية التعبير أن تترك الدولة الحبل على الغارب، وتسمح لكل من يريد الكتابة أن يكتب ما يشاء وكيفما يشاء؟"، وتساءلت عن الآليات التي يمكن أن تتبع لمحاربة هذا النوع من الإعلام. مصطفى أحمد مختار- رئيس القسم الرياضي وجّه سؤلاً: "هنالك هاجس تواجهه الصحافة الورقية في ظل تمدد الصحافة الإلكترونية، في السودان وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية؛ هل يمكن إنقاذ الصحف الورقية من التلاشي وذلك لكونها وسيلة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها؟"، وطرح الصحفي إدريس عبدالله سؤالاً عن التعدد النقابي الذي تشهده مهنة الصحافة بالسودان، وعن الطرق التي يمكن أن تعزز التزام الصحفي بأخلاقيات المهنة. كان البرنامج من تقديم الأستاذة إيمان آدم خالد، واحتوى على فقرة قراءة شعرية للشاعر المغيرة حربية، واختتمته غناءً الفنانة ستّنا عمر إبراهيم. ______________________________________________________________________________________ *مقتطفات من كلمة د.مرتضى الغالي*
في البدء شكراً جزيلاً، سعادتي غامرة جداً لوجودي بصحيفة (الديمقراطي)، وأعتقد أنها صحيفة مختلفة، ولديها رسالة كبيرة. لذلك يجب ألا تفتر الهمم وتكون الصحيفة على الدوام بالمستوى الذي يليق بالمشروع الديمقراطي. دائماً أتساءل، كيف لا تصبح صحيفة (الديمقراطي) الصحيفة الأولى في السودان؟، وأعلم تماماً أن هنالك بعض الأسباب التي تؤكد أن هنالك عدم إنصاف في تقييم الصحف التي تصدر حتى نستطيع معرفة الصحف الأكثر توزيعاً. مضمون صحيفة (الديمقراطي) بالنسبة لي مرضٍ تماماً، وهذا المضمون واكبه إخراج لم أجده في أي صحيفة أخرى. عندما كنت أقدم محاضرات عن حرية التعبير بمركز حقوق الإنسان؛ كنت دائماً أبدأ بقصة تُحكى عن قطار به أربعة أشخاص: "فتاة جميلة، وامرأة عجوزة، وشاب مشاغب، ورابعهم شاب جاد". وبينما كان القطار يسير؛ فإذا به يدخل في نفق مظلم وانتقلت الظلمة إلى داخل القطار. قام الشاب المشاغب بتقبيل يده بصوتٍ عالٍ ثم صفع الشاب الجاد، وبعدما خرج القطار للضوء كانت هنالك عدة تصورات لحدث لم يحدث، حيث قال الشاب الجاد: ظفرت بالصفعة ولم أظفر بالقبلة، أما المرأة العجوز فقالت: إن هذا الشاب قبّل الفتاة في الظلام لذلك فهو يستحق تلك الصفعة، وأكثر الناس دهشةً كانت الفتاة الجميلة، حيث اعتقدت أن الشاب تركها وقبّل العجوزة. كل هذه التصورات جاءت نتيجةً لانتشار الظلام. الظلام أحياناً لا يعني غياب الضوء، بل قد يتجسد في الحالة العامه، فمثلاً التشريعات في البلدان قد تكون غير مفهومة، والقوى السياسية وكذلك الإعلام مضطرب، فتحدُث أشياء وهمية (مفبركة) وتنتشر عنها الكتابات وتجد أصداءً واسعة. ما أود قوله أنكم تعملون في بيئة إعلامية فيها انتشار للشائعات، والشائعة في الإعلام تنمو وتنتشر في ظروف معينة، أحياناً يكون انتشارها بسبب حدوث أمر مجهول الأسباب، فيكون هنالك فراغ تتولى ملؤه الشائعات. ومن اسمها ترتبط بالشيوع والانتشار بين الناس. والشائعة لا يمكن إهمالها بل يجب التعامل معها. الآن أصبحت الشائعة موضوع لدراسات كبرى، ولديها أشكال وأنواع متعددة، وأذكر أن هنالك دراسة أكاديمية تتحدث عن سايكولوجية الشائعة، حيث تكون هنالك ضبابية معرفية منتشرة بالمجتمع، ويقوم أشخاص بالاستفادة من هذه الضبابية فيستخدمون جزءاً من المعلومة ويكملوه بمعلومات أخرى غير حقيقية. كما أن انتشار الشائعة يرتكز على أهمية الموضوع؛ بمعنى أن الشائعة يكون انتشارها أوسع إذا كانت حول موضوع يهم الناس وبه درجة من الغموض. العامة من الناس يميلون إلى الأخبار الخفيفة والركيكة والتي تحتوي على الطرائف والسخرية أكثر من الأخبار الرصينة، فمثلاً إذا كان هنالك خبر يحوي معلومات مهمة عمّا تم إنتاجه من القمح خلال العام لن يجد اهتماماً على عكس أي خبر ركيك آخر. ذات مرة سألت أكثر من ثلاثين صحفياً عن سعر ربع ملوة البصل، فلم أجد الإجابة، لابد للصحفي أن يكون ملماً باقتصاد المجتمع. قبل عدة أيام هنالك صحيفة محلية من الصحف التي توصف ب (الكبيرة) قامت بنشر خبر انتشر انتشاراً واسعاً، وعُرض في التلفاز، الخبر مفاده أن صادرات السودان بلغت قيمتها 6 مليارات دولار، وفي نفس الخبر قيل أن غرفة الصادرات محتجّة على ضعف البنية التصديرية وعدم تجاوب الحكومة، ولحسن الحظ هنالك صحفي اسمه عبد المنعم أبو إدريس رد على الخبر بأن قيمة التصدير تبلغ 800 دولار، بمعنى أن الفرق الذي أحدثه هذا الخبر المغلوط يساوي 5 مليارات و200 مليون دولار. هنالك مشكلة حقيقية تعاني منها الصحف السودانية؛ وهي عدم الدقة في نقل الأخبار والتصريحات والأرقام، حيث أصبح من السهولة بمكان أن يكتب الخبر أي شخص وبأي كيفية ويتداوله الناس، ويتم تحليله والتعليق عليه في القنوات الفضائية. يجب أن يكون هنالك قانون للمعلومات، وتكون المعلومات متاحة وسهلة الوصول ومرتّبة، ولا يعاني من يحتاجها في الوصول إليها. مؤسسة طومسون وضعت حوالي 20 صفة يجب أن يتميز بها العمل الصحفي، من ضمنها ضرورة وجود جرأة وشجاعة لدى الصحيفة لتصحيح الخطأ. وفي الأخبار الصِحَّة لا تعني الدقة، لأنه قد يكون الخبر صحيحاً لكنه غير دقيق لعدم اكتمال عناصره وعدم تغطيته لكافة الجوانب، مثلما حدث في حرب أكتوبر، حيث كانت مصر تقول على سبيل المثال: أسقطنا عشرين طائرة إسرائيلية، وفي نفس الوقت تكون إسرائيل أسقطت مائتين وثمانين طائرة!. وبمناسبة ضرورة الدقة في العمل الصحفي تحضرني قصة : أحد الصحفيين كتب خبراً يقول إن عازفاً تزوج فنانة ما، واختتم عنوان الخبر بعلامة تعجُّب، فرفع العازف دعوة قضائية ضد هذا الصحفي وكسبها، وغرمت الصحيفة خمس جنيهات. في ذلك الوقت كانت الصحف تُطبع بواسطة الحروف المصفوفة، وكل حرف وعلامة ترقيم لديها صندوق، فأخذ رئيس التحرير (صالح عرابي) صندوق علامة التعجُّب وأغلقه في درجه المكتبي، وأصبح أي من الصحفيين يأتي إليه يستأذنه استخدام علامة التعجب، ولا يعطيها إياه إلا بعدما يرى موضع العجب. هنالك أمر آخر يتعلق بالأخبار، وهو أن طبيعة الأخبار تختلف من مجتمع لآخر، فمثلاً يمكن أن يكون الخبر الأول في شبكة السي إن إن (بطة تكسر قدمها) وهذا الخبر قد يكون في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع الموجّه له، وهذا يتعلق أيضاً بمسألة القرب، ويورد في ذلك مثالا: إذا كان هنالك ألف شخص ماتوا في ألاسكا يمكن أن يساووا مائة في بريطانيا وخمسين في تونس وعشرة في السودان وواحد إن كان جارك، فرواندا ماتوا فيها خلال الحرب الأهلية مليون مواطن، وفي ذات الوقت كان الإعلام الأمريكي منشغل جداً بمقتل عشرين مواطناً في أحد المدارس بأمريكا. كل كلمة في الصحيفة تساوي تكلفة مالية ومجهودا، لذلك الكلمات الزائدة والمترادفات في الأخبار غير مقبولة إطلاقاً. وبالطبع هنالك فروقات بين طبيعة الأشكال الصحفية، ففي الأخبار غير مسموح باستخدام المترادفات والعبارات المكررة، أما العمود الصحفي فلابد أن تكون للكاتب بصمته الخاصة وأسلوبه الذي يميزه عن باقي الكتاب. من أهم وظائف الصحيفة المراقبة، وأن تكون جرس إنذار مبكر لما يمكن أن يحدث في كل المجالات، وكما يقول الاقتصادي الهندي (أمارتيا سن): لا يُمكن أن تحدث مجاعة في بلد ديمقراطي به صحافة تتمتع بحرية التعبير. كما أن الصحيفة مسؤولة عن التنشئة المدنية والدعوة إلى التنوير وتوجيه الرأي العام. والصحيفة وسيط ما بين الشعب وحكومته -أي هي لسان المجتمع، ويتعين عليها نقل الرسائل بين الطرفين ليعلم الناس ما تفعله الحكومة، ولتعلم الحكومة ما يطلبه الناس، وأعتقد أن صحيفة (الديمقراطي) تقوم بهذه الأدوار، ولها رسائل مهمة في مرحلة مهمة. أيضاً يجب التنويع في الأخبار، فإذا كان هنالك مصدر واحد للأخبار سيُستنزف. وما يحدث في كثير من الصحف الآن هو أن الصحفي لا يجتهد في المتابعة وتكون لديه مصادر سهلة الوصول فلا يُكلّف نفسه عناء البحث عن المعلومة. ويجب على الصحيفة أن تصل لأكبر عدد من القطاعات وفئات المجتمع، وتغطي مواضيع متعددة؛ مثل قضايا الرعاة والمزارعين، مشاكل المياه، الظواهر الجديدة، حركة المجتمع،.. إلخ. أعتقد كل المشاكل والاستفسارات التي طرحها الإخوة تحتاج لجلسات نقاش موسّعة، واستضافة الخبراء والمدربين. مشكلة واقع الصحافة اليوم مشكلة كبيرة جداً، فإذا كانت هنالك 18 صحيفة بالسودان؛ نجد أن هنالك 16 صحيفة ضد الثورة، هذه الصحف القائمة بنسبة تسعين بالمائة تابعة للنظام البائد إما بالملكية أو بالعناصر الحزبية. في زمن الإنقاذ كان هناك عدد من الصحفيين والشباب، يريدون العمل بمهنية، لكن قيادات الصحف ورؤساء التحرير كانوا موالين للنظام، ويتولى رئيس التحرير مهمة الرقابة الداخلية ويعمل وفقاً لنظرية حارس للبوابة، حيث يسمح بنشر مواد ويخفي الأخرى. أما كيف يحافظ الصحفي على الموضوعية دون تأثير من قبل الجهات التي يتعامل معها؟ على الصحفي أن يتمتع بشخصية قوية ولا يحدث له ما يُسمى ب(تأثير الهالة) لأنه مسنود بمهنة لديها قوتها وهي أشبه بالرقيب لأعلى السلطات. هنالك صحفيون عندما يقابلون شخصاً ما ينبهرون به لدرجة التأثر به، وهذا لا يصنع صحفياً مهنياً. وهناك أمر يتعلق بالنزاهة المهنية وهو قبول الصحفي للهدية، النظام الأمريكي يحدد للصحفي كيف يتعامل إذا ما قُدّمت له هديه، وأجاز له أن يقبل بالهدية فقط إذا كانت قيمتها أقل من خمس دولارات، مثل أن تكون الهدية قلم أو دفتر، وهكذا. هنالك مفهوم شائع وهو أن الصحفي يجب أن يكون محايداً، ولكن أقول على الصحفي أن يكون موضوعياً ومنحازاً للقيم العليا، فلا حياد عن القيم الإنسانية والقيم الوطنية، وعلى كل صحفي سوداني أن يسأل نفسه؛ هل هو مع تقدم السودان وتنميته وحريته والعدالة والإنصاف فيه أم لا. في أكبر الدول الديمقراطية نجد أن حرية التعبير تكون مضبوطة، فهنالك مواضيع يمنع التحدث عنها، مثل مهددات الدولة، والصور والمواد التي تحتوي على فظائع يُحظر نشرها، بالإضافة إلى المواد التي تحتوي على خصوصية شخصية. أما في الحديث عن مستقبل الصحف الورقية، فسيظل للصحف الورقية تأثيرها القوي، مثلاً يمكن للكلمة الافتتاحية لصحيفة (نيويورك تايمز) أن تغير سياسة أمريكا . المؤسف حالياً أن نقابة الصحفيين حتى الآن لم تؤسس، وتعاني من صراعات وانقسامات داخلية معقدة، وجود النقابة مهم جداً؛ فهي سلطة أخلاقية ومعنوية وكان بالإمكان أن تلعب دوراً كبيراً في تطوير وضع الصحافة والإعلام في هذه الفترة.