زين العابدين صالح عبد الرحمن في المقال الأول أشرنا إلي دور السيد علي الميرغي في استقلال السودان وبرز في محاور حملها انجاله. كانت خمس قضايا شكلت ثقافة الأسرة من خلال الإلتزام بها لكي تحافظ على وضعها الاجتماعي والسياسي في السودان، والخمس قضايا كان السيد محمد عثمان الميرغني ملتزما بها في حياته السياسية وأيضا تربية أبنائه وكذلك السيد أحمد الميرغني. وتتمحور في تقديم" نسبه ببيت النبوة كما هو مشاع" كرافعة لأسرته في العمل السياسي. و هذا النسب مدثر بالقدسية تحتم على الأسرة أن تكون على مسافة من المواطنين حتى تضمن سريان القدسية : كانت مدرسة الأشراف التي أسسها السيد علي ليدرس فيها أبنائه هدفها تمنع اختلاط أبناء السيد على مع أبناء المواطنين في المدارس لكي لا تؤثر على القدسية المطلوبة سريانها مستقبلا. وهناك مقولة القطب الاتحادي محمد توفيق أن الطائفية سوف تؤثر بشكل سلبي علي العمل السياسي ، أنها سوف تضيق مواعين الديمقراطية في الحزب. وحسهم بعدم الدخول المباشر في العمل السياسي من خلال الصعود للمنابر والعزوف عن اللقاءات الصحفية والتلفزيونية المباشرة , وعدم الدخول في الحوارات المباشرة مع الجماهير. ووجوب أختيار العناصر ذات الولاء، وتوظيف هؤلاء في خدمة الطائفة وفي الصراع السياسي حسب ما يتطلب التكتيك والمناورات السياسية . كان السيد علي الميرغني يريد أبنه محمد عثمان الميرغني يتولى شؤون الطريقة، والسيد أحمد يهتم بالعمل السياسي ، لذلك أختار السيد علي أبنه أحمد الميرغني مع الخمسة أعضاء الذين مثلوا " حزب الشعب الديمقراطي" مع الخمسة الأخرين الذين مثلوا الوطني الاتحادي بقيادة أسماعيل الأزهري في لجنة العشرة التي وحدت الحزبين وخرج المولود الجديد " الاتحادي الديمقراطي" عام 1967م، وظل أسماعيل الأزهري في قيادة العمل السياسي ، و كان السيد أحمد الميرغني عضوا في المكتب السياسي للحزب الجديد، والشيخ علي عبدالرحمن الأمين العام للحزب. حتى جاء انقلاب مايو. بعد الانقلاب مباشرة أرسل محمد عثمان الميرغني برقية تأييد للانقلاب حيث بلغت البرقيات التي ارسلها لنظام مايو قد بلغت 21 برقية كما جاء في كتاب الدكتور منصور خالد "النخبة وأدمان الفشل" وكان السيد أحمد الميرغني عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي ، وكان الشريف حسين الهندي قائدا للمسيرة السياسية للحزب وفي الجبهة الوطنية المعارضة ومتواصل مع قيادات الحزب في الداخل عبر المؤسسة الحزبية وأيضا العناصر القيادية في الاتحادات القومية والحركة الطلابية. وحتى موت الشريف عام 1982 في أثينا لكن القيادات الاتحادية في الجبهة الوطنية كانت هي التي تقود الحزب وتفرض وجودها مع غياب كامل لأسرة الميرغني. لذلك ليس غريبا عندما سقطت كل النظم الشمولية " عبود – مايو – الانقاذ" كان بيت الميرغني مشاركا فيها . في هذه الفترة كانت أسرة الميرغني قد أكتفت بوجود السيد أحمد الميرغني في المكتب السياسي ولم تدخل في مناكفة مع القيادات الاتحادية ، حتى جاءت انتفاضة إبريل 1985م أبتعدت الأسرة الميرغنية تماما عن العمل السياسي طوال الفترة الانتقالية عندما رفعت شعارات محاكمة سدنة النظام ، حتى اشتد الصراع بين المجموعات الاتحادية التي انقسمت لثلاث مجموعات رئيسية الأولى هي الشريف زين العابدين الهندي ومحمد الحسن عبد الله يسن والمجموعة الثانية علي محمود حسنين وطيفور الشايب والمجموعة الثالثة حاج مضوي ومحي الدين عثمان ، واستعانت المجموعة الأولى بالسيد محمد عثمان الذي جاء من منفاه الاختياري في سنكات لكي يكون راعيا للحزب ، ثم تم ترشيحه رئيس للحزب قبل الانتخابات رغم أن الشريف زين العابدين كان هو الذي يقوم بالفعلية السياسية حتى الانتهاء من الانتخابات حيث عين أحمد الميرغني رئيسا لمجلس السيادة. طوال هذه الفترة لم يدخل بيت الميرغني في أي مناكفات سياسية ، أو أي صراع الذي حدث بين أجنحة الاتحاديين ، فكان محمد عثمان الميرغني يعمل في هدوء لكنه استعان بالمجموعة التي كان يطلق عليها سدنة نظام مايو منهم الدكتور أحمد السيد حمد وأمين الربيع وغيرهم استطاع أن يوظف هؤلاء في العمل السياسي ولكنه بدأ يعين عددا من اتباعه في المكتب السياسي ، فالمكتب كان من ستين عضوا بلغ مائة وخمسين عضوا الأمر الذي مكنه من السيطرة الكاملة على الحزب. ولكن ظهر دوره بصورة جلية عقب انقلاب الجبهة الاسلامية القومية في يونيو عام 1989م ، خاصة في التجمع الوطني الديمقراطي ، كرئيس للتجمع ، رغم أنه كان رئيسا للتجمع لكن كان دور الحزب جامدا في هذا العمل ، و كان التجمع يشهد صراعا سياسيا بين الحركة الشعبية مدعومة بموقف الحزب الشيوعي وفي الجانب الأخر حزب الأمة ، فالميرغني كان يعتقد أن وجوده على رأسة التجمع يعتبر دورا للحزب ، ودون سابق إنذار عين مدير مكتبه في الطريقة محمد عثمان أحمد عبد الله سكرتيرا للحزب. وعندما أعترض أقطاب الحزب في الداخل والخارج ، عدل الوظيفة سكرتير الحزب في الخارج. وطوال فترة التجمع لم يخرج للإعلام وإجراء مقابلات صحفية إلا مقابلتين مع جريدة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن. لكن طرح الأسئلة والإجابة عليها جمعيها كتبها الصحفي محمد الحسن أحمد الذي كان يعمل في الجريدة. وكان يرفض التدوين. من غير العادة كان قد دعا مرة عام 1995م لاجتماع لكل عضوية الحزب في القاهرة، تحدث عن زيارته لدولة قطر ، وأيضا كانت هناك دعوة للإصلاح تحدث فيها بإقتضاب شديد ، وبعد الاجتماع طلب من سكرتاريته أن تجمع كل الأوراق من الذين كانوا يسجلون حديثه في الاجتماع، وطلب مني تسليم الورقة التي دونتها ورفضت رفضا قاطعا تسليمها ووصل معى الطالب لمساومة أن أقطع ورقة بيضاء من الدفتر وأسلمها له ، وفي اللقاء لا تتاح الفرص للأسئلة ينتهي اللقاء بإنتهاء حديثه . وقال لهاشم الرفاعي المحامي الذي كان قد استوقفه لكي يسأله؛ قال الميرغني أن رئيس الحزب لا يسأل ولا يحاور في الذي يطرحه. غاب التنظيم تماما ، وفي عام 1996م نشط شباب في دار الحزب الذي كان في مصر الجديدة بالقاهرة ، وارادوا أن تكون هناك ندوة اسبوعية ، وكانت أول ندوة بعنوان" دور الحزب في العمل المعارض" تحدث فيها الدكتور أحمد السيد حمد الذي أبتدر حديثه بسؤال أين هو الحزب الاتحادي الديمقراطي؟ و قال حمد أصبح الحزب حزب أسرة عندما يأتي السيد الميرغني للقاهرة يكون الحزب في القاهرة ، وعندما يرحل يحمل الحزب في حقيبته ، وأضاف قائلا أن قيادة السيد محمد عثمان الميرغني قد غيبت دور الحزب تماما من الساحة السياسية ، وأخبر الميرغني بحديث حمد. فأصدر الميرغني قرارا بعدم قيام ندوات داخل دار الحزب. هذا هو الأمر الذي كان قد أشار إليه محمد توفيق في نوفمبر عام 1967م ، أن الطائفية سوف تقعد بهذا الحزب. وكان دور الحزب بعد "اتفاق نيفاشا 2005م " هامشيا وظل في هامش العمل السياسي حتى اليوم ، وهذا يعود لقيادة محمد عثمان الميرغني كما أن الحزب ظل فقيرا في إنتاجه الفكري والثقافي. وحتى أموال السيد محمد عثمان اودعها خارج السودان منذ السبعينيات من القرن الماضي، وكل استثماراته خارجية لم يستفيد منها السودان ، كل الأسرة الأن في الخارج منذ انقلاب الجبهة الإسلامية ووجود مؤقت للحسن وجعفر حتى يحافظوا علي اسم الأسرة من خلال حزب تصدعت أركانه وأصبح على هامش العمل السياسي ، أن الخلاف بين جعفر والحسن كان لابد أن يحصل بسبب دخول عامل جديد التعليم. إذا بيت الميرغني ظل محافظا علي هدي السيد علي الميرغني ، في القضايا الخمسة التي يجب أن تتبعها أسرته، و إتباعها سوف يجعل الأسرة تفقد الكثير من ولاءاتها القديمة حيث تغير المجتمع الذي كان يعيش فيه السيد علي والسيد محمد عثمان الميرغني ، حيث توسع التعليم في السودان وأصبحت المعلومات متوفرة ويمكن الحصول عليها عبر الانترنيت ، كما أصبح 90% من جيل الشباب الفاعل مشاركا في كل قضايا السياسة ، ويطرحوا رأيهم بشكل واضح دون تردد ، والبعد عن هذا الشعب وعدم الاختلاط به يعني تقديم استقالة عن ممارسة النشاط السياسي بطريق غير مباشر. فالولاءات القديمة التي كانت تشكل فيها الأمية نسبة مئوية كبيرة ما عادت اليوم موجودة ، فالذي يريد أن يكون رقما في العمل السياسي يجب أن يختلط بهذا الشعب في كل أنشطته السياسية والثقافية والاجتماعية، وأن الأخوين الحسن وجعفر سوف يصبحان أخر جيل الميرغنية المرتبط بالعمل السياسي ويجدان إشكالية كبيرة في عملية التواصل مع الأجيال الجديدة. وغذا يريدان الخوض في ممارسة السياسة عليهما نبذ تلك القضايا الخمسة الموروثة من جديهما ، و ينطلقا في العمل بما يفرضه واقع التفاعل الاجتماعي والسياسي وبشروط هذا التفاعل وليس بشروطيهما. وأعود لهما في مقال أخر. و نسأل الله حسن البصيرة.