تمثل قضية البطالة تحدياً كبيراً نظراً لمؤشرات اقتصاد السوق الحر والحكومي، بالرغم من حالة الفرح الكبير التي انتابت أوساط فئة الشباب بعد سقوط ديسمبر أملاً بتبدل سوء الحال وقتها إلى أفضل أو على الأقل تحقق انفراجاً يذهب بأزمة البطالة الماحقة، إلا أن نسبة البطالة و الفقر تفاقمتا في ما بعد ذهاب حكم الإنقاذ وحتى الآونة الأخيرة الأمر الذي دفع الكثير من الشباب للتفكير في الهجرة والاغتراب لتغيير لون الحياة الرمادي واستبداله بأبيض ناصع، فالحكومة الانتقالية لم تحقق حتى الآن إنجازات ملموسة تساعد على خلق وظائف لأنها ركزت جهدها فقط على إصلاح قضايا الاقتصاد الكلي التي تعوق نهضة الاقتصاد القومي، لكن خبراء اقتصاديين قالوا ينبغي تفعيل صندوق دعم مشاريع الشباب عبر التمويل لتحريك طاقاتهم للإسهام في التنمية الاقتصادية، وثمة تساؤلات حول قضية البطالة وانعكاساتها على أرض الواقع، ليبقى أبرزها، لماذا تشن الدولة هجومها على العمالة من الشباب في العديد من المهن غير الرسمية عبر الكشات وإزالة أشكال العمل العشوائي التي انتشرت بصورة كبيرة مؤخرا سواء في العاصمة أو الولايات..؟ هل فقد الشباب الأمل في حكومة ديسمبر واعتبر أنها عجزت عن أداء واجبها حيال قضاياهم..؟ وكم تقدر نسبة البطالة في هذه الآونة التي تصاعدت أكثر بحسب المؤشرات الواقعية..؟ في وقت نحا فيه اقتصاديون الى رؤية أن إتساع الخرطوم والمدن الكبيرة أفقياً وتردي الحالة الاقتصادية دفع طيفاً واسعاً من الشباب لارتياد عالم الجريمة مدفوعاً بالمخدرات والخمور ولذلك كثرت حالات النهب والسرقة، وبحسب آخرين فإن فرص العمل للشباب في الأقاليم تقلصت لتقتصر في قطاع الزراعة وهو عمل موسمي لا يزيد عن ثلاثة أشهر ويصعب اعتماد العائلة عليه طيلة العام ولذلك يأتي قطاع الذهب الذي يستوعب الشباب بنظام المداورة. قطاع واسع يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، السودان بلد شاب وذلك لأن ثلثي عدد السكان هم دون 30 عام تقريباً، ويشير إلى أن الاقتصاد يعاني من ركود وعجز عن إيجاد فرص عمل حقيقية للشباب في مجال القطاع العام أو الخاص المرتبط بالصناعة أو حتى قطاع الخدمات الذي يمثل نحو 60% من الاقتصاد القومي، و طبقاً لرؤيته فإن معظم فرص العمل للشباب تتركز في الأقاليم في قطاع الزراعة وهو عمل موسمي لا يزيد عن الثلاثة أشهر ويصعب اعتماد العائلة عليه طيلة العام ولذلك يأتي قطاع الذهب الذي يستوعب قرابة 600 ألف شاب بنظام المداورة، إلا أنه عاد قائلا لم يبق أمام الشباب غير الهجرة إلى الخارج سواء للخليج أو حتى إلى مصر للعمل كعمال في المصانع وقطاع الإنشاءات، وذكر توجه عشرات الآلاف من الشباب صوب أوروبا عبر السنبك و اللجوء السياسي و نظام اللوتري، ولفت عبر حديثه ل(اليوم التالي) إلى أن قطاعاً واسعاً في الخرطوم والمدن الكبيرة اختار عالم الجريمة مدفوعاً بالمخدرات والخمور ولذلك كثرت حالات النهب والسرقة، ويرى أن نسبة البطالة يصعب تقديرها لأن معظم الشباب يعمل في القطاع غير الرسمي ولا يحتفظ هذا القطاع بسجلات رسمية لكن المؤكد هو أن نحو 70% من الخريجين أو أكثر لا يجدون فرص عمل في القطاع الرسمي مع أن نصفهم تقريباً يعمل في القطاع غير الرسمي وبالتالي البطالة الحقيقية لا تزيد عن 35% من مجموع الخريجين وهو رقم ضخم جداً ومخيف – هذا على حد قوله. توقعات أفضل ويضيف د.الفاتح أما بقية الشباب من غير الخريجين فربما ترتفع البطالة وسطهم إلى 70% وفق الحسابات الرسمية لكنها فعليا أقل من 20% لأنهم يعملون في القطاع غير الرسمي ويمثلون نسبة مرتفعة من المغتربين والمهاجرين وبالتالي متوسط البطالة وسط الشباب نحو 60% وفق احصاء الاقتصاد الرسمي ولكنه نحو 30% بعد استصحاب القطاع غير الرسمي الذي يمثل معظم الاقتصاد في الوضع الراهن لانه يشمل قطاع التعدين والزراعة والثروة الحيوانية والباعة الجائلين وكمسنجبة المواصلات والسماسرة، وأفاد بأن الحكومة الانتقالية لم تفعل حتى الآن أشياء ملموسة تساعد على خلق وظائف لأنها ركزت جهدها فقط في إصلاح قضايا الاقتصاد الكلي التي تعوق نهضة الاقتصاد القومي، ويضيف بأن دور الحكومة في تحسين بيئة الإنتاج ضعيف جدا ولذلك تدهورت القطاعات الإنتاجية ودخل الاقتصاد في حالة ركود تضخمي وانكماش كبير للناتج المحلي الإجمالي إلى نحو ثلث حجمه قبل ثلاث سنوات وبالتالي لم تساعد هذه القطاعات على الحد من الفقر بل ازدادت نسبته بجانب البطالة، إلا أنه يتوقع أن يشهد العام بعد القادم انطلاقة أفضل للاقتصاد قد تساعد على إنتاج وظائف تقلل نسبة البطالة في السودان. أسباب البطالة الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، يرى أن زيادة النمو السكاني في السودان أدى إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات وتقليل فرص العمل فكلما زاد عدد السكان زاد الطلب على العمل. كذلك زبادة عدد خريجي الجامعات والمعاهد تعد من أهم أسباب البطالة والتي ارتفعت نسبتها في الفترة الأخيرة، وأشار إلى تنامي المشكلة وتعقيدها فضلاً عن العدد الهائل من الخريجين في كافة الاختصاصات مع عدم توفر المهارات أو الخبرات المطلوبة فيهم، ويضيف إلى ذلك الصراعات وعدم الاستقرار الأمني في كثير من مناطق النازعات بالسودان والتهجير ونزوح كثير من سكان دول الجوار إلى السودان مما عمل على توليد قوة ضاغطة على السلع والخدمات والفساد الإداري بسبب توظيف غير المؤهلين في مواضع لا يستحقونها عن طريق الواسطة أو المعرفة الشخصية، وقال هذا ما يمنع ذوي الاختصاص من الالتحاق بالوظائف التي يستحقونها. المؤشرات الاقتصادية ويشير د. هثيم في حديثه ل(اليوم التالي) إلى أن معدلات البطالة في السودان في المتوسط خلال الفترة ما بين 1991-2018 عند 15% تقريباً بالرغم من أن هذه النسبة في الأساس مرتفعة، وتابع قائلاً إن الأخطر هو معدلات البطالة بين الشباب التي بلغت في المتوسط خلال نفس الفترة 29.7%، الأمر الذي جعل د.هيثم يؤكد على أنها ظلت دون تغير ملموس مُنذ عام 2009 إذ انحصرت ما بين 26 و27% من إجمالي الشباب في المجتمع، وواصل قائلا تمر البلاد بأزمة اقتصادية يرافقها عدم استقرار أمنى وسياسي الشيء يعوق الاستثمار والادخار في البلاد، وأوضح أن الاقتصاد سجل في المتوسط نمواً بمعدل 4.7% خلال الفترة من 1990-2018، وكانت الفترة ما بين 2013-2017 قد شهدت استقرار هذه المُعدلات فبلغت أقصاها عام 2015 عند معدل 4.9%، لكنها تراجعت في عام 2018 لتنكمش بمُعدل -2.3% الأمر الذي يعني تراجع النشاط الاقتصادي بوجه عام على مستوى البلاد، وقال ما زال الانكماش مستمراً حتى الآن وهو ما ينعكس على جميع المُؤشرات الاقتصادية الأخرى سلبا خاصة معدلات التضخم والبطالة. اليوم التالي